Atwasat

إبراهيم الكوني: أنا في سباق مع الزمن لكي أنزف كما ينبغي

القاهرة - بوابة الوسط: محمود الغول الثلاثاء 13 أبريل 2021, 12:00 مساء
WTV_Frequency

استضاف برنامج «بلا قيود»، المذاع عبر «بي بي سي نيوز عربي»، الأديب الليبي العالمي، إبراهيم الكوني، الذي تحدث عن الصحراء والميثولوجيا والمرأة والواقع الليبي.

في البداية، أشارت مقدمة البرنامج إلى عمل الكوني بالصحافة في ليبيا، قبل أن يلتحق بمعهد جوركي في موسكو 1970، وأنه ألف أكثر من 90 عملًا أدبيًّا في الرواية والنقد والفلسفة، وحاز عديد الجوائز العالمية والعربية، كما أن مجلة «لير» الفرنسية العام 2005، اختارته ضمن أهم 50 روائيًّا عالميًّا لأدب القرن الحادي والعشرين، وتُرجمت أعماله لأكثر من 40 لغة.

لنبدأ بمسألة الصحراء وهذه التيمة التي تميز كتاباتك.. ما سر انحيازك لهذه المقاربة؟
لا أعتقد أن هذا انحياز، بل هو انحياز لقانون الرواية.. ثمة ثلاث مسائل يجب مراعاتها للإجابة عن هذا السؤال، أولًا أنا لا أنحاز إلى الصحراء بوصفها صحراء بل لأنها وطني وواقعي والمكان الذي يسكنني، وهي الوصية الأولى في أي عمل روائي (اكتب عما تعرف).

ثانيًا، مسألة الصحراء استجابة لإملاء يقول إن الواقع الصحراوي واقع ليس واقعيًّا، بل ميثولوجي لعدة أسباب أحدها أنه يحيا أيضًا زمنًا ميثولوجيًّا لأن الإنسان العابر في طبيعة تتنكر لهوية الطبيعة لا بد أن يكتسب منزلة أخرى في معادلة الوجود، وهي التحرر من الواقع الحرفي وواقع الزمن الميثولوجي.. لهذا السبب إنسان الصحراء يلبي حاجة ميثولوجية لأن الحرية أيضًا بعد ميثولوجي.. الصحراء رديف الحرية والحرية هي رديف للحد الأقصى من لعبة الوجود أي رديف للموت.. ولهذا السبب أعمالي تلبية لهذين النداءين، بالإضافة إلى أن الأسطرة هي أحد أهم قوانين العمل الروائي وهو ما يغيب عن كثيرين. غاية الإبداع كما يقول أرسطو هي الحجة الميثالوجية هي المخول والناطق باسم الوجود في بعده الديني.

في نهاية المطاف العمل الإبداعي عمل ديني.. ما دامت شروط العمل الإبداعي هي شروط ميثولوجية فإنه يصبح دينيًّا لأن الميثولوجيا دين.. أسئلة الوجود الكبرى كلها دينية (الله - الإنسان) كل هذه الأحاجي دينية ومن لم يعلم ذلك فهو يكتب تقريرًا وليس رواية.

هناك مَن يرى في أعمالك دفاعًا عن الطوارق باعتبارهم أقلية سياسية وثقافية في هذه المنطقة في العالم.. هل هذا مقصود؟
شرط العمل الإبداعي هو الانتماء إلى واقع ما، حتى لو لم يكن واقعيًّا، فهو واقع متخيل، فكل مبدع يحاول أن يصنع حدود الواقع الذي سيتحرك فيه، ويحاول أن يقول كلمته من خلاله، هذا الواقع ورثته عن أسلافي وهو ليس فقط ميثولوجيًّا، لكنه أيضًا انتماء هوية، هذه ثقافة عريقة تنتمي إلى أقدم ثقافات العالم.. ومسألة الهوية هي في الأصل إنسانية بالدرجة الأولى، هل هو عمل إنساني أم حرفي؟ هو عمل يتحدث عن الإنسانية من خلال أمة بعينها يتحدث عن واقع وجودي إنساني شامل من خلال واقع محدد هو الصحراء الكبرى، وهو واقع له تقاليده ورؤيته.. الإنسان لغز بالسليقة سواء أكان صحراويًّا أم عمرانيًّا.. لكن الرواية تحتاج إلى ملامح يحددها واقع ما، لكن بشكل عام فإن الأسئلة الكبرى التي تطرحها من خلال هذا العمل يجب أن تكون شمولية.

