تنظر إليك الغوريلا المتشبعة بالتفاصيل متحفزة منتظرة أوامر القفز من الإطار، ذلك نموذج من أشكال متأهبة عديدة تبرز منفردة أو تتراصف في صور مسلسلة «كوميكس» ينحتها رسام الكاريكاتور فتحي الرياني، خلال تجربته الحافلة في الصحف والمجلات انتهاءً بالتلفزيون.
يهيئ الرياني شخصياته الكاريكاتورية ويجعلها في وضعية الحركة وهو التماس لدخول عالم «الأنيميشن» وربما كانت أعماله في باقات رمضانية سالفة بروفة تتحضر لهذا الهدف، وهو احتراق واحتراف جاء تتويجًا لرحلة ثلاثة عقود من صراعه مع الريشة، التي بدأها سنة 1993 بمجلة الأمل مع قصة الأسد والفأر.
خطوط مشاكسة
تتجه لوحات الفنان إلى مضامين عديدة لكنها تتقاطع في خاصية الإرشاد، أو الاتجاه رأسًا إلى أس المشكل المجتمعي في شؤونه الصحية والتعليمية، وفتح نافدة على مفهوم العلاقة بين الفرد واللوائح المنظمة للحياة المدنية عبر المشاركة الكاريكاتورية في مؤسسات العمل الأهلي، وعلى طرف آخر تراقب المخيلة ملامح الإيقاع اليومي للحياة، واختماره حتى يتسرب خطوطًا تنتقد وتشاكس وتقتفي مواطن القصور.
يقول الرياني إن الفكرة بالنسبة له هي الأساس، تبدو الجملة معروفة وربما هي القاعدة التي ينطلق منها الكاريكاتوريون وغيرهم في فنون التشكيل، إلا أن النظر في مساحة اللوحة لديه يلمح أهمية هذه الإشارة خصوصًا في استثمار عناصر اللون والشخصية ومحيط المكان خدمة للفكرة التي تتفوق أحيانًا على باقي الاشتراطات المكونة للعمل.
وكما أن فرادة اللونين الأبيض والأسود في الرسم الساخر مردها مذاق عصارته الزمنية الحاوية في تركيبتها خلاصة مئات التجارب، إلا أن توشيحها بالألوان يبقى خيار الفنان وخصوصية مغامرته مع الشخوص والأفكار واحتياجات اللوحة بشكل عام، وهي منطلق رؤيتي للمشهد اللوني في خطوط الرياني الذي ينحو ربما لمزيد من الضبط الشكلي والرفع من جاذبيتها التقنية استعدادًا للوثوب من اللوحة إلى الشاشة أو من عالم الريشة إلى فضاء الأزرار.
السهل الممتنع
يسير الفنان كذلك في منطقة السهل الممتنع؛ إذ تطل علينا نماذجه بسيطة وطيّعة للانتقال من حالة لأخرى ما يجعلنا نراها أحيانًا تتجه لمربع التنميط، غير أن الصراع مع الأفكار العنصر الرئيس كما يعبر الرياني ينتج فيضًا أو حالة من القلق اللذيذ الذي يزيح ملمح الثبات ويذيب غراءه الكلسي كلما توافرت ظروف التصلب دافعًا في كل مرة أو جولة كاريكاتورية شبح التكرار إلى مدار خارج فلكه الخطي.
تلاحق نماذج فتحي الرياني الكاريكاتورية كما سبقت الإشارة عالم الرسوم المتحركة «الأنيميشن» متحدية ظرفها القاسي، وتُكوِّن مع مجموعة تجارب أخرى شكلًا من أشكال المواكبة الرقمية لهذه الصناعة التي بدت تفرض نفسها وبقوة، وإن كانت التجربة بسيطة فهي تسجل قاعدة أولية لاستثمار مستقبلي يطرق الأبواب ومغامرة فنية مطلوبة لنقل قوالبنا الكاريكاتورية من جدران الجاليري إلى فضاء الأقمار.
تعليقات