Atwasat

الكاتب فرج الترهوني: نحيا كابوسًا والوطن يتباعد كل يوم

القاهرة - «بوابة الوسط» حاوره: محمد الأصفر الأحد 05 أكتوبر 2014, 10:49 صباحا
WTV_Frequency

فرج الترهوني كاتب ومترجم ليبي أثرى المشهد الثقافي العربي والليبي بترجماته المنتقاة للأدب العالمي من قصة ورواية وسيرة وغيرها، كذلك يعتبر من رموز ثورة فبراير 2011 حيث كان من أوائل الذين احتضنوا ثورة الشباب في بنغازي وقرأ بيان النصر لوسائل الإعلام، فرج الترهوني شأنه الآن شأن الكثير من المبدعين الليبيين النازحين داخل الوطن وخارجه، فهو نازح خارج الوطن، من منفاه غير الاختياري.

تحدث الترهوني لـ «بوابة الوسط» عن رؤيته لثورة فبراير، والوضع الحالي بليبيا، وقضية المرأة، كما تطرق أيضًا لترجماته وكيفية اختيارها، وهذا الجزء الأول من الحوار:

التحقت بالثورة منذ بدايتها وقرأت بيان ائتلاف فبراير، ألا تعتقد أن فعلك من التهور؟
«اعترف أنه كانت لدي شكوك في البداية في مدى استجابة الناس للخروج في 17 فبراير رغم الإرهاصات القوية على (فيسبوك)، ومثل غيري فقدت الأمل في فئة الشباب للقيام بأي تحرك، حيث وصفتهم ذات مرة أنهم يفتقدون القدرة على الفعل لأنهم ارتووا من نبع ثقافة فاسدة حولتهم إما إلى متطرفين دينيًا أو مغيبين يتبعون ملذاتهم ويعيشون على هامش الحياة، لكن من الواضح أنني أسأت القراءة ولم أتفطن إلى وجود أمثال عادل الحاسي، ومحمد نبوس، وربيع شرير الذين أضعهم على رأس هرم أيقونات الثورة. آثار زلزال البوعزيزي وصلت إلينا في النهاية وبدأت الانتفاضة بشكل عفوي في 15 فبراير، ثم وجدت نفسي ألتحق مع عائلتي بالمحكمة في ساحة التحرير. لم تكن الأمور واضحة أبدا في البداية فلم يكن للانتفاضة قيادة. بعد يومين فوجئت بوجود ابني الأصغر في المركز الإعلامي فوق سطح المحكمة واستدعاني للالتحاق بهم ضمن فريق إذاعة ليبيا الحرة التي يديرها محمد نبوس. ومنذ تلك اللحظة لم أفكر في خطورة ما أقوم به مع الشباب، ولتسارع الأحداث وغرابتها لم يخطر ببالي أن هذا العمل يعتبر تمردًا على السلطة الحاكمة قد تصل عقوبته إلى الإعدام وخاصة قراءتي لبيان انتصار الثورة الذي بثته قناة الجزيرة».

«أسأت قراءة الشباب الليبي»

رغم أنك من المقربين من المجلس الانتقالي ومن المؤسسين له ومن القريبين جدًا من أصحاب القرار آنذاك، إلا أنك لم تتقلد منصبًا مهمًا كمعظمهم، كذلك سجلنا توقف جهدك الإبداعي في مجال الترجمة طيلة سنوات الثورة الأول، بما تفسر ذلك؟
«لا شك أن الأحداث التي كانت تمر بها البلاد بعد الانتفاضة التي بدأت تأخذ شكل الثورة كانت أحداثًا جسامًا، ومن مكاني آنذاك، الذي قضيت فيه كل الوقت حتى تحرير العاصمة بالقرب من موقع اتخاذ القرار، حيث عملتُ ضمن فريق صغير يساعد سكرتير المجلس الوطني، ولم يمكن ذلك من القيام بأي شيء آخر وتراجع الانشغال بالثقافة والترجمة ليترك مكانه لهموم الوطن وأحداثه المتلاحقة. ومن البداية لم يكن لي أي مطمع أو طموح لشغل أي منصب أوظيفة مهما كانت. فذلك خارج حساباتي فكل همي نجاح الثورة وسقوط النظام».

المناضلون من خارج ليبيا عاد معظمهم وتقلدوا مناصب وزارات سفارات إدارات الخ، ونتيجة لفشل الثورة وإخفاقها نتيجة أسباب كثيرة تعرض هؤلاء الأشخاص لانتقادات حادة، ماذا تقول في هذا الأمر؟
«لأسباب أراها موضوعية فلا أميل لانتقاد أو الهجوم على الليبيين المعارضين في الخارج والذين رأى الناس سوء أداء بعضهم، فيجب عدم التعميم في إصدار الأحكام والاعتراف لهم بالحفاظ على جذوة نار المعارضة والثورة ضد النظام قائمة في الوقت الذي أصاب اليأس والإحباط أهل الداخل، كما كان لهم الدور المميز في الإعداد لحراك 17 فبراير، رغم أن التجربة المريرة أثبتت أن بعضهم تنقصه الخبرة والدراية بأحوال البلاد والعباد، وأيضًا هناك أمر مهم آخر أومن به كثيرًا وهي صعوبة التعامل معنا نحن الليبيين، يعني من الآخر (ما ينستر معانا حد) ونظرة إلى مواقع التواصل الاجتماعي تؤكد ما أتحدث عنه».

