Atwasat

عام رابع على رحيل الموسوعي وهبي البوري

بنغازي - «بوابة الوسط»، محمد الأصفر الخميس 11 سبتمبر 2014, 06:03 مساء
WTV_Frequency

تمر هذه الأيام في صمت ذكرى رحيل الكاتب الليبي وهبي البوري 1916 – 2010 م، الذي قدّم للحراك الثقافي والسياسي والتاريخي والاجتماعي في ليبيا الكثير من الجهد المثمر الخلاق المؤسس لركائز نهضة حقيقية.

وتنوعت نشاطاته لتغطي أكثر من مجال معرفي مهم، فهو المناضل ضد الطليان من أجل حرية الوطن، وهو الوزير في إحدى حكومات ليبيا الحديثة تحت إمرة الملك إدريس السنوسي، وهو السياسي الدبلوماسي الذي مثل ليبيا في الأمم المتحدة وكذلك مثّل إيطاليا في أواخر الثلاثينات كقنصل لها في طنجة المغربية، عندما كانت تعيش ذروة حالاتها الكوزمبولية .

وهو الصحفي والإعلامي والمؤرخ والمترجم والقاص الذي يعتبر من رواد كتابة القصة القصيرة في ليبيا بنشره لقصصه «ليلة الزفاف» و«تبكيت الضمير» و«ميادين السباق» وغيرها في مجلة ليبيا المصورة العام 1936.

وتظهر مساهمته في تأريخ الأحداث السياسية والثقافية والاجتماعية التي عاشتها ليبيا إبان الاحتلال الإيطالي وبعده من خلال كتبه عن الطليان في ليبيا وعن بنغازي في عهد الاحتلال الإيطالي، والحرب العالمية الثانية من أهم الكتب ذات المصداقية حيث إن الكاتب وهبي البوري يعتبر شاهد عيان ومشارك وصانع للأحداث أكثر من مؤرخ نقب في الكتب وجمع بيانات.

من الكتب التي ألفها «البترول والعلاقات العربية الأفريقية»، و«بنك روما والتمهيد للغزو الإيطالي»، و«بنغازي في فترة الاستعمار الإيطالي»، و«مجتمع بنغازي في النصف الأول من القرن العشرين»، وآخر كتاب له أنهاه قبيل رحيله بقليل وهو غرفة العناية «عمر المختار وغرازياني أوحرب الواحد والعشرين شهرًا»، بالإضافة إلى كتابه السيروي الصادر بعد رحيله «سيرة حياتي» الذي يعتبر قطعة أدبية رفيعة المستوى.

من الأشياء الجميلة التي نلاحظها في كتابات البوري التاريخية، هو أسلوب الكتابة، حيث يتناول التاريخ بنفس سردي، فتتابع الأحداث بانسيابية، تشعرك أنك تقرأ نصًا روائيًا، خاصة عندما يركز على الجانب الإنساني فيمنح العدو حقه من الإشادة في الأشياء الجيدة التي أنجزها كما فعل مع المارشال بالبو الذي نقل مواشي غرب ليبيا عندما ضربه الجفاف في شاحنات إلى شرق ليبيا الخصب لترعى هناك حفاظًا على ثروة البلاد الحيوانية.

وفي الطريق الطويل بين طرابلس وبنغازي والجبل الأخضر حفر عدة آبار لتشرب منها الشياه ويستفيد منها الناس فيما بعد.