مَن الكتاب والمبدعون «جيرانك» الذين هم على مقربة من إبراهيم الكوني؟
أنا أنتمي إلى كل ثقافات العالم.. أنا أنتمي لأساطير الطوارق ومصر القديمة وبلاد بين النهرين واليونان والهند وشكسبير ودانتي وفوكنر وكافكا وماركيز.. لمَ لا أستوعب كل هؤلاء لكي أستعين بهم في التقنية وليس من باب التقليد والانبهار، فقضيتنا مشتركة وهي قضية الإنسانية الكبرى.

أنت من أغزر وأسرع الكتاب إنتاجًا، كتبت دررًا مثلًا «نزيف الحجر» و«التبر» في أقل من شهر.. ما الرافد الأساسي للإبداع لديك؟
ببساطة، الموت.. أنا ممكن أن أموت في أي لحظة.. أنا لم أولد في هذا الواقع الصحراوي (واقع الطوارق) بالذات عبثًا، ولم توجد هذه الأمة المنسية المظلومة عبر آلاف السنين عبثًا، إذًا أنا مسؤول وهي ليست مسؤولية أخلاقية، فقط بل وجودية والخصم دوما الموت، لدي صفقة مع القدر لكنه لن يمهلني، لا أستطيع أن أضمن أن أحيا لحظة واحدة.. الإحساس بالعدم أهم محرك للإبداع.

قلت إن الكتابة تصفية حساب ووصفتها بمفردات أخرى مثل التحرر والخلاص والتطهر.. هل لك أن تشرح أكثر؟
نزيف الروح أقسى من نزيف الدم، لذلك أنا في سباق مع الزمن لكي أنزف كما ينبغي، أستطيع أن أتحرر كما ينبغي.. الزمن خصمي وفي نفس الوقت صديقي إذا أمهلني.

هناك مَن يضعك في نفس المنطقة الأدبية مع ماركيز.. وهناك مَن يتحدث عن فريدريك بول بولز.. هل النقاد الغربيون اهتموا بك واحتفوا بك أكثر من النقاد العرب؟
بل فهموني أكثر في الواقع، وذلك لأن الأسئلة الإنسانية التي أطرحها رسالة قابلة لأن تنمو في أفق متسامح مثل الغرب، في حين أن واقعنا العربي فيه أحكام مسبقة وأيديولوجيات محددة تعيق النقد وتلقي الإبداع عمومًا.

هل يعتقد الكوني أن طبيعة الإنسان شريرة؟
بطبيعة الحال، الطبيعة في الإنسان تميل إلى أن تجعله شريرًا... الإنسان في حاجة إلى أن ينازع لكي يبقى على قيد الحياة.. ومع ذلك لا يمكن أن نحكم على الإنسان مطلقًا بأنه شرير، بالعكس يجب أن نثق في أن هذا الإنسان يمكن أن يكون خيرًا.. لدينا صفقة في هذا الوجود، أنا طرف والآخر طرف، لابد أن ننتهي إلى تسوية لبناء هذه العلاقة لكي تكون جمالية وحقيقية.

ما موقع المرأة في روايات إبراهيم الكوني؟
موقع متفوق، فهي تتفوق في رواياتي؛ لأنني أنتمي إلى مجتمع الطوارق والمرأة فيه (معبودة) حرفيًّا هي معبودة.. ولهذا فإن الطوارق من المِلل التي تنتسب إلى الأم كالعبرانيين وقدماء المصريين، لكن عندما أتناول المرأة تتغطى النزعة الزهدية فيكون الموقف منها دينيًّا، وهو موقف قاسٍ على نحو ما باعتبارها رمزًا للخطيئة الأولى.. المرأة كإغواء حيث ينهض شبح المرأة كإغواء وأنا في حياتي كلها أحاول مقاومة الإغواء، أي إغواء ليس الحسي فقط وإنما الإغواء الجمالي والوجودي.. الإغواء دومًا ضلال.. كل ما يحاول أن يعيقني في علاقتي مع الرب، مع المثال، يجب أن يزاح، أريد علاقة مباشرة مع العالم الماورائي، والمرأة دومًا عائق بطبيعة الحال ليس فقط لأنها إغواء لكن لأن هذه طبيعتها. هي خلقت لكي تنفذ مشيئة الطبيعة، والطبيعة تغريب للروح وهنا يبدأ الصدام.. المرأة تريد الولد وهنا هي تغوي لأنها تريد لنوع الطبيعة أن يستمر، في حين أنا أراهن على مديح الروح على مجد الروح.. هنا بطبيعة الحال لا بد أن يحدث الصدام.. في الرواية أنا أقف على الحياد، ولهذا تنتصر المرأة على عقليتي كإنسان يحاول أن يتطهر لكي يجد له حضورًا في الروح.

