Atwasat

أحمد بللو: لجأت إلى المسرح لأني فقدت مصداقية الكلمة

طرابلس - بوابة الوسط: عبد السلام الفقهي الجمعة 03 يونيو 2022, 11:55 صباحا
WTV_Frequency

 ترتبط سيرة المسرح بتجربة المخرجين والكتاب والممثلين، ومعاصرتهم لتحولاته بين الصعود والتراجع أو بين مراحل النجاح والإخفاق، وكيف تغيب بعض المضامين لتحل أخرى بديلا عنها.

ذاكرة الركح الليبي جزء من هذا المشوار الحافل بذخيرة الإرث الإنساني وصراعاته، وهو شاهد في منعطفاته على تاريخ هذا البلد في أبعاده الاجتماعية والثقافية والسياسية، من ذلك كان لنا الاقتراب أكثر للتعرف على جزء من خارطة هذا المسار في حوار أولي أجريته بمشاركة الصحفية فتحية الجديدي مع الشاعر والكاتب أحمد بللو وتجربته بالخصوص.

كيف نرصد علاقتك مع المسرح؟
لجأت للمسرح ذات يوم، لأني فقدت مصداقية الكلمة، ورأيت من خلاله القدرة على امتحان الكلمات الحقيقية من عدمها، كان ذلك سنة 1971 عندما أضفت آليه الاشتغال بالصحافة لكونها تعتمد على المعلومة وتحفز الذهن على متابعة الجديد، أديت دورا في مسرحية «شمشون ودليلة» في ذات السنة، ومثلت دور البطل في مسرحية «أيوب» سنة 1972.

أثناء دخولي للسجن سنة 1978 كتبت مسرحية بالعامية بعنوان «جوتي» مضمونها عاطفي وتتناول أيضا فكرة رفض القمع، وكانت أولى مشاركاتي بعد الخروج من السجن هي الكتابة عن مسرحية «عبدالسميع في الزمن البديع» من إخراج فرج أبوفاخرة، ومسرحية «تفاحة العم قريرة» لمؤلفها البوصيري عبدالله وإخراج منصور سرقيوة، وتواصلت مع عالم الركح حتى شاهدت مسرحية «السعداء» لمنصور بوشناف من إخراج نوري عبدالدائم، وتطلب مني تحليلها إخراج أعمال أخرى للكاتب لاكتشاف مقارباته الفلسفية، وتحقق ذلك سنة 1999عبر خمس مسرحيات نشرها بوشناف في مجلة «الفصول الأربعة».

أخرجت سنة 2003 مسرحية العميان لموريس ميترلنك بعد تلييبها، ثم مسرحية «مدينة الملاهي» للشاعر سالم العوكلي وشاركت فيها كممثل أيضا، بحوزتي مجموعة مشاريع مسرحيات جاهزة للإخراج منها قصيدة للشاعر الراحل محمد الفقيه صالح.

ما الذي يجعلك تقرر إخراج عمل ما دون غيره؟
القصة.. عندما قدمت مسرحيات منصور بوشناف سنة 1999 لفت انتباهي نص ينتقد النازية والمقصود هتلر، الذي يسخر من لوحة الرسام الهولندي فان جوخ «عباد الشمس» قائلا إن هذا ليس بفن، الفن هو أن يوجد هنا دماء وهناك جثث وأطراف.. أردت من خلالها تضمين وجهة نظري وموقفي من النازية والفاشية التي بدأ بهما القرن الماضي أحداثه، إضافة لمسرحية العميان المعبرة عن هزلية ما نعيشه من الآم.. المسرح أهم مفردة في الثقافة، من خلاله تتجلى كل أنواع الفنون «موسيقى، رقص، غناء، تشكيل»؛ لذا كان أحد تعريفاته الفن الوطني، حيث تتجلى فيه الأزياء والمقتنيات والمعمار، مزيج السينوغرافيا والجغرافيا والفعل الذي يجسد التاريخ وحركة الإنسان.

علاوة على كونه أول مكونات فكرة الحوار سواء بين الشخصيات أو بين الممثل والجمهور إضافة إلى أن التمثيل هو استكشاف للشخصية في أبعادها القصية، وتبيان عيوبها النفسية.

ماهي إضافات المسرح الليبي بحسب تجربتك؟
شهد المسرح الليبي مراحل عدة في النهوض، أبرزها فترة الستينيات بوجود أسماء «محمد شرف الدين، ومصطفى الأمير» ومسرحيات لافتة مثل «حمل الجماعة ريش، واللي تحسابه موسى يطلع فرعون، وحلم الجيعانين»، ولامست نصوصها الواقع وقدمت تحليلا عميقا لأبعاده الاجتماعية، وأذكر أنه في 1972 أقيم مهرجان للمسرح بطرابلس عرض فيه 14 عملا، منها نصوص عالمية «هاملتون لشكسبير، والعادلون لألبير كامو، والبخيل لموليير» في موازاة طرحه لقضايا قومية كالوحدة، والحرية، ومناصرة الشعب الفلسطيني، حيث تفاعل الجمهور بتواجد لافت واحتضن هذا التنوع في الموضوعات والأفكار.

وبالرجوع إلى درنة أتذكر فترة الستينيات عملت النوادي على إقامة مسرحيات بهدف دعم كرة القدم، دليل على أن المسرح كان فاعلا ورافدا للحياة المجتمعية وفرق القطاع الخاص فرضت وجودها من واقع رصيدها مع الجمهور وزخمه الواضح.