وأهمية د. وهبي البوري ككاتب ومؤرخ وقاص تكمن في ثقافته العالية وتمكنه من عدة لغات؛ خاصة الإيطالية، وجودة نصه من الناحية اللغوية والخيالية، حتى إن الروائي الليبي الشهير د. أحمد إبراهيم الفقيه ضمن قصص وهبي البوري كموضوع لدراسته في نيل درجة الدكتوراة من جامعة أدنبره. يقول د. أحمد إبراهيم الفقيه عن ذلك

: «قرأت قصص وهبي البوري فاندهشت للمستوى الراقي الذي كتبت به، واندهشت مرة ثانية لأنها لم تكن قصة أو اثتين، وإنما وجدته ينشر في ليبيا المصورة فوق عشر نصوص، وهو عدد من القصص يوازي العدد الموجود في أول مجموعة قصصية ليبية منشورة بعده بـ20 عامًا، أي «نفوس حائرة» لبوهروش، ثم إن مستواها لم يكن يقل إطلاقًا بل كان يواكب ويوازي في مستواه ما كان ينشره رواد القصة القصيرة في العالم العربي أمثال محمود تيمور ويحيى حقي وتوفيق الحكيم وغيرهم من كتاب الثلاثينات .

كانت القصص بالنسبة لي اكتشافًا، وكانت كنزًا لابد من إظهاره إلى الناس لتعرف الحركة الأدبية الليبية أن تاريخ كتابة القصة الليبية ذات المستوى الراقي في الشكل والمعالجة والمضمون يعود إلى بدايات القصة في مصر ومراكز حضرية في الوطن العربي ذات ثقل ثقافي مثل بيروت وبغداد ودمشق .

وانتظرت إلى حين اكتملت لدي القصص التي عثرت عليها في إطار إعدادي لأطروحة دكتوراة الدولة كي أقدمها لقسم الدراسات الشرقية في جامعة أدنبرة تحت إشراف أستاذي الذي رحل عن عالمنا فيما بعد الدكتور ماكدونالد».

آخر مرة التقيت بها بالأديب وهبي البوري، كانت العام 2010 قبل رحيله بشهور قليلة، داخل أروقة معرض الكتاب ببنغازي، حيث تم تكريمه، من قبل مثقفي المدينة، ورغم حالته الصحية السيئة، وعمره المديد، إلا أنه ككل مرة لبى دعوة محبيه، وجاء متكئًا على جهاز طبي معدني يساعده على المشي من السيارة إلى الكرسي .

داخل خيمة الندوة، كان حضوره وحديثه أهم نشاط في ذلك المعرض، بصره ضعيف، لكن ذاكرته متوقدة طرية، يعرفك من صوته، ويجيب عن سؤالك، وعندما تناقشه في مقطع أو حدث في أي كتاب له، يستحضر لك تفاصيل مهمة جدًا، تكمل رؤيتك وتثريها أكثر.

وستظل كتب البوري من الأصول الليبية الدسمة، التي سيلجأ إليها كل مبدع إن أراد مادة جيدة، يبني عليها عمله الفني، كما فعل إبراهيم الكوني مع كتاب الحوليات الليبية شارل فيرو ترجمة د. الوافي، لكونه مؤرخ وشاهد على العصر، أي أن تشرب من المصب، أفضل من أن يملؤ لك آخر كأس ليسقيك.

المزيد من بوابة الوسط

تعليقات

عناوين ذات صلة
«مئة عام من العزلة» لغارسيا ماركيز على منصة «نتفليكس» قريبا
«مئة عام من العزلة» لغارسيا ماركيز على منصة «نتفليكس» قريبا
جائزة «غونكور» في بلاد أورهان باموك تعكس استمرارية الفرنكوفونية في تركيا
جائزة «غونكور» في بلاد أورهان باموك تعكس استمرارية الفرنكوفونية ...
عميل سابق في الموساد كتب رواية مطابقة لهجوم حماس على إسرائيل قبل سنوات قلِق على المستقبل
عميل سابق في الموساد كتب رواية مطابقة لهجوم حماس على إسرائيل قبل ...
وفاة الفنان المصري القدير صلاح السعدني عن 81 عاما
وفاة الفنان المصري القدير صلاح السعدني عن 81 عاما
إطلاق طوابع بريدية خاصة بالمواقع التاريخية الليبية في قائمة «إيسيسكو»
إطلاق طوابع بريدية خاصة بالمواقع التاريخية الليبية في قائمة ...
المزيد
الاكثر تفضيلا في هذا القسم