نظم المركز الليبي للمحفوظات والدراسات التاريخية، الأربعاء، محاضرة ألقاها وكيل وزارة الثقافة والتنمية المعرفية خيري الراندي، تحدث خلالها عن الظروف التاريخية والعوامل السياسية والثقافية المرتبطة بتشكيل هويتنا الوطنية على الجغرافيا الليبية.
وأورد في استهلاله ما تضمنته قواميس اللغة من تعريف للهوية في كونها حقيقة الشيء أو الشخص المشتملة على صفاته، ونظرة المفكرين لها كائن عضوي ينشأ ويولد ويتطور وقد يواجه الموت والانهيار، ولكي تحافظ على وجودها يجب أن تعمل الهوية الجامعة على تنشئة الهوية الفرعية حسب طبيعتها ومفرداتها، ثم مباركة الهوية الجامعة لتنوع المكونات الفردي وما يخص تراثها وثقافتها.
وأشار الراندي أن الجدل حول الهوية لم ينته منذ نصف قرن أخل مجتمعات متنوعة التكوينات، وكذا احتدام المصالح الإقليمية والدولية، بالإضافة الى ما توالد عن هذا التداخل من مسميات كهوية صغرى وكبرى، تابعة ومتبوعة، عليا ودنيا، قوية وضعيفة، تشمل مختلف مناطق ودول في العالم على الصعيد الفردي والقومي والوطني.
نموذج عالمي
ودلل على ذلك عالميًا في نموذج الاستفتاء البريطاني حول إسكتلندا والكتالونيين بإسبانيا، وجدل آخر على الصعيد العربي في لبنان والسودان، وما يحدث في العراق من مطالبات كردية بالاستقلال، وكذا تركيا المتمثل في تيارين الأول ينادي باستعادة الدور العثماني وآخر يتجه إلى المجال الأوروبي.
وأشار إلى أن الحضارات المتعاقبة وأثرها الناحت في مسيرة التاريخ الليبي بشواهد لا تزال ماثلة على امتداد مساحة البلد يجب توظيفها كقاعدة ومرجعية مهمة لهويته انطلاقًا من مسألة أن التجارب البشرية وسياق تكوُّنها يخضع لسلطة الثقافة الموروثة والمكتسبة، ففي ليبيا مثلًا كانت طرابلس تحت سيطرة الفنيقيين، وبرقة ضمن النفوذ الإغريقي، بينما فزان كانت تحت مملكة جرمة، وعقب الامبراطورية الرومانية السيطرة العثمانية لمدة أربعة قرون حتى قدوم الفتوحات الإسلامية لبرقة العام 642 وطرابلس عام 644 ثم فزان سنة 663.
تمازج ثقافي
وأردف أن الفتوحات كانت نقطة محورية في التاريخ السياسي الليبي؛ إذ صاحبها استقرار العرب الفاتحين في الشمال الأفريقي وتزاوجهم مع البربر وانتشار الإسلام واللغة العربية مما أضفى على المجال التراثي الليبي طابعًا عربيًا إسلاميا كانت له السمة الغالبة حتى اللحظة الراهنة، مؤكدًا أن مساهمة التاريخ في تكوين الهوية الليبية بدأ مع الفتوحات سنة 662 وتعزز أثر الغزو الإيطالي سنة 1911حتى اكتمال صورته بعد الاستقلال العام 1951.
وأوضح أن هذا التمازج الثقافي الموغل في القدم لم يكن لحضارة على حساب الأخرى بل لصالح نسيج يعطي لكل منها فرادتها كعنصر ناظم في مكونها الكلي.
ويرى أن الاتجاه لهوية وطنية واحدة مثل أهم الملامح الرئيسة بالنسبة للسياسة العامة لكثير من حكومات العهد الملكي، وبعد العام 1969 زاد بالوعي بفكرة القومية العربية والأفريقية وسواء أصابت تلك النخب أو أخطأت لكن يحسب لها جهودها فيما يقارب نصف قرن بهدف تحقيق الوحدة مع دول الجوار كترجمة لروح الهوية الجامعة.
تعليقات