Atwasat

«فنون الفساد».. مسارب الذاكرة في رحلات ابن بطوطة الليبي

القاهرة - بوابة الوسط الجمعة 25 نوفمبر 2022, 03:43 مساء
WTV_Frequency

تمتزج الرحلات بالذكريات، لأن كلاهما غالبا ما يمتاح من الآخر دفق شواهد للحظات تستنطق مكنونات النفس، أو هي تفتح نوافذ الخيال لرحلة أخرى من الأسئلة المستفزة بفعل المقارنة الحاضرة الغائبة، أو بفعل المكاشفة لواقع حال يتناوب فيه التشخيص من الذاتي إلى العام والعكس، إذ إن مصائر الشخوص هي وصف أولي لمصائر شعوب وأمم وحضارات.

- علي احميدة: حصولي على جائزة الجمعية الأميركية العلمية تقدير لنضال الشعب الليبي ضد الفاشية

يقدم كتاب «فنون الفساد في سرقة نفط البلاد» الصادر عن مكتبة طرابلس العالمية لمؤلفه الدكتور غيث الورفلي، والذي تعرض «بوابة الوسط» جانبا من مادته، صورة مقطعية لتلك الملامح عبر سجل حياته اليومية مع وظيفته كطبيب أطفال، وصراعه مع مؤسسات الدولة في إقامة مركز لعلاج مرضى صرع هذه الفئة، ثم أسفاره المتعددة في مدن وقرى ليبية محملا بأوجاع أسئلة النهوض «لماذا لم نتقدم»؟ وهو لا يكتفي هنا بإشاراته المحلية لكنه يرتقي بها إلى مقارنة كلية بين الشرق والغرب أو بين العرب وأوروبا.

مدن وذكريات
يسرد الكاتب في وقفات يغلب عليها الاستطراد أحيانا انطباعاته عن ملامح الطرق والوديان والقرى، التي زارها انطلاقا من طرابلس مرورا بالعزيزية، ثم مناطق الجبل غريان ونزولا إلى غدامس والاتجاه إلى مدن الجنوب، وقد ينطلق في رحلة أخرى صوب المناطق الساحلية قماطة والخمس ومصراته، وصولا إلى بوقرين ووادي زمزم الذي وجد فيه مواساة شعرية لما واجهه من مشاكل واحباطات في مشروع مركز الأعصاب يلخصها بيت أحد شعراء الوادي القائل «غيث يستغيث وما لقا الإجابة.. طبيب الأعصاب مفورين أعصابه».

لا تنغمس ذكريات الكاتب في أوضاع محددة للحال طلبا للتصحيح فقط، لكنها تمرن مفازات التخيل على تشخيص ينأى بالأنا الضيقة إلى مفردة جمعية تشير إلى مواضع الألم في بنياتنا التحتية من الصحة إلى الاقتصاد إلى الزراعة والصناعة والتعليم.

يغادر الطبيب المتعب بآلام الحصوة موطنه في منعطف سفري إلى سقف العالم «سويسرا» في رحلة علاجية فترة التسعينات من القرن الماضي وزمن الحصار على خلفية قضية لوكربي، هناك حيث ترقد الأسئلة في جنيف منتظرة صوت شرقي مكلوم، كان هذا الصوت قد عاين هذا الفضاء في جغرافيا مجاورة «ألمانيا» خلال سنون سابقة أثناء بعثة دراسية، قادما من منابته بسبها، وإذا كان له أن يختار رفيقا لهذه الرحلة فسيكون كتاب «بيع الريح للمراكب» للكاتب خليفة الفاخري، فيما كان الصادق النيهوم ماثلا في ذائقته القرائية كذلك مبحرا معه في عوالم النقد المجتمعي بأبعاده المختلفة.