هناك من يتحدث عن أزمة نص؟
لا.. المشكلة متعلقة في عدم وجود مسرح، لا بد من توافر البيئة الكاملة من المكان والمعاهد الفنية.. الكاتب أمامه التراث الإنساني دون تحديد، ما دون منذ عهد سوفوكليس وحتى هذه اللحظة متاح عبر القارات الخمس، كما أن المسرح يعتمد على مفردات وقضايا، الحرية، والحق، والعدالة، وللمؤلف اقتناص تلك الإشارات وتوظيفها لصالح بيئته.

وفي المقابل لا ننسى أن للمسرح عثراته ومعاناته من التضييق والكبت، وما تجدر الإشارة إليه أن انتباه السلطة إليه بعد مرحلة الستينيات بدأ مع مسرحيات منصور بوشناف «عندما تحكم الجرذان، وتداخل الروايات في غياب الراوي»؛ إذ أدرك النظام أن هناك طرحا مزعجا يجب لجمه، وشملت المراقبة حتى الإضاءة ة والأوان.. المسرح ابن الحرية، يمكنك كتابة نصا شعريا أو رواية داخل غرفتك دون قيد، لكن المسرح يحتاج لخشبة وجمهور، لا مجال للمراوغة.

لك رأي في مفهوم اللغة والكيان؟
لكي يكون لنا كيان لا بد من وجود لغة مشتركة وهي العامية، وبذا فاللغة المنطوقة لا بد أن تكون لغة المسرح.

هناك من يعترض على ذلك بالقول إن الفكرة هي الأساس؟
تلك أكبر أخطائنا، الفن إحساس وليس فكرة.

العامية يظل تأثيرها محدود، ويبقى الأثر هنا محليا فقط؟
حتى خارج البلد من السهل استيعابها عن طريق الإحساس، على سبيل المثال نحن نشاهد الكثير من الأفلام العربية والعالمية ونستطيع فهمها بالحركة والشعور، كذلك المسرحيات التي تنقلنا إلى عالمها بواسطة الإحساس، كما في المسرح الصامت الذي يدخلنا في عالمه الممثل وانفعالاته، فلو قدمت لك شخصية رجل فاشي ستكتشف فاشيته من واقع حركته وتصرفاته دون الحاجة إلى الكلام، كذلك شخصية الفتاة العاشقة التي تبث إيحاءات حالتها النفسية ويلتقط الجمهور مشاعرها من خلال مجمل تفاصيل إيقاعات الحركة.

جيل الرواد قدم عروضا بالفصحى ونجح في ذلك؟
الجمهور كان نخبويا في البداية لكن مع دخول العامية حدث انتشار أو اتساع لشعبية الركح، وظل مع ذلك الخطان يسيران جنبا إلى جنب حتى على المستوى العربي، بوجود مسرح النخب ومسرح الجمهور، وهو غير موجود بطبيعة الحال في المسرح الأوروبي لانتفاء تلك الازدواجية في لغته.

ما المعادلة الرئيسة لنجاح المسرحية؟
الإبحار عميقا في قضايا مصيرية، سيجد المواطن عبرها نفسه في صلب الموضوع دون أن يدري، يقول «مارتن إسلين»: «إذا لم تدخل في عالم المسرحية خلال ثلاث دقائق غادر القاعة» المقصود إنه على المخرج نقل الجمهور من الصالة إلى خياله، وهي معركة مفصلية في علاقة الناس بالممثل. لذا بحث الكثيرون من رواد المسرح عن أشكال عديدة من العروض لجذب الجمهور إليهم وكذلك لفهم طبيعته والتحدث إليه مباشرة دون اعتبار للأثاث أو الديكور، تماما كما فعلت فرق مسرح الديلارتي الإيطالي حيث يقدمون أعمالهم في الساحات والميادين بشكل متواضع وبسيط يقرؤون النص ثم يترجمونه وفق رؤيتهم الخاصة كذلك المسرح الفقير في أميركا اللاتينية، حيث تأتي الفرقة لقرية ما وتعمل على جعل الناس يحكون مشاكلهم على الخشبة، أي جعل الجمهور جزء أصيل من المشهد، لذا يقول ديستوفسكي إن المسرح ممثل وجمهور فقط.

نقلا عن العدد الأسبوعي من جريدة «الوسط»

فتحية الجديدي مع أحمد بللو (بوابة الوسط)
فتحية الجديدي مع أحمد بللو (بوابة الوسط)
عبدالسلام الفقهي (يسارا) يحاور أحمد بللو (بوابة الوسط)
عبدالسلام الفقهي (يسارا) يحاور أحمد بللو (بوابة الوسط)

المزيد من بوابة الوسط

تعليقات

عناوين ذات صلة
نجاح المسلسل يعزز مبيعات سلسلة ألعاب «فولاوت»
نجاح المسلسل يعزز مبيعات سلسلة ألعاب «فولاوت»
إحياء الذكرى الخمسين لوفاة الأديب الفرنسي مارسيل بانيول
إحياء الذكرى الخمسين لوفاة الأديب الفرنسي مارسيل بانيول
شاهد: «الدراما الرمضانية.. تحدي التجديد، فهل من جديد؟»
شاهد: «الدراما الرمضانية.. تحدي التجديد، فهل من جديد؟»
تحضيرات مكثفة للدورة الثالثة لمعرض بنغازي الدولي للكتاب
تحضيرات مكثفة للدورة الثالثة لمعرض بنغازي الدولي للكتاب
بوشناف: الفن مرآة المجتمع
بوشناف: الفن مرآة المجتمع
المزيد
الاكثر تفضيلا في هذا القسم