Atwasat

خمسة مليارات عام من العزلة.. البحث عن الحياة بين النجوم

القاهرة - بوابة الوسط الإثنين 17 مارس 2014, 03:07 مساء
WTV_Frequency

على مدار 4.6 مليارات سنة، ظل كوكبنا وحيدًا في الكون الشاسع الساكن، لكن من الممكن أن تنتهي عزلة الأرض قريبًا؛ فخلال العقدين الماضيين اكتشف رواد الفضاء آلاف الكواكب التي تدور حول نجوم أخرى. ولعل بعض هذه الكواكب الخارجية صور طبق الأصل من عالمنا. وهناك المزيد من الكواكب التي تظهر طوال الوقت.

ومع ذلك؛ ففي ظل تسارع عجلة الاكتشافات، ما زال حل السر الكوني الأعظم خفيًّا علينا: هل السكون الهائل الذي يشمل الكون وخواءه علامة على أننا وعالمنا وحيدون ومميزون ومتفردون تمامًا، أم أنه يعني وحسب أننا نبحث عن الحياة في الأماكن غير الصحيحة؟ بينما يدنو علماء مراقبة النجوم أكثر وأكثر من التعرف على كوكب الأرض، نجد أن اكتشافاتهم تمدنا بفهم أعمق للأسرار المعقدة للحياة والاحتمالات الكامنة في الأرض.

يستكشف المراسل العلمي لي بيلينغز ماضي "طفرة الكواكب الخارجية" ومستقبلها عبر أخباره المتعمقة ومقابلاته الشخصية مع رواد الفضاء وعلماء الكواكب. ويقصُّ علينا قصصًا تتجاوز اكتشافات هذا العالم المتغير، ويقتنص اللحظات المحورية التي دفعتهم قدمًا في بحثهم التاريخي عن أوائل الكواكب الآهلة بالسكان خارج نظامنا الشمسي. ويُقَرِّب بيلينغز القراء من كوكبة من الشخصيات المبهرة، مثل:

فرانك دريك، الرائد الذي استخدم أعظم تليسكوبات الراديو في العالم لإجراء أول أبحاث عن كائنات ذكية خارج الأرض، وبثَّ رسالة قوية جدًّا إلى النجوم، لدرجة أنها تجاوزت شمسنا لمعانًا لوهلة.

جيم كاستنغ، العالم السابق الدمث بوكالة ناسا لأبحاث الفضاء، الذي كشفت أبحاثه عن جو الأرض والمناخ أعمق أسس الحياة على كوكبنا وتنبأ بنهاية الحياة على الأرض في المستقبل البعيد وأرشد الباحثين عن الكواكب في بحثهم عن الحياة خارج الأرض.

يقتفي بيلينغز انتصارات ومآسي واعترافات رجال ونساء غير تقليديين يسعون للبحث عن حياة بين النجوم

عبر هذه القصص وغيرها من الروايات الآسرة، يقتفي بيلينغز انتصارات ومآسي واعترافات رجال ونساء غير تقليديين يسعون للبحث عن حياة بين النجوم. وعلى الرغم من التمويل غير الكافي والآراء المتعارضة وإخفاقات بعض أبرز وأقوى المنظمات العلمية في العالم أجمع، لن يهدأ الباحثون عن الكواكب إلا بعد أن يجدوا معنى الحياة في الأعماق اللامتناهية للفضاء. ويشدد بيلينغز على أن البحث البطولي عن كواكب شبيهة بالأرض ليس مسعًى علميًّا وحسب، بل انعكاس أيضًا لآمال ثقافتنا السرمدية ومخاوفها.

يعيش علم الفلك عصرًا ذهبيًّا، لكن ما السر وراء أهمية البحث عن كائنات ذكية خارج مجرتنا؟ وهل سنرحل عن كوكبنا؟

يعيش علم الفلك عصرًا ذهبيًّا، لكن ما السر وراء أهمية البحث عن كائنات ذكية خارج مجرتنا؟ وهل سنرحل عن كوكبنا؟
في كتاب "السنوات الضوئية"، أحد الأعمال الكونية الساخرة التي وضعها إيتالو كالفينو، يرى الراوي، بتليسكوبه، علامةً على مجرة على بُعد مئات ملايين السنوات الضوئية، مفادها أن "أنا أراك". وإذ أصابه الذهول، فقد أخذ يتحقق من يومياته، وعثر على أنه في ذاك اليوم نفسه منذ 200 مليون سنة، قام بشيء حاول دومًا أن يخفيه. ظل يبحث بحماس عن رد فعل، متأملاً "دعني أشرح" و"أود أن أراك في مكاني" قبل أن يستقر على "ماذا عن ذلك؟". تكشَّف له حوار بين الراوي ومحاوره البعيد، حتى في ظل المزيد من المراقبين الأكثر بُعدًا ممن أدلوا بدلوهم في الحوار الذي يستغرق كل تعليق فيه مئات الملايين من السنين حتى يصل.

