Atwasat

كتَّاب وفنانون: تحريم الاحتفال بالمولد النبوي جرنا إلى جدال لا طائل منه

طرابلس - بوابة الوسط: عبد السلام الفقهي السبت 08 أكتوبر 2022, 11:10 صباحا
WTV_Frequency

لا يزال المسلمون يحتفون بالمولد النبوي، كتقليد يعزِّز قوة التواصل الروحي مع الرسول الكريم وسيرته، وينظر في جانبه الآخر كنافذة للابتسامة والفرح، وتعبير عن قداسة هذه اللحظات في النفوس.

ولكن وجب التفكر على نحو ما يمثله لنا المولد النبوي في سياقه التراثي والفكري، وكيف يمكن لنا أن نستشرف السيرة النبوية بعيدًا عن معارك العصيدة؟ وهل لا تزال حالة الاحتفاء به حاضرة كما السابق أم تراجعت، واذا تراجعت فما هي الأسباب؟

بُعد ثقافي
لامس الدكتور الباحث علي أرحومة البعد الثقافي لهذه المناسبة بالنظر للمولد، إضافة لكونه طقسًا دينيًا أوشعيرة تعبدية، فهو يمثل أيضًا ذكرى لها منزلة روحية اكتسبت قيمة اجتماعية كبرى، واحترامًا شعبيًا، فامتزج هذا الموروث دينيًا واجتماعيًا وأصبح تقليدًا له خصوصية زمانية لا تُنسى.

وأوضح أنه أضحى جزءًا لا يتجزأ من مظاهر ثقافة المجتمع الليبي، ولا بُد بطبيعته الثقافية أن تكون له تمثلات عامة، الأمر الذي يتجسد في احتفالاتنا الخاصة به، بما يتناسب مع مظاهر الاحتفالات الشعبية لدينا، مثل إظهار البهجة والسرور في أكل المأكولات المستحبة، والسهلة الإعداد وغير المكلفة، ليتناسب ذلك مع عموم الناس.. وبخاصة مأكولاتنا في أفراحنا بالمواليد؛ فتأتي العصيدة والرب وزيت الزيتون والعسل والسمن.. حيث تجتمع العائلات والأهل والأصدقاء، ويتزاور الأحباب.

وبما أن المناسبة ترتبط بشخصه صلى الله عليه وسلم، نستذكر سيرته العطرة، فنقرأها نثرًا وشعرًا ونسرّ كثيرًا لذلك..

معارك سخيفة
وأشار إلى أن الذين يرون في هذا الأمر خروجًا على الدين والعقيدة ويحرمونه، فهم يأتون بأمر عجيب غريب عن مجتمعنا المسلم منذ قرون طويلة.. وكأننا لسنا مسلمين ولا نعي أمور ديننا الأساسية، خاصة شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، صلى الله عليه وسلم.

يتجاهل هؤلاء «الذين يستكثرون على الناس إظهار فرحتهم بالمولد ويبدّعونهم» عشرات بل مئات العلماء والفقهاء الذين كانوا ولا يزالون يحتفلون بالمناسبة الكريمة في ليبيا والعالم الإسلامي، ولا يرون في هذا غضاضة أبدًا، بل يحبونها، ويبتهجون لها على مدى قرون ماضية، وإلى زماننا هذا.

- أهالي أجدابيا يحتفلون بذكرى المولد النبوي الشريف
أهالي بني وليد يستعدون للاحتفال بذكرى المولد النبوي
- بالصور.. أهالي درنة يحتفلون بالمولد النبوي الشريف​

ويتابع: «الحقيقة، أرى أنه لا يلزم الأمر الدخول مع هؤلاء «المخالفين المختلفين» في معارك «سخيفة» حول أكل العصيدة، ونحوذلك.. فالردود الشرعية عليهم كثيرة، وهي رادعة بما يكفي.. ثم إن مثل هذه المناكفات والمجادلات العقيمة، خاصة حين تظهر للرأي العام عبر وسائل التواصل الاجتماعي ونحوها؛ تبعدنا وتلهينا عن قضايانا الحقيقية، وأولويات النهوض والتقدم العلمي والفكري والسياسي والاقتصادي والاجتماعي.. وضرورة الإصلاح، ومحاربة الفساد والظلم والطغيان، ومكافحة الفتن الداخلية، بأنواعها».

ولا يستبعد الدكتور أرحومة أن من وراء نشر مثل هذه الفتن باستثارة قضايا هامشية، لا معنى لها حقيقةً، أو يجددون مسائل فقهية فرعية خلافية، فصل فيها المختصون من أزمنة قديمة.. هؤلاء، يخفون هدفهم وغايتهم الحقيقية المشار إليها، بإبعاد الأمة عن قضايا العصر وواقع التخلف الذي تعيش فيه بين سائر الأمم الأخرى المتقدمة. فضلًا عن كونهم يكشفون عن جهلهم، وعنادهم، وتخلفهم، وتشبثهم بمبدأ خالف تعرف!

