(الدق) أو الوشم هو غرز الإبرة في الجلد؛ حيث يرسم في الغالب وجوه وأيدي بعض النسوة العجائز، لينقش كرسم أو زخرفة على الجسد، وهو أمر شائع لدى الأسلاف في أرياف ليبيا وبواديها.
يعتبر الوشم فيما سبق وحتى الآن قيمة من القيم الثقافة الشعبية، أي التعاطي مع مفردات الوشم وعلاماته ورموزه تبعًا لأوجه القرابة الفنية بينه وبين الفنون الشعبية الأخرى، ولا سيما الزخرفية منها، كالسجاد والخزف والأرابسك والنمنمات وغيرها، وبذاك سننأى هنا عن الخوض في التباسات تحريم الوشم من منظورها الديني أو الاجتماعي، أي أن نقطة التحفز في محاولتي لمعرفة الوشم تبدأ من ملامسة أوجه الشبه بينه وبين الرسم من جهة، وبينه وبين الزخرفة كشريكين في أشكال وخطوط هندسية وكتابية وعناصر نباتية وحيوانية.
حيث تتسع مدونة الوشم لكثير من أحرف الكتابة والأرقام والعلامات الدينية إضافة إلى صور الطيور والحيوانات، وهي كلغة تنطوي على قيم تراثية وشعبية في إشراك الجسد ضمن لعبة الكتابة والرسم.
تلتبس الوسائط المستخدمة لدرجة يصعب معها تحديد هوية الوسيط، ولاسيما أن الجسد هنا ليس ورقة رسم أو خشبًا أو حجارة أو قطعة سجاد، إذن ثمة قسوة ما في هذه العلاقة، وأعني هنا عملية الوشم في حد ذاتها، وما تتطلبه من أدوات كالإبر والمغارز ومادة خام تتكون غالبًا من مساحيق الكحل وغيرها من المواد البدائية.
وأن مراحل الرسم التي يطلق عليها شعبيًا تسمية (الدق) أي غرز الإبرة في الجلد، وما يصحب ذلك من ألم ونزيف للدم، تقتضي مهابة خاصة، بحيث لا يليق بنا توصيفها بالقدر نفسه الذي ينطبق على نقش الحجر أو زخرفة الخزف والنسيج .
فالمسألة برمتها أكثر تعقيدًا، حين يدخل الجسد في قيادة هذه اللعبة بكل ما تحتمله أبعادها من سياقات رمزية شديدة الغور فيما هو ميتافيزيقي، وأن الوظيفة التزيينية على الرغم من وجودها بالنسبة لوشم وجه المرأة، وأيضًا بالنسبة للرجل الذي يقتصر الوشم غالبًا على ظاهر يده أو ساعده، لا تزيح غموض هذه اللعبة التي عرفها الإنسان منذ القدم.
تعليقات