Atwasat

السحاتي.. لغة الصمت والبحث عن نوافذ للضوء

طرابلس - بوابة الوسط: عبد السلام الفقهي السبت 25 سبتمبر 2021, 01:15 مساء
WTV_Frequency

يوثق الكاتب خالد السحاتي في مجموعته القصصية «شواطئ الغربة»، ومضات من سيرة إنسانية لمنفاها الداخلي، أو حيث تجهد في فهم عثورتها الأبدية واقتفاء أثر مسارب الخلاص من عذاباتها المتلاحقة.

وكذا كيف يمكن جعل مواقفنا الغامضة وأفكارنا المشوشة أكثر عرضة للتشريح والمساءلة.. ذلك جزء من حكاية لأقاصيص تكتنفها ومضات المجموعة تتجاذبها فيوض داخلية بين الوجد والحضور الإنساني العام مظللا بأنفاسه جسد السرد.

يتناوب صوت البطل بصيغة الراوي أو بفعله المباشر وعلى وقع نصي بضمير المخاطب والمتكلم تتلبس الحالة الاغترابية شخوص القصص ويغلب عليها الطابع الهروبي أو الاستسلام للواقع، كانعكاس لطقس حياتي تلفه النمطية والتكرار والوحدة، فتفر منه الى ذاكرتها، لذلك فهي ماضاوية، مكتفية بالصمت والاستماع الى موسيقاها السالفة تجسده عناوين «أطلال، رحيل، هروب، هجرة...».

نموذج مقاوم
لكن شواطئ الغربة برغم الإشارات السابقة لا تلتصق تفاصيلها بضعف مطلق، فنموذج المقاوم ربما يظهر في شخص الكاتب الذي يحاول امتصاص ضباب أوغباش الأجواء باللجوء إلى جوانيته بغية إيجاد صيغة لتفادي الوقوع في الوحل.. وحل العالم الفيزيائي، وربما ترتفع هذه اللغة في وجه «السكون» وتتحول في قصة «ضجيج الصمت» إلى فضاء ميتافيزيقي خالص أبطاله الصمت والزمن والسراب، لكأنما ذلك انتظار لرؤية جديدة تنتصر للمستقبل.

كما تنهض بعض نصوص «شواطئ الغربة» مثل «انتظار، طوابير، فرار، زخات» على استحضار الآني أو إحداث هزة في معادلة البناء النفسي للأفكار، فنلحظ نشوة عابرة من الفرح ومحاولة لإزاحة القتامة، صراع مع موجة الإحباط السائدة، وهي أشبه بإلقاء حجر في بركة السكون القاتل، إننا نبحث في الأقاصيص رغم طابعها الحزين عن إرهاصات للضوء والتقدم ولو بخطوات مترددة والصراخ أننا نقول الحقيقة وحسب.

إلا أن تلك الشحنة من الانفعالات المنتصرة للتجديد لا تلبث العودة إلى مدارها الأول، فهي مشدودة بقاموسها الجنائزي الأثير كلما توافرت ظروفه.

وتتشابك القصص في سياقها النفسي مع منحى تعبيري، لا يروم للمبالغة، لكنه يعبر بهذه الكثافة النصية إلى حيث تنجز حضورها بعيدًا عن الإيحاء بتأويل محدد، مقتفيًا شكلا أميبيا مربكا ومتواصل الحركة، هذه التسارع نحو صيرورة المتاهة، يتدفق متحديًا حالة الجمود كما يقول في نص انتقام: «لم يعد يطيق النظر إلى هذه الصورة، ولا البقاء أسير هذا العجز المدمر».

هكذا تنزع اللغة رواسب الزمن، وتعيد تشكيلها مرة أخرى الى نظم يحاكي مسوغات انصهارها وتقلبها وعنفوانها، تشدك إلى التفاصيل، وتقذف بك أيضًا إلى خارج دلالاتها، وفي مقابل ذلك تبقيك متأهبًا لتقبل أي اصطدامات قادمة، فهي تصف مجالًا واسعًا من الأحاسيس والانطباعات والعواطف الجياشة، فجسر التنهدات في الأقاصيص مخزون من المصارحات والمتناقضات المرحلة المسنودة بالوجع.

السحاتي.. لغة الصمت والبحث عن نوافذ للضوء

المزيد من بوابة الوسط

تعليقات

عناوين ذات صلة
متحف «متروبوليتان» في نيويورك يسلط الضوء على 4 آلاف عمل أفريقي في 2025
متحف «متروبوليتان» في نيويورك يسلط الضوء على 4 آلاف عمل أفريقي في...
الروك المستقل يهيمن على ثاني أيام «كوتشيلا»
الروك المستقل يهيمن على ثاني أيام «كوتشيلا»
شهادات كتَّاب ومثقفين عرب لـ«يورونيوز» عن حرب غزة
شهادات كتَّاب ومثقفين عرب لـ«يورونيوز» عن حرب غزة
بينها المصري «رفعت عيني للسماء».. 11 فيلماً في «أسبوع النقاد» ضمن مهرجان كان
بينها المصري «رفعت عيني للسماء».. 11 فيلماً في «أسبوع النقاد» ضمن...
سويسرا توفر ملاذاً آمناً لكنوز أثرية من غزة بعيداً من جحيم الحرب
سويسرا توفر ملاذاً آمناً لكنوز أثرية من غزة بعيداً من جحيم الحرب
المزيد
الاكثر تفضيلا في هذا القسم