فن المالوف كما يطلق عليه في ليبيا وتونس هو أحد أنواع موسيقى الطرب الأندلسي والمتصل بالطرق الصوفية، وهو غير معروف في مصر وبلاد الشام ، لكنه استقر ببلاد المغرب العربي، المورث الغنائي بنصوصه الأدبية، وأوزانه الإيقاعية، ومقاماته الموسيقية التي ورثتها دول الشمال الأفريقي عن الأندلس، وطورتها وهذبتها، وتتكون مادتها النظمية من الشعر والموشحات والأزجال، والدوبيت، والقوما.

مع ما أضيف لها من إضافات لحنية أو نظمية محلية جمعت بينها دائرة النغم والإيقاع، وما استعاروه من نصوص وألحان مشرقية.

وتعتبر النوبة أهم قالب في المالوف، وتتنوع الآلات الموسيقية المرافقة والمصاحبة لفن المالوف، منها في النوبات التقليدية، ومنها «الغيطة »، وهي آلة نفخية، وآلات رقية من جلود الحيوانات منها، «النوبة»، وتستعمل في الموكب المولدي، وتحل محلها داخل الزاوية الطبلة أو «الدربوكة» والطار، والمعروف محليًا « بالندير العيساوي»، وهو ما وجدت به صنوج نحاسية، وآلة النقرة، كما تؤدي النوبات في الفرق بمجموعات موسيقية،.

وهي تضم من الآلات الوترية: العود والكمنجة والقانون، والقرنيطة والناي، آلات إيقاع الرق الشرقي والطبلة، كما يقف من ثلاثة أو أكثر بالبنادير خلف المجموعة الصوتية، من أهم المناسبات التي يقدم فيها فن المالوف في ليبيا المولد النبوي الشريف، حيث تخرج مجموعات تعرف «بالزاوية» الصغيرة والكبيرة وهي التي تتبع الرق الصوفية العيساوية، وهذا الفن اشتهرت به مدينة طرابلس وحتى منطقة تاجوراء.

وفي منتصف الألفينات برزت فرقة «كعام» التابعة لمدينة الخمس غرب العاصمة طرابلس، والتي شاركت في عدة دورات لمهرجان المالوف التي كانت تقام سنويًا والتي توقفت منذ الأربعة أعوام تقريبًا، وقد برزت عدة أسماء من مشايخ كان لهم السبق في هذا الفن، ومنهم الشيخ «منكوسة» والذي سميت على اسمه إحدى دورات المهرجان، واسمه الكامل الشيخ «على محمد منكوسة»، فقد كان شيخًا للزاوية الصغيرة وهو من مواليد العام 1929 والذي جاء خلفًا للشيخ جميل محمد القاضي المتوفى سنة 1966،

كما كان للشيخ منكوسة دور فعّال في لجنة حفظ التراث الأندلسي بالإذاعة الليبية في الستينات من القرن الماضي ، كما برز في مشاركته في نوبات المالوف على آلة الطار أو «البندير» بفرقة «الإذاعة للمالوف والموشحات»، وكان الشيخ مشهورًا بطول نوباته التقليدية، كما عرف بغزارة حفظه نصوص المالوف وصنعاته، يوجد لديه ما لا يوجد عند كثير من شيوخ الفن، توفي الشيخ منكوسة في العام 1986.

آخر الأحاديث المنسية عن قهوة منكوسة
كتب مختار دريرة المهتم بالتراث الطرابلسي عن الشيخ منكوسة بعضًا من بوح فقال:

من الأندلس إلى طرابلس، من الزوايا العيساوية الصوفية إلى سوق الثلاثاء، من بساتين طرابلس «سكرة و المنشية» ومنطقة المنصورة وبساتين المنصورة إلى قهوة منكوسة، تقع قهوة الشيخ علي المنكوسة في بوابة سوق الثلاثاء، تفتح القهوة أبوابها لاستقبال روادها منذ الفجر، تستقبل القهوة منتجي الخضراوات والفواكه لبساتين مدينة طرابلس والتي تسوق منتوجاتها في سوق الثلاثاء، كما تستقبل قهوة منكوسة مربيي الماشية بمختلف أنواعها والتي تسوق في سوق الثلاثاء.

يذكر فقد استقبلت بين جنباتها مشايخ المالوف، وأخذت تلعب دورًا كملتقى لأعلام و مشايخ و فناني فن المالوف، على سبيل المثال فقد استقبلت أعلام المالوف الليبي.

زارها كل من: الشيخ حسن علي الكعامي شيخ الفن بزاوية «سيدي الشعاب»، والشيخ خليفة الرماش الذي تولى مشيخة «زاوية الغرارات»، الشيخ خليفة بركة شيخ الفن بزاوية «وسعاية بديري»، الشيخ شعبان عاشور بوقرين شيخ الفن «بزاوية الحارات»، الشيخ الفنان الطاهر محمد عريبي شيخ الفن «بالزاوية الكبيرة»، الشيخ علي هنكة شيخ الفن «بزاوية بومشماشة».

كما زار هذه القهوة الشيخ الفنان جميل محمد القاضي شيخ الفن «بالزاوية الصغيرة»، بالإضافة لهم كان يتردد على هذه القهوة بسوق الثلاثاء تجار الفواكه والخضراوات بمدينة طرابلس لشراء احتياجاتهم من الفواكه الخضراوات لمناطقهم، إنها بحق لعبت دورًا تجاريًا و فنيًا و ثقافيًا خلال فترة أواخر الخمسينات و منتصف الستينات.