نظَّم المركز الليبي للدراسات الثقافية، الإثنين، بدار حسن الفقيه، محاضرة بعنوان «نقد المنهج في الدرس الثقافي» ألقاها الشاعر صالح قادربوه رئيس المركز، تناول خلالها الأطر التاريخية المشكلة لمسارات المناخ الثقافي على المستويين المحلي والعربي، وسبل نقد وكشف واستنطاق مكنون هذا المشهد، والأدوات التي يمكن الاعتماد عليها.

وأوضح أن النظر في هذا المحور استدعته مجموعة التباسات تعلقت بمسار الدراسات الثقافية المنكبة على تحليل الظواهر واستكشاف كيفية «توليد المعنى ونشره والتنازع عليه وربطه بأنظمة القوة والتحكم وكيفية إنتاجه من المجالات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ضمن تشكيل أو ظرف اجتماعي معين»، ما يعني أن الثقافي مادة ومعنى هو نتاج قابل للسيطرة حتى وإن حاول التمرد أو التملص.

تفاعل وتحليل
وأشار لأبرز انتقاد مؤسس يوجه إلى مناهج الدرس في الظاهرة الثقافية بتنوعاتها وهو كونها جميعاً تقوم على أساس المثال، حتى وإن كان تفاعلها التحليلي صارمًا أو محايدًا، فنتائجها تقدم الموضوعة المعنية بالبحث في شكل سلطة اجتماعية أو سياسية، ترفعها إلى أن تكون صورة ذات اكتفاء منهجي يتيح البناء عليه لا نقضه، والنقض لا كذريعة نقدية؛ بل كحالة سؤال حادة تقطع مع وعي لتعود لمساءلته أو نقاشه ومن ثم تقديمه في الخصائص التي يلتقي فيها الشعبي بالفلسفي.

وأضاف «لقد حاولت نماذج كثيرة من عمل الدرس الثقافي أن تقدم رؤية حيوية للظواهر كنقاش الاستهلاك الثقافي والأنماط الاجتماعية الثقافية وإرث ما بعد الثورة التكنولوجية لكن المنهج يصطدم بالغائية والتوجيه، وينحاز لحالات ثورية عبرها يتم تقييم النتاج الإنساني شكلًا ومحتوى» .

وأردف فيما يتصل بنقد مناهج الدرس الثقافي «القائمة على التفسير الشكلي للصراع» الإحاطة النظرية بالموروث قديمًا وحديثًا، ما جعلها تتحول إلى تيار إجرائي أكثر من كونها جزءًا عضويًا مهمًا من الظاهرة نفسها، لا تناقش في تفاعلية بشكل دائم بل تتقصى وتتقصد وتنزع إلى الاستحواذ العلمي على وعي هذه الظاهرة وآفاقها وحتى إخفاقاتها.

فلسفة جديدة
ويرى المحاضر أن فاعلية الدراسات الثقافية وقيمتها المعرفية مرتبطة بحرصها على تفسير الوجود الإنساني وذلك بإنتاج الفلسفة الجديدة، بدءًا بصورة الإنسان وحركته وصورة موته وتحلله أيضًا، لكن لا عبر استعمال وسائط الوعي الإنساني التكنولوجية بل بشراكتها، فقد تقدم السينما مثلاً تفسيرًا فلسفيًا تقدميًا لحضور الإنسان بنهج السرد الثقافي القابل للإضافة دوما، بعيدًا عن توهم الخصوصية العرقية والطبقية والنفسية، في تنوع نماذجها المنحازة للنظام التداولي والمنشقة عنه.

وخلص في تحليله بتورط الدرس الثقافي في تقصي أثر البشرية ليفهم علة وجودها، ما جعله ينزاح عن تبصر المعاني الكبرى للوجود الإنساني التي سبقت الظاهرة، فليس الإنسان هو ما فعله فقط؛ بل هو كل ما لم يفعله ولن يفعله أيضًا، وليس المجتمع هو ما عليه وما سيكونه وما كانه، بل هو احتمال تقاطع كل ذلك في مدى مسيرة هذا المجتمع قدمًا أو للوراء.

وأكد أن التيارات الثقافية كانت تستلهم مبادئها من أساس الصراع، أو من ازدرائه، بينما على النهج الثقافي أن يكون صورة من الصعود الدرامي الذي ربما يستنفد الفهم النمطي لحالة التدافع النفسي أو السياسي، بين حضور النزعة الفردية والقيم العامة، وبين النبوءة والسلطة.

وعقب الورقة مداخلات لكل من الشاعر عبدالحكيم كشاد والصحفية فتحية الجديدي والفنان أحمد الغماري، تناولت الاتجاه النقدي المطلوب لمعالجة القصور في فهم الظواهر الثقافية العامة، كذلك علاقة السينما كنص وصورة بالحالة الفكرية والواقع المجتمعي ورصد ملامح هذا التحول سلباً وإيجاباً، إضافة لمناقشة الخطوط التي سار فيها المنهج الغربي بالخصوص على مستوى التنظير والتطبيق في التشكيل والسرد والموضوعات وأثر ذلك في النتاج التحليلي للمشهد الثقافي العربي.

الصحفية فتحية الجديدي (بوابة الوسط)

الفنان أحمد الغماري (بوابة الوسط)

الشاعر عبدالحكيم كشاد (بوابة الوسط)

جانب من الجمهور (بوابة الوسط)