هل من الممكن عقليًا ونفسيًا وإنسانيًا، أن تكون أمور مثل أكل العصيدة والفول والحمص، وما إلى ذلك؛ قضية مجتمع بأكمله، أوقضية رأي عام، في عصر المعلومات والذكاء الصناعي وغزو الفضاء؟!

أسئلة النهوض
يرى الدكتور الكاتب صالح الحاراتي أنه في الوقت الذي يضج العالم بيوم عيد الأم وعيد الطفل وعيد الربيع ويوم البيئة وما إلى ذلك، ويسعون الى اختراع أيام للبهجة والفرح يفاجئنا البعض بتحريم الاحتفال بالمولد النبوى الشريف الذي هو عادة وليس عبادة، والمقصد منه هو التأكيد على محبة رسول الله وتعظيم هذه المناسبة من عظمة صاحبها الذي كان مولده إيذانًا بالهداية والرحمة والعدل.

وأوضح: «لأن للرسول محمد مكانة خاصة في قلوب المسلمين فأرادوا أن يمجدوا هذا اليوم بالاحتفال به كل عام، من خلال الأذكار والإنشاد وقراءة قصة مولده وخروج المحبين من الزوايا إضافة، إلى إيقاد الشموع والقناديل للتعبيرعن مدى فرحتهم بمولد النبي».

ويستطرد أنه «بعيدًا عن التأصيل الدينى للبعض فالاحتفال عادة وتراث شعبي متوارث وشعوب كثيرة تبحث عن البهجة وتحتفل بأعياد تخترعها كعيد الطماطم وعيد البرتقال والكرنفالات.. فلماذا نمنع الناس من الترويح على أنفسهم من هموم الحياة خاصة لو كان في إطار محبة الرسول الكريم».

وفي تقدير الحاراتي «فتحريم الاحتفال هو محاولة لجرنا إلى جدال لا طائل من ورائه إلا جرنا إلى مربع اهتمامات جانبية هامشية بدل الخوض في قضايا مهمة مثل الخوض في لماذا تخلفنا وتقدم غيرنا وما السبيل الذي نبنى حياتنا عليه سياسيًا واقتصاديًا.. ذلك ما يستحق الجدال حوله وليس أكل العصيدة».

وعاء ورؤية
وتؤصل خبيرة التنمية البشرية آلاء فاضل للمناسبة أدبيًا بقولها إن الشعر العربي كان في إحياء الليلة النبوية ولا يزال الوعاء الذي يحمل الرؤية الإسلامية للشخصية المحمدية، ولعله من التحامل أن ننكر قيمة الموالد من الناحية الأدبية أو الاجتماعية، فهي تنقل للناس شيئًا من أخبار الغزوات وشمائل الرسول صلى الله عليه وسلم، فأصبح الكثير يحترفون رواية قصة المولد وقراءتها، والمسلمون يحتفلون في معظم الدول الإسلامية ليس باعتباره عيدًا، بل فرحًا بولادة نبيهم رسول الإسلام.

كما تشدد على كون فقه السنن يمنح للوجود الإنساني معنى حضاريًا، أما السيرة النبوية فلا يمكن بأي حال من الأحوال أن تظل مجرد حبر من التاريخ بل يتوجب استثمارها في مشاريع النهوض والإصلاح والعمران. وأن يجري النظر إليها كوحدة موضوعية بنائية، تجيب عن إشكالات العصر وقضايا العمران البشري، والاستفادة من العقل البشري في مجال العلوم الاجتماعية والإنسانية، وتجاوز المنهج السردي الذي ينظر إلى السيرة من خلال وقائع مجردة.

وتضيف أنه عندما نتأمل السيرة النبوية سنجد مرحلتين أساسيتين: الأولى تعنى بالتأسيس والبناء التي امتدت من ظهور الدعوة ونزول الوحي حتي صلح الحديبية؛والثانية تمثل النصر الذي عد لحظة تاريخية فارقة.

وعلى المستوى العقدي فالاحتفاء كان ولا يزال موضوع اختلاف وجدل بين مؤيد ومعارض. ونحن نحتفل ونفرح بالذكرى الشريفة ولأنها بدعة هدى أو حسنة ولأنها لم تخالف القرآن والسنة ولا يجوز أن يقال لو كان خيرًا لدل عنه الرسول، فالخلفاء الراشدون فعلوا أشياء لم يفعلها الرسول ولا أمر بها فهذا أبوبكر الصديق: يجمع القرآن ويسميه بالمصحف وعمر بن الخطاب: يجمع الناس في صلاة التراويح ويقول عنها نعمة البدع هذه وعثمان بن عفان: يأمر بالأذان الأول لصلاة الجمعة وعلي بن أبي طالب: ينقط المصحف ويشكله في زمانة على يد يحيى بن عمر، وعمر بن عبدالعزيز: يعمل المحاريب والمآذن للمساجد كل هذا لم يكن في زمان الرسول، فهل سيمنعها المانعون للمولد في أيامنا هذي؟

ذكرى عائلية
تستذكر الشاعرة أية الوشيش زمن الطفولة على وقع المولد الذي يمثل لها معنى الفرح، حيث تشتري القناديل وتوقد الشموع، عدا أن الخروج إلى الشارع له نكهته الخاصة في الاستماع إلى الأهازيج والمدائح.