ترى أن الإنسان العربي هو واقع رهن الأيديولوجيا، أيًّا كان نوعها سواء كانت سياسية أو عنصرية أو دينية، إلا مَن رحم ربي.. هل لك أن تشرح لنا أكثر كيف أن ثقافة كاملة لديها هذه المشكلة؟
مجرد نظرة إلى تاريخنا الحديث أو واقعنا الحالي ستجدين الجواب، مَن استطاع أن يخرب العالم العربي في زمن قصير؟ الأيديولوجيات.. كل مآسينا التي نعيشها الآن أتت من هذه الأيديولوجيات، نحن للأسف الشديد اعتنقنا التعصب من خلال الأيديولوجيات.. الإنسان المؤدلج مريض يحتاج إلى العلاج.. نحن نحيا جحيمًا بسبب الأيديولوجيات.

ما يحدث في ليبيا.. لديك تصريح في ما يخص ليبيا قلت إن التجربة برهنت على وجود أنظمة شمولية كثيرة أفضل من أنظمة ديمقراطية كثيرة كما دللت رواية «ذاك حقل واسع»، التي فازت بجائزة «نوبل».. كيف ترى ذلك؟
ما جرى في ليبيا جرى في كل العالم العربي والعالم كله، سأسألك سؤالًا، دليني على ثورة واحدة في التاريخ أتت إلى العالم بالخير. نحن الآن نعيش عصر ديكتاتورية الديمقراطية، وما يحدث في أميركا خير دليل.. ثالثًا الحكمة تقول إنه من الحمق استبدال واقع سياسي أو اجتماعي سيئ بواقع محتمل بحيث نسفح الدم لكي نحقق هذه النتيجة.. ما حدث في العالم العربي أسوأ من ذلك، وليبيا بالذات في سبيل واقع سياسي سيئ، نحن لم نأتِ بواقع محتمل فقط ونزفنا دماء بل ذهبنا وأتينا بواقع أسوأ وصرفنا دماءً لا أول لها ولا آخر.. هذا يعني أن التغيير الذي يأتي من الخارج دائمًا تغيير مزيف. التغيير يجب أن يأتي من الداخل، إذا لم يغير الإنسان من نفسه كما تقول الآية العظيمة «لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم».. إذا حاولت أن تغير العالم سينتصر عليك العالم.. تغيير ما بالنفس هو الحقيقة.

كلمات مفتاحية

المزيد من بوابة الوسط

تعليقات

عناوين ذات صلة
فرقة روك روسية معارضة تعود إلى الحفلات بعد توقيف أعضائها في تايلاند
فرقة روك روسية معارضة تعود إلى الحفلات بعد توقيف أعضائها في ...
وفاة المغني البريطاني ستيف هارلي عن 73 عامًا
وفاة المغني البريطاني ستيف هارلي عن 73 عامًا
شاهد: علي احميده ضيف أولى حلقات الموسم الخامس من برنامح «مع فدوى»
شاهد: علي احميده ضيف أولى حلقات الموسم الخامس من برنامح «مع فدوى»
موسيقى التكنو في برلين على لائحة التراث الثقافي غير المادي
موسيقى التكنو في برلين على لائحة التراث الثقافي غير المادي
المخدرات والبطالة وغسيل الأموال محور الدراما العراقية في رمضان
المخدرات والبطالة وغسيل الأموال محور الدراما العراقية في رمضان
المزيد
الاكثر تفضيلا في هذا القسم