يشهد مهرجان أفينيون المسرحي، في فرنسا، مشاركة واسعة لشاعرات وممثلات ومخرجات مسرحيات، يرفعن صوت بلدانهن الجريحة التي ابتعدن عنها قسرا.

والمشاركات جئن من أفغانستان إلى لبنان مرورا بسورية، وفي ما يلي لقاءات أجريت مع ثلاث منهن، حسب «فرانس برس».

كوبرا خادمي
استعان المهرجان الفرنسي المصنف من أبرز مهرجانات العروض الحية في العالم، بالأفغانية كوبرا خادمي لتصميم لافتته، قبيل سقوط كابل بأيدي مقاتلي حركة طالبان في أغسطس 2021.

وتُظهر اللافتة خمس نساء عاريات، ما يرمز إلى الحرية بحسب الرسامة الأفغانية التي هربت من بلدها الأم سنة 2015.

في ذلك العام، سارت الفنانة (33 عاما)، لبضع دقائق في أحد شوارع كابل مرتدية درعا حديدية «واقية من التحرش»، يظهر فيها بوضوح شكل الصدر والمؤخرة، في خطوة أرادت من خلالها التنديد بحالات التحرش التي تتعرض لها النساء في الشارع. وتلقت إثر هذه الخطوة تهديدات بالقتل دفعتها لمغادرة البلاد قسرا. وتقول خادمي «كنت محاطة بأناس غاضبن يهددونني بالقتل».

وجدت هذه الناشطة النسوية المتحدرة من ولاية غور في وسط أفغانستان والتي تتلمذت على مقاعد كلية الفنون الجميلة في كابل، «حياة ثانية» في فرنسا.

ويقام معرض لأعمالها في متحف «مجموعة لامبير» في أفينيون، تُعرض فيه لوحات أشبه بأعمال ميثولوجية (إحداها تُظهر امرأتين عاريتين تطعنان تنينا)، وأخرى أكثر واقعية (تُظهر مثلا رشاش كلاشنيكوف أو رأس مقاتل من «طالبان» بلا وجه).

وتذكر الفنانة التي ساعدت العشرات من مواطنيها الفنانين على مغادرة أفغانستان، بأنها تنتمي إلى «جيل أفغاني كبر خلال فترة من السلم انتشر فيها التعليم والإنترنت والقدرة على القيام بأنشطة».

وتضيف «أنا اليوم حرة بنسبة مئتين في المئة، وأكرس كل لحظة للفن لكي أُسمع صوتي».

حنان الحاج علي
تستمد الممثلة والمخرجة المسرحية اللبنانية حنان الحاج علي القوة، «لمواجهة جميع المصائب التي انهالت على لبنان» من مصدرين: المشي صباحا في بيروت، والمسرح.

وتختصر مسرحيتها «جوغينغ» التي تقدمها على خشبة مهرجان أفينيون، كل المشكلات في البلد المتوسطي الصغير الذي يشهد أزمة مالية غير مسبوقة منذ أكثر من عامين.

ورغم كتابته قبل بدء الأزمة، حمل هذا العمل ميزات استشرافية. وتقول الحاج علي «في كل مرة كنت أركض فيها في بيروت، كنت أشم رائحة فساد وعفن».

وتصور الحاج علي نفسها في هذا العمل وهي تحارب على جبهات عدة للهرب من مشكلات ترقق العظام والبدانة والاكتئاب، كما تجسد شخصية «ميديا» الأسطورية الإغريقية التي تستوحي منها إسقاطات على الواقع الحالي في الشرق الأوسط.

وتقول «ثمة نماذج معاصرة عن ميديا، تلك النسوة اللواتي يُرسلن أطفالهن في قوارب الموت»، هربا من الحرب والمآسي في بلدانهن، وفق «فرانس برس».

وبعدما رفضت إخضاع نصها لجهاز الرقابة على المصنفات الفنية في الأمن العام اللبناني، طافت حنان الحاج علي بمسرحيتها في حوالى خمسين بلدا. وتقول «وجودنا كفنانين في الشرق الأوسط على المسرح العالمي يكتسب أهمية أكبر مع تنامي التطرف».

رشا عمران
خلال السنوات الثلاث التي أعقبت مغادرتها سورية الغارقة في الحرب إلى المنفى بسبب تنديدها بالممارسات القمعية لنظام الرئيس بشار الأسد، لم تتمكن رشا عمران من كتابة كلمة واحدة.

وتؤكد الشاعرة السورية المقيمة في القاهرة منذ 2012 أن عدم القدرة على العودة إلى البلد الأم تشكل جرحا وحالة نقص.

وستكون عمران، وهي من أبرز الشاعرات السوريات، جزءا من حلقة قراءات شعرية بعنوان «شاعرات» في إطار مهرجان أفينيون.

ويروي ديوانها الشعري بعنوان «التي سكنت البيت قبلي»، قصة حميمية كتبتها بعدما أقامت بمفردها في القاهرة داخل شقة كانت تعيش فيها امرأة يونانية وحيدة.

وتقول عمران إنها شعرت كما لو أن المرأة التي قطنت في المكان قبلها عادت لتتقمص فيها.

وتستكشف عمران في هذه القصائد معاني الوحدة، وأيضا مرحلة انقطاع الطمث لدى النساء، والتي درج العرب على تسميتها بـ»سن اليأس»، وهي عبارة تعتبرها رشا عمران «سخيفة».

وترى عمران في مشروعها الشعري «عملا مقاوما»، ولا يزال لديها بصيص أمل لبلدها، «حيث باتت أجيال كاملة تحت التراب أو خارج سورية»، لكن عجلة الحياة تستمر.