كان كالفينو يكتب في ستينات القرن العشرين، بعد اكتشاف الكوازارت بفترة وجيزة، وخلال فترة كانت فيها طبيعة الكون كما نستوعبها الآن ما زالت تتجلى لنا. حوَّل الراوي هذه القصة إلى قطعة كوميدية ممتعة. لكن التوقعات بوجود حياة على مسافات بعيدة جدًّا في الكون ليست بجديدة؛ ففي القرن السادس قبل الميلاد، اقترح الفيلسوف أناكسيماندر أن ثمة عوالم أخرى تتشكل إلى ما لا نهاية، وتتفكك في كون لا متناهي الامتداد. وبعده بقرن من الزمان، حاج الفيلسوف الضاحك ديموقريطوس بأن الرقصة اللامتناهية للذرات ستفضي، لا محالة، إلى أعداد لا نهاية لها من العوالم والحيوات الأخرى. وفي القرن الثاني عشر بعد الميلاد، كتب العالم المسلم فخر الدين الرازي مستشهدًا بآية من القرآن الكريم تصف الله باعتباره رب العالمين، كتب عن آلاف مؤلفة من العوالم.

وفي القرن السابع عشر، شرع يوهانز كيبلر وكريستيان هيوغنس وغيرهما في التساؤل عمَّا إذا كانت التحسينات التي طرأت على التليسكوب الذي ابتُكر حديثًا ستمكِّن البشر ذات يوم من فحص بعض العوالم الأخرى حقًّا. كتب روبرت هوك، عام 1665: "ربما يمكن خلق الكثير من الأدوات المساعدة الأخرى للعين المجردة التي يمكننا بواسطتها الكشف عن مخلوقات حية على القمر أو غير ذلك من الكواكب".

وبعدها بـ350 عامًا، توسَّع منظورنا بطرق لم يكن ليتخيلها هوك ومعاصروه. يمكننا رؤية النجوم وهي تتشكل في سُدُمٍ من الغبار والغاز. وبإمكاننا أن نرى بواسطة صورة عميقة المجال يلتقطها التليسكوب الفضائي هابل عشرة آلاف مجرة، كل منها تحتوي على مليارات النجوم في بقعة من الفضاء يوازي قطرها ذرة من الرمل على بُعد ذراع. ألقينا نظرة على مجرة على بعد 13.3 سنة ضوئية؛ حيث لم يمر على وجودها أكثر من 500 مليون سنة بعد الانفجار العظيم. ويمكننا استكشاف، ولو أنه لا يمكننا أن نرى، دوران ثقب أسود والآثار النسبية التي تحرِّف الزمكان بالقرب من أفقه الحدثي كل عقد من الزمان، وأحيانًا كل عام، يجلب لنا المزيد من الاكتشافات المذهلة. ويقول المنظرون: إننا بالكاد بدأنا. ولعل أكثر من 95% من الطاقة والمادة ما زالت خفية عنَّا بالكامل. وربما أن كوننا واحد من بين الكثير من الأكوان التي يشبه كل منها فقاعة الصابون في كون متعدد أضخم بكثير.

كوكب شبيه بالأرض في مجرتنا

ولقد وقعت في مجال بصرنا أيضًا مجموعة من الأماكن التي ربما تكون مأهولة بالسكان. يشهد علم دراسة الكواكب الخارجية Exoplanetology، المعني بدراسة الكواكب التي تدور حول نجوم أخرى أبعد بكثير من الشمس، عصرًا ذهبيًّا. فقد تم اكتشاف ما يربو على 900 كوكب خارجي، وهناك 1000 أخرى مشتبه في وجودها، وكواكب أخرى جديدة تظهر تقريبًا كل أسبوع. وتوحي الاستدلالات الإحصائية أنه ربما أن هناك حوالي 20 مليار كوكب شبيه بالأرض في مجرتنا وحدها. ويشهد فهمنا لهذه الأجسام البعيدة تطورًا مهولاً؛ فأخيرًا وضع علماء الفلك تخطيطًا للسحب التي تحوم حول كوكب يبعد عنا 1000 سنة ضوئية. وفي الوقت نفسه، فإن مجال بيولوجيا الفضاء المزدهر ما برح يكتشف سبلاً جديدة لدراسة عوامل تمكين الحياة وتطورها وازدهارها خارج الأرض.