«لا أميل لانتقاد أو الهجوم على الليبيين المعارضين في الخارج»

هل نجحت الثورة في ترجمة أيقونة الحرية بداخلك كترجمتك لروح الكتب الأدبية التي نقلتها لنا والتي كان اختيارك لترجمتها بسبب تعبيرها عن ما بداخلك من قضايا تهتم بالحرية وحقوق الإنسان ونبذ العنف وإرساء العدالة؟
«التوق للحرية والديمقراطية كان طاغيًا لدي أغلبية الليبيين، ولم أكن استثناءً، وقد عبرت عن رؤيتي لهما ولضرورة قيام الدولة المدنية الحديثة من خلال ما كتبت من مقالات استغللت فيها إلى أكبر قدر ممكن الهامش الضيق المتاح منذ بداية الألفية الثالثة لأسباب تتعلق بحسابات خاصة بالنظام الحاكم. بعد وعيي بمشارفتي لستينياتي، أشفقت على نفسي كما فعل كثيرون قبلي من مغادرة هذه الدنيا قبل أن تتكحل أعيننا بسقوط نظام الاستبداد. وقد شكل هذا لدي، بوعي أو دونه، هاجسًا قويًا فكانت أغلب ترجماتي تصب في الإطار نفسه أي طرح مساوء منظومة الاستبداد. فروايتي المترجمة الأولى هي (كثبان النمل في السافانا) للنيجيري الرائع تشنوا أتشييبي، وتطرح قضية دكتاتور متسلط في دولة أفريقية نالت استقلالها للتو وكيف يتحول حلم بناء الدولة الفتية إلى كابوس بفعل الاستبداد، والعديد من أحداثها تتطابق وتتقاطع مع سيرة انقلاب سبتمبر وقائده. أما رواية (فتاة الوشاح الأحمر) فتتحدث عن مذكرات فتاة أثناء الثورة الثقافية الصينية التي أطلقها الدكتاتور ما في ستينيات القرن الماضي ولك أن تتخيل هذا الشعار الذي يردده طلبة المدارس في الصين: السماء والأرض شيء عظيم، لكن الأعظم منها هو حنان الحزب الشيوعي؛ والأب والأم عزيزان، لكن الزعيم ماو يفوقهما معزّة. وفي ظني أن تجربة الصين قد أوحت للقذافي بالكثير من الإجراءات غير المبررة التي اتخذها وثبت أنها لا تتماشى مع ثقافة الليبيين وتراثهم، أيضا تطرقت رواية (الأخبار من باراغواي) إلى شخصية ديكتاتور حقيقي هو فرانكو لوبيز الذي حكم البارغواي في القرن 19 وفي البداية كان يحلم بأن يجعل بلاده في مصاف الدول المتقدمة وأن يجعل عاصمتها مثل باريس، لكنه تحول إلى مستبد دموي انتهى به الأمر إلى توريط بلاده في حرب مدمرة مع جيرانها دمرت البلاد وشعبها. أعتقد أنني ذكرتُ في مقدمتي لرواية الأخبار ما مفاده أن هناك تماهٍ عجيب من شخصيات المستبدين في العالم كله، ويحضرني تعليق لابنتي عندما انتهت من قراءة رواية (بجعات برية) التي تتحدث عن دراما الصين في حياة ثلاث نساء، وأخبرتني بأن الرواية تتحدث عن ليبيا في واقع الحال!»

باعتبارك تعيش حاليًا حياة النزوح.. كيف ترى وطنك من بعيد؟ وبالخصوص بيتك في منطقة بوعطني، ورغم كل شيء هل مازال مفهوم الثورة في داخلك راسخًا أم أن التجربة الحالية شوهته وأفقدته رنينه ووهجه؟
«في المجمل النزوح حل مؤقت كما أتعشم، وبالنسبة لم يكن خيارًا بل جاء نتيجة لظروف معينة لا مجال لذكرها هنا، وعلى العموم فبيتي الآن يقع في قلب ميدان معارك بوعطني، وكل ما أعرفه أنه تعرض للنهب، وكما تعرف أن من في سني لا يحتمل المزيد من (الغصايص). عندما قررت الخروج كنت في حال غضب شديد من انتمائي وممن كنت أسميهم خوتي الليبيين. لقد هرمنا وأضنانا طول انتظار رحيل المستبد، وبعد أن ابتسم لنا القدر في صدفة عجيبة أطلقها البوعزيزي، ها نحن نعيش الآن أسوأ كوابيسنا ونحن نرى الوطن الذي طالما حلمنا به يتباعد عنا كل يوم. وفي جميع الأحوال البركة في الشباب!
الثورة؟ لا أعتقد أنني أملك تربة صالحة لنمو الثورة بمفهومها العام بداخلي، وإن كنت أقوم بثوراتي الصغيرة من آن لآخر، كما أعترف أنني بدأتُ أحجم أحيانًا عن استخدام مصطلح الثورة لما شابه من غموض وتشوية فأصبح المصطلح ممجوجًا لدى الكثيرين. لقد علمتنا تجربة ثلاثة الأعوام السابقة التروي والتفكير مليًا قبل عزف سيمفونية الثورة».

