Atwasat

أسئلة الواقع الافتراضي.. الكاتب في مواجهة جمهوره

طرابلس - بوابة الوسط: عبد السلام الفقهي الجمعة 18 مارس 2022, 03:09 مساء
WTV_Frequency

يشبه البعض علاقة الكاتب مع القارئ، في فضاء الشبكة العنكبوتية، بصعود الفنان على خشبة المسرح ليجد نفسه في مواجهة الجمهور، لا مكان للاختباء أو التواري، أنت في حضن الشمس.

 وبذا يمكننا السؤال، هل يشكل «تويتر» أو «فيسبوك» امتحاناً لقدرات الكتَّاب، من حيث اختيارهم لآليات التواصل مع الجمهور؟ هل يعبر الفضاء الإلكتروني عن آرائهم وشخصياتهم وطريقة تفكيرهم أم يمكن اعتباره فقط محطة استرخاء؟ وكيف يفهم امتناع أو عزوف الكاتب عن استخدام وسائل التواصل استخفافاً بمدى فاعليتها وقدرتها على إيصال أفكاره أم خوفاً من تعريته أمام القارئ؟

مسألة نسبية
يجيب الكاتب والشاعر، أحمد بللو، بالقول إن المسألة نسبية ومرهونة بموقف الكتاب من قضايا الواقع ومراميهم من أدواتهم الكتابية والمطموح لهم منها.

ويستطرد معلقاً: «فيما يخص قناعتي الذاتية فأنا أعول عليها كثيراً في التواصل والتضامن والمعرفة، كذلك لمشاركة الآخرين أسئلتهم واقتراحاتهم واهتماماتهم وتشوقاتهم، وفي الوقت نفسه الاستمتاع باختياراتهم ومنشوراتهم الفنية والأدبية، وأجده براحاً ممتعاً ومفيداً خاصة في بلادنا التي تعاني من عدم توفر المنابر الإعلامية والثقافية الحرة والاحترافية، للمساهمة في خلق رأي عام مستنير، فلما لا تستثمر هذه الوسائط في خلق أو تشجيع هذا الرأي.

ومن جانب آخر، يصنف تعاطي الكتاب مع الفضاء العنكبوتي في بعدين أولهما امتناع البعض عن خوض هذه التجربة استخفافاً وأرستقراطية ثقافية أو الجهل بمدى فاعليتها، إضافة لعدم القدرة على التكيف، عدا أنه وضع أمام تحدٍ حقيقي وهو مواجهة مباشرة مع القارئ، ويعني أيضا خوفه من المواجهة نتيجة ملابسات تخص كتاباته وأفكاره ومواقفه، لذا يجهد في التواري تجنباً للتعرية أو الفضيحة.

وبشكل عام يدلل بللو على أهمية الوسائط وأثرها الفاعل مساهمتها في إسقاط بعض الديكتاتوريات وشرخها جدران الاستبداد خاصة في منطقتنا العربية والإسلامية، ويجب ألا نغفل على أن جل الانقلابات كانت تكتفي بمحاصرة الإذاعة والاستيلاء على الميكرفون والكاميرات.

فرصة استثنائية
ويصف الشاعر عمر عبدالدائم ثورة الاتصالات، التي شهدها العالم خلال العقدين أو الثلاثة عقود الماضية بفرصة استثنائية للكتّاب تجاوزت أحلامهم، فأصبحت بفضلها كتاباتهم تصل أركان المعمورة الأربع في طرفة عين بعد أن كانوا يتسولون أرباب الصحف الورقية كي ينشروا لهم أو يتوسلون لمؤسسات الدول أن تطبع لهم ما يكتبون، ومعظمهم بعد ذلك لن يقرأ لهم ما تمت طباعته نتيجة كسل وفشل المؤسسات الرسمية في التسويق لنتاجاتها من المطبوعات والتي يركن بعضها في مخازن الأتربة والغبار حتى تأكلها الأرضَة.

قرية صغيرة
وأردف أنه مع بروز منابر التواصل الاجتماعي «فيسبوك، تويتر، انستجرام ...وغيرها» تغير الحال فصار العالم بحق قرية صغيرة، بحيث يكتب شاعر مغمور قصيدته في بلدة نائية من جنوب ليبيا «على سبيل المثال» فيجد في الحال من يتفاعل مع نصه في جميع أنحاء العالم، وقد يشارك في هذا التفاعل ناقد كبير أو متذوق استثنائي، مما يعطي الشاعر صاحب النص فرصة ذهبية للتعريف به في دول كثيرة ومحافل مهمة لم يكن ليدركها لولا هذه الثورة الرقمية.

وبذا فالكاتب صار على المحك بالفعل، وستسقط الأوراق الصفراء ولن يبقى في الوعاء إلا خالص اللبن.

واستطاع الكاتب أيضاً أن يصنع شخصيته بالشكل الذي يحب، ويختار أصدقاءه بعناية ومن أي مكان في العالم، وأن يحدد عددهم بالقدر الذي يريد، ويشارك في المحافل الثقافية عن بُعد وعبر «زوم»، إضافة لتواصله مع مديري المهرجانات للمشاركة فيها بحضوره المادي.. وهذه لعمري خطوات غير مسبوقة استفاد منها مبدعو الجيل المتأخر.

ومع ذلك تتبدى ضريبة التواصل في ازدحام الشبكة العنكبوتية بالغث والسمين؛ حيث اختلط الحابل بالنابل، فنجد من يتصدى للنقد دون أن يكون له إلمام بمبادئ النقد وأصوله ومدارسه ومناهجه، ومن يكتب الخاطرة مدعياً أنها قصائد شعر، وللأسف ربما وافقه «لأسباب ليست موضوعية أبداً» الآف الأشخاص وهم بذلك كأنما ينفخون فيه وهو يزداد علواً وطيراناً قبل أن يتفرقع بـ«نكشة دبوس».