وعلى الرغم من ذلك، في جانب واحد على الأقل، لم نتخطَّ ما وصل إليه ديموقريطوس أو هوك، فلم نعثر على أثر لحياة أخرى. ويبدو ذلك غريبًا؛فبالنظر إلى عمر الكون وعدد نجومه الهائل، من المفترض وجود كائنات خارج الأرض. كما قال إنريكو فيرمي باقتضاب عام 1950: أين هم بحق السماء؟

"خمسة مليارات عام من العزلة"

يقص علينا لي بيلينغز في كتابه "خمسة مليارات عام من العزلة" قصص الذين حاولوا وما برحوا يحاولون الإجابة عن سؤال فيرمي. ويعرض علينا بيلينغز التفاصيل العلمية والتقنية ببراعة واقتدار، والكتاب يحوي الكثير مما يطيب لأي خبير لا يعرف بالفعل كيف يمكن رؤية كوكب بعيد إلى جوار نجم يفوقه لمعانًا، كما تفوق القنبلة النووية المنفجرة قنبلة أخرى مثيلة لم ينزع فتيلها.

لكن الكتاب يتجاوز ذلك؛ فقد تجشم بيلينغز عناءً جسيمًا لاقتفاء أثر أبرز العلماء وتمضية وقت معهم بحثًا عن الحياة خارج كوكبنا. ويبدأ جولته مع فرانك دريك الذي بدأ البحث عن كائنات ذكية خارج الأرض عام 1969، ويشتهر بمعادلة دريك التي تحدد عمر الحضارة التكنولوجية باعتبارها مفتاحًا أساسيًّا لما إذا كنا سنجد حضارة أخرى أو نتواصل معها قط. وثمة علماء آخرون منهم غريغوري لوغلين الذي يخرج علينا بأفكار مثيرة وزاخرة، كما تلقي علينا عجلة كاثرين بشررها، وسارة سيغر من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا MIT، وهي رائدة في جيل أصغر سنًّا من العلماء المتخصصين في البحث عن الكواكب الخارجية. وما يخلع على الكتاب رونقًا حقًّا هو أن بيلينغز يربط بين أعمالهم وسؤال يلح علينا جميعًا: كيف لنا أن نكفل الحماية للحياة التي نعرفها على كوكب الأرض ونتعهدها بالرعاية الواجبة على أفضل ما يكون؟

يشكك الكثير من العلماء في أننا سنعثر على كائنات ذكية في أي مكان في مجرتنا. لِمَ إذًا نواصل البحث المتسع؟ يبدو هذا السؤال ملحًّا تحديدًا في الولايات المتحدة الأميركية في وقت يجد فيه الشعب الأميركي الذي يعاني تبعات الحروب غير الممولة وانعدام المساواة المتفاقم وقطاعًا ماليًّا خارجًا عن السيطرة، يجد فيه نفسه محاصَرًا بقوى مناوئة للديمقراطية والعلم.

هناك ثلاثة أجوبة لهذا السؤال، الأول: أن العرض لم ينتهِ بعدُ. ما زال بالإمكان العثور على دليل يدعم الحياة، ربما استنادًا إلى خلل كيميائي في التوازن في جو كوكب بعيد. فهذا سيكون مذهلاً وحده، ولعله يكون أعظم اكتشاف في التاريخ.

والثاني: سواء اكتشفنا أن الحياة لا وجود لها أو نادرة الوجود أو شائعة في الكون، فإن الفهم الأفضل لعوامل هذا الكون سيرقى بتفكيرنا في طبيعته. ومن الممكن أن يساعدنا هذا الفهم في التفكير بجلاء أكثر في كيفية السيطرة على الأثر الذي نتركه على النظام البيولوجي – الجيولوجي - الكيميائي لكوكبنا الذي نصيبه بالخلل حاليًّا بدرجة لا تقل عمقًا عن العوامل وراء بعض أحداث الاندثار الجماعي العظيمة التي وقعت عبر التاريخ. وقد تكون هذه خطوة أولى صغيرة نحو الكشف عن كائنات ذكية على كواكب أخرى.