«لست ملمًا كثيرًا بما ينشر في العالم ومعظم الأعمال التي ترجمتها وقعت عليها بمحض الصدفة»

كل كتبك التي ترجمتها منتقاة بعناية ومتنوعة بحيث تغطي قارات العالم الست، كيف تم ذلك؟ أضف إلى ذلك أن معظمها لكتاب ليسوا أميركيين أو بريطانيين؟
«في المجمل لا أرى أن جنسية الكاتب لها أهمية وإنما النص وفحوى العمل الإبداعي، وربما يلعب دورًا إضافيًا مدى انتماء الكاتب للقضايا الإنسانية العامة. لست ملمًا كثيرًا بما ينشر في العالم ومعظم الأعمال التي ترجمتها وقعت عليها بمحض الصدفة، وبعد أن يحدث عندي نوع من التماهي مع النص تتولد لدي رغبة في الولوج إلى عوالمه وصوغه في لغتي وبأسلوبي، وفي هذا الصدد لابد أن أشير إلى الصديق أحمد الفيتوري الذي ساندني بقوة وأزال عني رهبة البدايات، وكذلك كانت إهداءات الشاعر خالد مطاوع لي من الكتب هدفًا للعديد من ترجماتي».

الكتاب الذين يكتبون بلغة دول استعمرتهم كيف يشعرون أثناء فعل الإبداع، هل سيعتنون بتطوير لغتهم لتواكب حضارة فاقتهم، وبخصوص اللغة الأم كيف ترى المشهد اللغوي الليبي من خلال ما تشاهده في الفضائيات من حوارات وسجالات؟
«لا يمكن إغفال قوة وسطوة الثقافة المهيمنة (ما تسميه لغة المستعمر) علينا نحن المتأرجحين بين تراث موغل في القدم يتسم ببعض الإشعاع في بعض جوانبه، وبين حاضر بالغ السوء في كل جوانبه. والنتيجة تراها في هذا الاغتراب الثقافي في الشكل وفي الموضوع ويتمثل ذلك في أبسط صورة وأكثرها معنى في المبالغة في استخدام اللغات الأجنبية تمثلاً بالآخر الذي يشكل الاقتداء به هدفًا ساميًا لنا. وفي مسالة اللغة أميل إلى الرأي الذي يقول إننا لم نطور لغتنا بما يتماشى مع التطور الحضاري المحيط بنا والذي لا نستطيع أن ننفصل عنه. وفي هذا المقام نكاد ننفرد نحن العرب من بين شعوب العالم بأن ما ندونه بالفصحى هو غير ما نتحدث به في حياتنا اليومية. هذا الأمر يخلق نوعًا من الانفصام لدينا يؤثر على المحصلة النهاية لمجموعة أفكارنا وأفعالنا. انظر إلى الفضائيات وسترى كيف يتحاور الليبيون بفصحى لا يتقنون قواعدها في الغالب، وفي الغالب أيضًا لا يفهمها تمامًا المتلقي العادي الذي يفترض أنها موجهة له أصلاً. يبدو هذا أشبه بفزورة!».

المزيد من بوابة الوسط

تعليقات

عناوين ذات صلة
نقابة الممثلين المصرية تمنع الإعلام من عزاء «السعدني».. وتعتذر للصحفيين
نقابة الممثلين المصرية تمنع الإعلام من عزاء «السعدني».. وتعتذر ...
انطلاق فعاليات الدورة الـ14 لمهرجان مالمو للسينما العربية في السويد
انطلاق فعاليات الدورة الـ14 لمهرجان مالمو للسينما العربية في ...
جلسة وجدانية حول «زياد علي» في مركز المحفوظات الأربعاء
جلسة وجدانية حول «زياد علي» في مركز المحفوظات الأربعاء
«سيفيل وور» يواصل تصدّر شباك التذاكر في الصالات الأميركية
«سيفيل وور» يواصل تصدّر شباك التذاكر في الصالات الأميركية
نقل المغني كينجي جيراك إلى المستشفى بعد إصابته بطلق ناري
نقل المغني كينجي جيراك إلى المستشفى بعد إصابته بطلق ناري
المزيد
الاكثر تفضيلا في هذا القسم