ولا يعتقد عبدالدائم أن من بين الكتاب والشعراء - حتى من ذوي الأسماء الرنانة - من يفوت عليه فرصة الاستفادة من هذه الفضاءات في زيادة انتشار نصوصه والتعريف به، اللهم إلا إذا كان ذلك الكاتب يجهل لغة التقنية أو تعيقه عن استعمالها أسباب أخرى.

إعادة صياغة
يؤكد الكاتب والشاعر خيري جبودة أن هذه الوسائل أعادت صياغة علاقة الكتاب مع الجمهور في محاور التفاعل مع ردود الأفعال، وأسلوب وحجم المحتوى، واتجهت الكتابة إلى الإيجاز، كما لا ننسى ما أتاحته هذه الوسائل من أساليب لمخاطبة المتلقي بالصوت والصورة، وبذلك خلق هذا المجال آليات جديدة للكتاب وصناع المحتوى الثقافي.

ويعد جبودة التعامل معها متعلقاً بالتعبير عن الرأي والشخصية ومحطة استرخاء، فالإنسان المعاصر والكاتب بالتبعية أصبح متصلاً بهذه الشبكات ووجد فيها براحاً فريداً للتعبير عن رأيه وشخصيته، وهي تمثل تحولاً جذرياً نحو شكل ديمقراطي من التواصل ومع اللمسات والتطبيقات التي يغذي بها المطورون هذه الشبكات صارت متنفساً للاسترخاء والترفيه.

كما يشخص موقفهم من التقانة على اعتبارين الأول يرى أن هذه الوسائل مهدرة للوقت ويضحي بميزاتها في سبيل التفرغ لإنتاجه وإعطائه ما يحتاجه من وقت واهتمام، ويقدم إنتاجه للجمهور عبر دور النشر والصحافة واللقاءات العامة، والثاني والذي أشرت إلى أنه لا يرى أهمية لها فاعتقد أن نسبته قليلة جداً نتيجة قدرة هذه الوسائل على التغلغل في حياة معظم الناس.

تماس مباشر
ويرى الشاعر والصحفي مهند سليمان أن وسائط التواصل الاجتماعي ساهمت وبصورة واسعة وكبيرة في تجسير الهوة التقليدية بين الكاتب والجمهور المتلقي، فصار بإمكان القارئ المعاصر المحب مثلا لكتابات ماريو فرغاس يوسا أو أمين معلوف أو باولو كويلو أن يكون على تماس مباشر ويومي معهم، فهذه الفضاءات الرقمية أتاحت للجميع لا سيما الذين يتعاطون فعل الكتابة مشاركة حتى أنشطتهم اليومية، وبسبب هذه المباشرة في التعاطي اليومي استفاد الكاتب الواعي من تنمية أدواته الفنية وتطوير قدراته الإبداعية، لأنه أراد خوض مراناً وتحدٍ مع من يختلفون معه واحترام توجهاتهم، بينما البعض الآخر من الكتاب وقع ضحية لفخ عدم وجود الحواجز الكلاسيكية فانصرف في التورط في الخلافات الجانبية والنقاشات السفسطائية الأمر الذي أساء به لنفسه ولتجربته.

وأضاف أنه إلى حد كبير يحاول كل منا بشكل أو بآخر طرح ذاته بالطرائق التي يرتئيها مناسبة وتخدم مشروعه الكتابي والإبداعي وبالتالي فإن جُل ما ينشره الكاتب على شبكة الإنترنت يعبر عن لسان حال وإن احتفظ بعض الكتاب بشيء من الخصوصية في هذا الصدد، أما فيما يتعلق بامتناع أو عزوف الكاتب عن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي فالكل تقريباً وقف عاجزاً عن التصدي لمغريات العوالم الافتراضية بمن فيهم الكتاب، وإذا وجدت شريحة منهم تمتنع عن مواكبة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي فهو لا يُعزى لاستخفافه بقدر ما يُعزى لحجم جهالته، وعدم استيعابه للتقنيات الحديثة، ونظرة الاستخفاف من البعض جذورها الجهل والانكفاء على الذات لا أكثر.

نقلا عن العدد الأسبوعي من جريدة «الوسط»

الشاعر والكاتب خيري جبودة (بوابة الوسط)
الشاعر والكاتب خيري جبودة (بوابة الوسط)
الشاعر عمر عبدالدائم (بوابة الوسط)
الشاعر عمر عبدالدائم (بوابة الوسط)
الشاعر والصحفي مهند سليمان (بوابة الوسط)
الشاعر والصحفي مهند سليمان (بوابة الوسط)

المزيد من بوابة الوسط

تعليقات

عناوين ذات صلة
فنانون أيرلنديون يطالبون بمقاطعة «يوروفيجن»
فنانون أيرلنديون يطالبون بمقاطعة «يوروفيجن»
لأول مرة.. ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب في 2024
لأول مرة.. ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب في 2024
ذكرى الوحدة الوطنية تحت مجهر القبة الفلكية
ذكرى الوحدة الوطنية تحت مجهر القبة الفلكية
أولمبياد باريس: متحف اللوفر يقدم جلسات رياضية أولمبية
أولمبياد باريس: متحف اللوفر يقدم جلسات رياضية أولمبية
باكورة إصدارات «غسوف»: رواية ورياضة وتراث
باكورة إصدارات «غسوف»: رواية ورياضة وتراث
المزيد
الاكثر تفضيلا في هذا القسم