وما يمكن أن يؤطر هذه الطقوس الروحانية المثل القارة في وجداننا كالعدل والمساواة والتسامح، المستمدة من تعاليم القرآن ومظلة النبوة.

وفي السياق ذاته، تحدثت الدكتورة نجلاء محمد عن أجواء معايشتها للمولد مع العائلة، حيث تقرأ الأذكار والتسابيح برغم كل المحاولات اليائسة من المعقدين لمحو الفرحة حسب تعبيرها، إلا أنها مستمرة لديهم ولدى كثير من العائلات، وترى أن الجانب التراثي له بعده الحاضر دوما وبقوة، فتعلق مثلًا على أكلة العصيدة بالقول «لها نكهتها الخاصة لأنها تفكر فينا بكل الأعوام السابقة وكيف لما كنا أطفالًا أهلنا يجهزوا لنا صونيه بروحنا يتلقطوعليها كل أطفال العيلة».

وتصلنا الفنانة الفوتوغرافية سارة كمال بمشاعرها نحو المولد، فهو بالنسبة لها لم يرتبط بالمفرقعات والألعاب النارية كما أبناء جيلها آنذاك.. فدائمًا ما مثل لها فعلًا مريبًا جدًا..بل كان ممنوعًا حيث يستبدل والدها المفرقعات بالألعاب.

وتضيف معلقة «في ذكرى مولد سيد الخلق لا يكتمل الحدث إلا بتجمعنا في بيت جدي وغنائنا للأناشيد والذكر والصلاة على الحبيب المصطفى.. وانتظار قدوم «ليلة جي النبي» وهي مسيرة تنطلق من الزاوية مرورًا بشوارع المدينة».

وتوضح: «لم يكن في نوايانا خبث وقتها، أنا لا أبالي لمن يكرهوننا وينغصون علينا احتفالاتنا البسيطه ويدعون بأنها بدعة..لا أعارضهم ولا أقف ضدهم، أمانة هم أحرار بما يفكرون».

ومن جهتها، تؤكد طالبة الدراسات العليا فاطمة الفيتوري وجهات النظر السابقة في تشابك هذه المناسبة بطفولتنا، وكيف تحولت بفعل تواترها إلى صيغة استشرافية تثبت عراقة النفوذ الروحي ورسوخه.

وتقول إن ذلك لا يكفي إذ يلزم تقديم سيرة النبي بطريقة ميسرة تركز الضوء على المواقف والمنعطفات المهمة فيها وتبيان الدرس المستفاد وهو ما ينبغي لوسائل الإعلام الالتفات إليه.

حضور أم تراجع
تباينت آراء من شملهم الاستطلاع في تقدير حجم الاحتفاء بالمولد، فالبعض يلاحظ تراجع زخم البهجة مقارنة بالأعوام الماضية لأسباب عديدة أهمها استنكار ممن يرون في هذه العادة بدعة، وآخرون يعتبرون أن طقوس البهجة لا تزال حاضرة، وأن النظر إليها عبر مراحلنا العمرية قد يوحي بانطباع مختلف، فتوصيفنا كأطفال للمناسبة بالتأكيد يغاير مشاعرنا نحوها عندما نكبر.

الدكتور علي ارحومة (الإنترنت)
الدكتور علي ارحومة (الإنترنت)
الدكتور صالح الحاراتي (الإنترنت)
الدكتور صالح الحاراتي (الإنترنت)
الشاعرة آية الوشيش (الإنترنت)
الشاعرة آية الوشيش (الإنترنت)
خبيرة التنمية البشرية آلاء فاضل (الإنترنت)
خبيرة التنمية البشرية آلاء فاضل (الإنترنت)
الفنانة الفوتوغرافية سارة كمال (الإنترنت)
الفنانة الفوتوغرافية سارة كمال (الإنترنت)
طالبة الدراسات العليا فاطمة الفيتوري (الإنترنت)
طالبة الدراسات العليا فاطمة الفيتوري (الإنترنت)

المزيد من بوابة الوسط

تعليقات

عناوين ذات صلة
منصور بوشناف: مشروعي الحقيقي النبش في الموروث المعرفي الليبي
منصور بوشناف: مشروعي الحقيقي النبش في الموروث المعرفي الليبي
الشرطة تغلق شكوى قدمها مصور ضد والد تايلور سويفت
الشرطة تغلق شكوى قدمها مصور ضد والد تايلور سويفت
عزالدين الدويلي في تجربة أولى للتأليف والإخراج
عزالدين الدويلي في تجربة أولى للتأليف والإخراج
فيلم عن سيرة بوب ديلان بطولة تيموتيه شالاميه
فيلم عن سيرة بوب ديلان بطولة تيموتيه شالاميه
في الذكرى الـ 90 لرحيله.. محمود مختار «أيقونة» فن النحت المصري
في الذكرى الـ 90 لرحيله.. محمود مختار «أيقونة» فن النحت المصري
المزيد
الاكثر تفضيلا في هذا القسم