تعد بداية مسيرة الفنان المنحدر من دلتا ميسيسيبي بي بي كينغ حين وقف على خشبة مسرح سان فرانسيسكو سنة 1968 أمام حشد من الهيبيز البيض من أصحاب الشعر الطويل، واعتبر كينغ هذا الحفل من أفضل الحفلات التي قدمها خلال مسيرته الطويلة، التي شكلت بداية مرحلة زاخرة بالتبادلات الثقافية لحقبة غنية من تاريخ البلوز ولت مع رحيل إحدى آخر مواهب هذا الأسلوب الموسيقي.
وأقر الفنان في سيرته الذاتية التي تحمل عنوان «بلوز أول آراوند مي: ذي أوتو بايوغرافي أوف بي بي كينغ» (أجواء البلوز تحيط بي: السيرة الذاتية لبي بي كينغ) بأنها كانت «المرة الأولى في حياتي التي يصفق لي الجمهور وهو واقف قبل أن أبدأ حتى بالعزف، ولم يكن في وسعي أن أكبت دموعي».
وأضاف: «كانت الدموع تذرف من عيني وكنت أقول لنفسي إن هؤلاء الشباب يحبونني قبل أن أبدأ حتى بالعزف، فكيف لي أن أرد لهم الجميل؟».
وأطلق ذاك الحفل المقدم في العام 1968 بي بي كينغ في اتجاه جديد، ليفتتح في العام التالي جولة فرقة «رولينغ ستونز» في الولايات المتحدة، وشارك في برنامج «إد سوليفان شوو» الذي تتبعه الطبقة الوسطى الأميركية برمتها والبيضاء بغالبيتها، وفقًا لوكالة «فرانس برس».
وسمح هذا النجاح في أوساط جمهور أبيض لبي بي كينغ بتأدية دور سفير موسيقى البلوز الذي كان عزيزًا على قلبه.
وكان كينغ من أواخر فناني البلوز الذين ترعرعوا قبل الحرب العالمية الثانية في جنوب الولايات المتحدة، حيث كان السود يعيشون في بيئة فقيرة غارقة في دوامة الفصل العنصري.
وقد تطرق الفنان الملقب بشاب البلوز إلى هذا الوضع في كثير من أغنياته، مستذكرًا طفولته التي أمضاها وهو يقطف القطن تحت أشعة الشمس الحارقة.
وبقي المغني يشدد دومًا على هذه المرحلة من حياته، بالرغم من الشهرة التي لقيها، وهو ذكرها خصوصًا في أغنيتيه الشهيرتين «ايفري داي آي هاف ذي بلوز» و«سويت ليتل إنجل».
ولفت الخبير الموسيقي ورئيس التحرير السابق لمجلة «ليفينغ بلوز ماغازين» سكوت باريتا إلى أن «موسيقى البلوز خسرت أكبر سفير لها كان يدرك أنه يسعى لرفع شأن أسلوب موسيقي كان يستخف به».
وكان كينغ يؤكد أنه سيواصل العزف ويقدم مئات الحفلات في السنة الواحدة خشية أن تندثر موسيقى البلوز، ولكنه لم ينجح بإنعاش هذا النوع الموسيقي فحسب، بل أعطى زخمًا لموسيقى الروك من خلال الروابط التي أقامها مع البيض.
ولطالما دحض فكرة أن يكون قد سعى قصدًا إلى نيل إعجاب الجمهور الأبيض تحسبًا لفقدان شعبيته في أوساط الشباب السود الذين يعتبرون أن معزوفاته أصبحت بالية، فكان يقول إن عزف البلوز هو بمثابة أن يكون الفنان «أسود مرتين».
شكل كينغ مصدر إلهام لأجيال كثيرة من عازفي الغيتار استوحوا من طريقة عزفه هذه الآلة الموسيقية البعيدة جدًا عن أسلوب فناني البلوز في دلتا ميسيسيبي، وازداد هذا التأثير عندما حققت ألبوماته رواجًا خارج الولايات المتحدة.
تعليقات