(الفن) ليس مجرد كلمة واحدة؛ بل هي في تقديري تميمة سحرية، لو عرف المرء سرها تفتح أمامه عالمًا من السحر والمعاني والأساطير، والجمال. هذه التميمة يهبها الله لمن يشاء، وكثيرًا ما أقول لنفسي، عندما أقرأ نصًا جميلًا، أو أشاهد لوحة جميلة، أو لحنًا مميزًا: «وهبه الله (تميمة) يا لحظه السعيد!».

والحقيقة، أنه عندما يمنحك النص تلك البهجة اللذيذة الخدرة، فاعلم أن كاتبها كان يكتب بيمينه ويداعب تميمته بيساره، أو العكس، والأمر ينسحب على لوحة تبهرك، وفي كلا الحالتين ثمة فكرة استطاع المبدع إيصالها إليك. شاهدت لوحات خيول الفنان جمال دعوب، فغمرتني بهجة جمالها وقلت في نفسي تميمته بين أنامله!.

ثم بحثت كالعادة عن معلومات عن هذا الفنان، وانتبهت أنه كالعديد من فنانينا، لا يجد الباحث عنهم سوى القليل جدًا، ولولا نص للناقد الفني الكاتب (ناصر سالم المقرحي) المنشور بموقع ليبيا المستقبل لما وجدت ما أكتب عنه سوى أنه من مواليد طرابلس سنة 1965 ودرس الفن بكلية فنونها الجميلة، وأنه شارك في عدد من المعارض واقتُنيت العديد من أعماله، محليًا ودوليًا، أشرف على العديد من المهرجانات عمل مديرًا لإدارة المعارض التشكيلة، ومديرًا عامًا للمركز القومي للفنون والتراث في ليبيا. ومستشارًا فنيًا بهيئة السينما والمسرح والفنون الليبية. وحصل على التكريم والميداليات التقديرية وكثيرًا ما اختُير للعديد من المؤسسات المحلية والعالمية عضوًا بلجان تحكيمها الدولية، وأنه نفد الطابع البريدي الخاص بالهجرة غير الشرعية.

فنان شخف بجمال الخيول فابدع في تصويرها
ولكن ما أن قرأت النص، الذي أشرت إليها أعلاه، حتى قلت في نفسي تميمة أخرى! ولا أعتقد أنكم ستختلفون معي عندما أقتبس فقرة مما كتبه الأستاذ ناصر عن خيول لوحات الفنان جمال دعوب، التي تقول: «... وجد في عالم الخيول ما يشبع شغفه ويلبي رغبته للإبداع، فأنجز الفنان جمال دعوب صاحب الإنتاج الغزير لوحات كثيرة صوّر فيها الخيول البرية التي يبدو أن تناسق أجسادها ورشاقتها وقوتها وانسيابية حركتها وجمالها الطاغي ومتعة تشريحها تشكيليًا ودراستها قد اجتذبه لا سيما بعد سقوط الضوء علي أجسادها بألوانها المتباينة فجعلته يشحذ ريشته ويستنفر خياله وألوانه وخبرته ليحاكي هذا الجمال الفتان الماثل أمامه والذي تأمل فيه كثيرًا وتذوقه كثيرًا قبل أن يقرر تخليده في لوحاته ومحاكاة تفاصيله بحرفية عالية ومهارة فائقة كما أتصور».

فنان رسم الحركة فأبدع
ويقرر أن الفنان: «استطاع النفاذ إلى الجوهري والعميق في المنظومة الجمالية الطبيعية ..». ويستطرد: «يبدو أن عالم الخيول قد شغفه حبًا فطفق يرسم ويوثق مفرداته بلا هوادة، وإذ يرسم الفنان خيوله متباينة الألوان وهي تركض ولا تفكر بشيء غير الركض أو تخب رويدًا رويدًا استعدادًا للانطلاق نحو الحرية بألوان الباستيل الطباشيرية أو بالزيتي، يرسم سيرة الحرية ويدشن ملحمة الانطلاق الأبدية وكأنه يقول إذ يرسم، هكذا خُلقت الجياد حرة ولا ينبغي أن تكون إلا هكذا، موطنها البراري ووجهتها كالريح تمامًا لا تهدأ ولا تستكين، وإذ يرسم فإنه يرسم الظلال المنطبعة عليها وبُقع الضوء المرتسمة على انسيابيتها ويرسم استجابة نواصيها وشعرها لمشيئة الريح ويرسم بروز عضلاتها من وراء الجلد والشعر الناعم والقصير اللماع، عضلاتها التي صقلتها الطبيعة ونحتها الركض المتواصل والحيوية الذائبة والتوق للمروق نحو الأبدية والانفلات من ربقة المادة، يرسم الفنان ويستل ريشته إذ يرسم، حركة الذيل وتطاير الشعر في تشكيلات عشوائية باعثة على التأويل والجمال». النص كله بديع ولكن انتقيت منه، ما يعزز فكرتي. وبذلك أكون قد حاولت أن أضع أمامكم التميمتين، فليبارك الله، على الدوام، تمائم إبداع مرهوبينا.