19- أدبيات رسائل الفاخري
كنت أعلم أن خليفة الفاخري، قد بعث برسالة إلى صديقنا سالم الزغيد، ولذلك طلبتها منه، وأخبرته أنني أنوي نشرها، فبعثها إلى مرفقا بها تعليقا منه فسألته أن أقدم به الرسالة، فوافق. إليكم تقديم أخينا سالم الزغيد:
الرسالة التي أعتبرها هي الآهم والمنجز القيّم لي في هذه الحياة
(تحصلت في حياتي على شهادتين، أول واحدة كانت من كلية التجارة والإقتصاد – الجامعة الليبية، مكنتني من الولوج في معترك الحياة العملية والركض وراء ماديات الحياة (وراء وسخ الدنيا ... قد يقول قائل) .... والثانية لها طابع عاطفي مجرد من كل ماديات الحياة، شهادة لمست القلب والوجدان .... ألا هي شهادة أخي المرحوم خليفة الفاخري ... وبمقارنة الشهادتين ... وفي سني عمري هذه ... تتبوأ الشهادة الثانية معاني وقيمة أكبر بكثير من الشهادة الأولي ... وأعتبرها هي الآهم والمنجز القيّم لي في هذه الحياة.
فيا أخي خليفة فإن أرسلت لي (سلة من السلامات) فها أنا أبعث لروحك الطاهرة الاف السلل من التحاتا والدعاء للمولي عز وجل أن يسكنك فيما تستحق من جنات النعيم ... وإلى لقاء لنتبادل (التحايا والدعابات)
أخوك سالم محمد الزغيد.
أما رسالة خليفة إليه فنصها كالاتي:
أخي سالم
تسعى الكلمات..تلهث أجنحتها كي تسمو إليك.
وأنا أُفْرغ كل جهدي حتى أحمّلها مدى إعزازي وحنيني، واعتزازي بك.
بعض الرجال يأتون للحياة، ويمضون مثل ظل!
وهناك آخرون يحرثون القلب، ويغمرونه بالبذار الخيّر، والبهجة، ولا يملك المرء سوى أن يحفر ذكراهم، وعيونهم الودودة في قاع صدره.
وأنت - يا صديقي العزيز- أحد هؤلاء الرجال الجيدين. مرموق أنت، ومتوائم مع كل شيء! منظم، ومنتظم أنت مع الإنسان، والزمان، والمكان.
وكنت أحث نفسي دائما بأن أكتب لك، لكنني كنتُ أخشى باتصال ألاّ تستطيع الكلمات أن تسمو إليك! إنني لن أنسى مطلقا وقوفك بجانبي، أنت والعزيزة (كريس) منذ أن فاجأني ذلك (الفاكس) المثير، وما استتبعه من عديد الاتصالات، والرحيل، والتكلفة.
لقد كنتُ ممتلئُا حزنا، وعجزا؛ لكن قلبك الكبير قد ثابر لأن يكون الأمر هيّناً ويسيرا إلى حدٍ مذهل!
فماذا تستطيع الكلمات البلهاء أن تقول إزاء ذلك؟! إنها ثروتي الوحيدة، لكنها تبدو لي، أحيانا، أكثر فقرا منى حين أوفدها لمن أحبّ!!
أخي يا صديقي،
حين يتقادم بك العمر، تشرع في التحسّس! إنك تتحسس أطرافك باتصال، خاشيا أن يلازمك إعياء ما في أنحاء جسدك، ثم تفتح جراب الذكريات مثل رجل عجوز يجلس وحيدا على أحد المقاعد في الحديقة العامة، أو على ضفة النهر. وتبدأ في التحسس بأصابع قلبك كل من حولك في حياتك المديدة، ومدى ثرائك بكنز الآخرين!
عندئذ يدرك المرء مدى غناه الحقيقي، أو فقره.
عندئذ، أما أن يكون عامرا بالرضا والابتهاج، أو الحسرة وخيبة الأمل!
أخي سالم،
أكاد أراك من مقعدي على ضفة النهر، أراك وابتسامتك تملأ صدرك، فيما نتبادل التحايا والدعابات، وجناح مودتك يطوي الأبعاد لكي ينسدل على كل الأحباب.
فهنيئا لك بقلبك الكبير، بالعزيزة كريس، فأفراد أسرتك الأعزاء، بصداقتك الغامرة الدفء، وهنيئا لي بمحبتك المزهرة أبدا.
وألف سلة من سلامي إليك.
القاهرة: 29/6/1999
تعليقات