أسئلة النهوض
تقوده الظروف داخل سويسرا طلبا لتشخيص أكثر دقة، لذا كان هناك متسع من الوقفات والنظر في شواغل هذه الفضاء عبر مدنه « بيرن، لوزان، جنيف، زيورخ.. إلخ» ومع ذلك يتقوى بشيء من قبس الماضي وهو يواجه سؤال شاب أوروبي أثناء رحلته من بيرن إلى جنيف «لماذا بلدانكم متخلفة وأنتم تمتلكون النفط وكثيرا من العلماء». ولم يجد مجالا للمناورة من مباشرته المحرجة إلا بالاحتماء خلف ميراثنا الأثير من ابن النفيس وابن سينا والزهراوي.

أو يصادف أن يلتقي بشخص من بازل ليخبره أن أخاه عمل في ليبيا لينقل إليه انطباعا أن القمامة مكدسة بالشوارع: «يرد الطبيب مداريا جراحه: كان هناك إضراب لعمال النظافة.

السويسري: كم يتقاضى العامل لديكم؟
الطبيب:00000 2درهم
السويسري: كم دولار؟
الطبيب يجيب مبالغا:500 دولار
السويسري: مبلغ زهيد في دولة نفطية
الطبيب: أنتم لا تعرفون القانون 15
السويسري: لا
الطبيب: هذا جيد ولا داعي لمعرفته».

النص المفقود
يلتقي الطبيب الكاتب الصادق النيهوم بعد أن رتب له ذلك ما عرف «بأمين المكتب الشعبي بسويسرا» حيث يأتي النيهوم لتجديد جواز سفره ببيرن، ملحقا ملاحظة أن النيهوم كان يدرس علوم الأديان المقارنة بجامعة جنيف، ويمضي الكاتب الطبيب في وصف اللقاء: «كان الموعد في مسجد جنيف حيث وجدناه هناك، وبعد صلاة الجمعة اتجهنا إلى منزل موظف في البعثة الليبية حيث أكلنا «بازين أصلي»، كان النيهوم رغم المرض يبدو كشعلة مضيئة لا تتوقف عن الحديث والتحليل والنقد، وكان مظهره كصوفي هائم في صحاري سويسرا الثلجية حاملا هموم الإنسان والوطن والذات».

وما يؤخذ على الكاتب عدم إشارته للقضايا التي آثارها النيهوم ولو من باب التلميح، وما طبيعة الموضوعات التي تناولها والأسئلة التي وجهت له، هنا يمكن وصف اللقاء بالنص المفقود. عموما الكتاب يصنف في خانة أدب الرحلات وهو يمثل وثيقة للواقع الليبي زمن التسعينيات محملا بوجهات نظر مؤلفه ويعكس كذلك شكلا بانوراميا لأسئلته المتداخلة وارتداداتها المتلاحقة.

الدكتور غيث الورفلي (بوابة الوسط)
الدكتور غيث الورفلي (بوابة الوسط)

المزيد من بوابة الوسط

تعليقات

عناوين ذات صلة
«أسوان الدولي لأفلام المرأة» يكرم أستاذة المونتاج منى الصبان
«أسوان الدولي لأفلام المرأة» يكرم أستاذة المونتاج منى الصبان
«بريتش ميوزيم» يعيّن مديراً جديداً بعد أشهر من فضيحة السرقة
«بريتش ميوزيم» يعيّن مديراً جديداً بعد أشهر من فضيحة السرقة
الكاتبة المصرية أمل الجندي: القصة بوابة الدخول إلى النفس البشرية الطامحة إلى الكمال
الكاتبة المصرية أمل الجندي: القصة بوابة الدخول إلى النفس البشرية ...
بيونسيه تعيد موسيقيات الكانتري السوداوات لدائرة الضوء
بيونسيه تعيد موسيقيات الكانتري السوداوات لدائرة الضوء
«رصد المحتوى» تعقد جلسة حوارية حول الإخلالات المهنية في البرامج الرمضانية
«رصد المحتوى» تعقد جلسة حوارية حول الإخلالات المهنية في البرامج ...
المزيد
الاكثر تفضيلا في هذا القسم