 هل الوسيلة الوحيدة لبقاء البشر أو مَن يخلفهم الخروج من كوكب الأرض

والثالث: لأنه على المدى البعيد، وبينما تزداد الشمس استعارًا، فإن الوسيلة الوحيدة لبقاء البشر أو مَن يخلفهم ربما تكون الخروج من كوكب الأرض؛ فمن المنطقي حقًّا أن نفكر في ذلك الآن. لقد مهدت هذه الرؤية -الضمنية عادة، التي نادرًا ما يصرح بها أحد خشية سخرية الآخرين- بحسب بيلينغز، الطريق أمام الاستكشاف الفضائي منذ بدايته عندما حلم قسطنطينتسيو لكوفسكي بأوائل الصواريخ الفضائية في كابينة خشبية نائية أواخر القرن التاسع عشر. وثَمَّة عمل حديث تحت عنوان "قرن المركبات الفضائية: نحو أفق أعظم"، يستكشف فيه علماء بارزون إمكانية تدشين رحلة ما بين النجوم بحلول عام 2100. وهم علماء عاقلون جدًّا، ورؤيتهم ليست مستحيلة بالمرة، حتى لو لم تكن سلمية وحميدة بالكامل.

مستقبل حياة نظامنا الشمسي

في مقابلة شخصية العام المنصرم، قال بيلينغز إنه سيثبت بالدليل القاطع أن عصرنا، عند النظر إليه في سياق الزمن الكوكبي بالكامل "سيمثل نقطة الارتكاز التي سيدور حولها مستقبل حياة نظامنا الشمسي بأكمله على أقل تقدير". ويحاج بيلينغز بأنه على الرغم من أن البشر يملكون القدرة الفريدة على نقل الحياة والذكاء إلى ما وراء الأرض ونحو آفاق جديدة مجهولة، فثمة احتمال كبير أننا سنعجز عن تحقيق ذلك. وقد تنتهي حياة الإنسان كما بدأت (في عزلة قاسية وقصيرة على كوكب وحيد منعزل). إن كتابه "خمسة مليارات عام من العزلة"، في جزء منه، محاولة منه لتفسير هذه المعتقدات والتصالح معها.

ويُعد ديفيد دويتش، عالم الفيزياء الرائد في مجال الحوسبة الكَمِّيَّة، أكثر تفاؤلاً من بيلينغز؛ ففي كتابه "بداية اللانهاية" يشدد دويتش على أنه على الرغم من كل الطفرات العلمية المذهلة التي حققناها حتى يومنا هذا، ما زال عالمنا مهولاً: فنحن لا نعلم هكذا ببساطة. (ولو كان كالفن، الشخصية الكرتونية، على حق، فإن أبرز دليل على وجود كائنات ذكية في الكون هو أنها لم تحاول الاتصال بنا).

في الوقت الراهن، ربما علينا أن نهدأ وحسب. في كتابه "الكون كمرآة"، يعقد السيد بالومار، الابتكار الأخير للكاتب إيتالو كالفينو، الآمال على أن يجلب له التأمل في الكون الحكمة ورباطة الجأش. ويفيق من شروده على صخب الحياة العادية ليجد أنه عرضة للحيرة والتردد والزلل والأسى كما كان من قبلُ.

خمسة مليارات عام من العزلة.. البحث عن الحياة بين النجوم
خمسة مليارات عام من العزلة.. البحث عن الحياة بين النجوم
خمسة مليارات عام من العزلة.. البحث عن الحياة بين النجوم

المزيد من بوابة الوسط

تعليقات

عناوين ذات صلة
لأول مرة.. ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب في 2024
لأول مرة.. ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب في 2024
ذكرى الوحدة الوطنية تحت مجهر القبة الفلكية
ذكرى الوحدة الوطنية تحت مجهر القبة الفلكية
أولمبياد باريس: متحف اللوفر يقدم جلسات رياضية أولمبية
أولمبياد باريس: متحف اللوفر يقدم جلسات رياضية أولمبية
باكورة إصدارات «غسوف»: رواية ورياضة وتراث
باكورة إصدارات «غسوف»: رواية ورياضة وتراث
مصر «ضيف شرف» ومحفوظ «الشخصية المحورية» في معرض أبوظبي للكتاب «33»
مصر «ضيف شرف» ومحفوظ «الشخصية المحورية» في معرض أبوظبي للكتاب ...
المزيد
الاكثر تفضيلا في هذا القسم