Atwasat

كيف دمرت الحرب كنوز سورية الأثرية الفريدة؟

القاهرة - بوابة الوسط الثلاثاء 09 مارس 2021, 12:40 مساء
WTV_Frequency

تسببت عشر سنوات من الحرب في تدمير معالم أثرية سورية عريقة، وقضت على تراث رمزي ثمين من دون رجعة، في هذا البلد الذي يعاني أبناؤه ويلات لا تنتهي.

في سورية، تركت حضارات عدة، من الكنعانيين إلى الأمويين، مرورا باليونانيين والرومان والبيزنطيين، تراثا شاهدا عليها، وكانت البلاد تفخر بمواقعها الأثرية في تدمر وحلب وإدلب ودرعا ودمشق والرقة وغيرها، وفق «فرانس برس».

وقد يكون النزاع الذي اندلع في سورية في مارس 2011 أنتج الكارثة الإنسانية الأسوأ خلال القرن الماضي، لكن الهمجية التي ضربت التراث الثقافي أسوأ ما مر أيضا على أجيال كثيرة.

خلال سنوات قليلة، تحولت مدن قديمة إلى ساحات قتال واستحالت الأسواق الأثرية دمارا، ونهبت قطع من مواقع أثرية أو متاحف كانت تحفظ بين جدرانها روايات من التاريخ.

في إحدى قاعات متحف تدمر العريق في وسط البادية السورية، يستذكر مدير المتحف منذ 20 عاما خليل حريري معاناته مع فريقه لإنقاذ ما أمكن من قطع أثرية قبل وقوعها، كما كنوز أخرى في تدمر، في أيدي تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) الذي استولى على المنطقة في العام 2015.

ويقول حريري (60 عاما): «مرت علي أيام صعبة جدا، حوصرنا مرات عدة داخل المتحف».

ويروي كيف ترك عائلته لنقل قطع أثرية إلى «مكان آمن خارج تدمر»، مستعيدا لحظة عودته إلى المدينة بعد سيطرة الجيش السوري عليها.

ويقول: «يوم خروجي من تدمر كان صعبا (...)، لكن اليوم الأصعب في حياتي كان يوم عودتي إليها ورؤيتي الآثار محطمة والمتحف مخربا».

ويضيف: «كسروا وحطموا كل وجوه التماثيل التي بقيت في المتحف ولم نتمكن من إنقاذها»، مشيرا إلى أن «بعض التماثيل يمكن ترميمه لكن البعض الآخر تفتت» تماما.

جحيم وإعدامات
ويعود تاريخ مدينة تدمر المعروفة بـ«لؤلؤة الصحراء» أو «عروس البادية»، إلى أكثر من ألفي عام، وهي مدرجة على قائمة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو) للتراث العالمي الإنساني.

في العام 129، منح الإمبراطور الروماني، أدريان، تدمر وضع «المدينة الحرة»، وعرفت آنذاك باسمه «أدريانا بالميرا»، وعاشت عصرها الذهبي في القرن الثاني بعد الميلاد.

ثم عرفت المدينة أوج ازدهارها في القرن الثالث في ظل حكم الملكة زنوبيا، التي تحدت الإمبراطورية الرومانية.

لكن وحشية تنظيم داعش خربت المدينة، فدمر «الجهاديون» تمثال أسد أثينا الشهير ومعبدي بعل شمين وبل بالمتفجرات، كما قضوا على عدد من المدافن البرجية، وحولوا قوس النصر الشهير إلى رماد.

ولم تقتصر آثام التنظيم على تدمير آثار المدينة فحسب، إذ ارتكب عناصره أشنع جرائمهم فيها. واستخدموا المسرح الروماني لتنفيذ عمليات إعدام جماعية بثوا صور بعضها عبر أدواتهم الدعائية.

وبعد أيام قليلة من سيطرتهم على تدمر، أعدم الجهاديون مدير الآثار السابق للمتاحف في المدينة خالد الأسعد (82 عاما) بقطع رأسه وتعليقه على عمود كهرباء في ساحة المدينة، بعدما عذبوه، محاولين أن يعرفوا مكان القطع الأثرية التي تم إنقاذها.

ويعد التخريب والدمار اللذان لحقا بتدمر من أبرز الخسائر التي تكبدها التراث السوري ولا يمكن تعويضها، فيما لم يستثن النزاع منطقة من البلاد.

ويقول جاستين ماروزي، المؤلف والمؤرخ الذي كتب عن المنطقة وتراثها: «بكلمتين، إنها كارثة ثقافية».

ويذكر هذا الدمار الذي لحق بالآثار السورية في العقد الأخير بعصر آخر، عندما تسببت الإمبراطورية المغولية التي أسسها جنكيز خان، بمجازر مماثلة.

ويوضح ماروزي، مؤلف كتاب «الإمبراطوريات الإسلامية: خمس عشرة مدينة تعرف الحضارة»: «عندما يتعلق الأمر بسورية والشرق الأوسط على وجه الخصوص، لا يسعني إلا التفكير على الفور بتيمور، أو تيمورلنك الذي تسبب بجحيم هنا العام 1400».

ويجر الكلام عن الفاتح المغولي إلى مصير حلب، المدينة التي كانت تعد العاصمة الاقتصادية قبل النزاع وتضم إحدى أفضل المدن القديمة المصنفة جزءا من التراث العالمي.

وإذا كان تيمورلنك أمر بذبح الآلاف من سكان حلب لدى غزوها قبل ستة قرون، إلا أن الدمار الذي حل بها خلال العقد الأخير لم يكن صنيعة غزاة خارجيين.

أيام صعبة
خلال توليه مهامه مديرا عاما للآثار والمتاحف، عاصر مأمون عبدالكريم (54 عاما) السنوات الأكثر قسوة على آثار سورية بين 2012 و2016.

ويقول من متحف دمشق، بينما يقف قرب تمثال أسد اللات الذي أعيد ترميمه بعد تهشيمه في تدمر: «منذ نحو ألفي سنة، لم يمر في تاريخ سورية أسوأ مما مر خلال فترة الحرب».

ويضيف: «إنها حالة شمولية من الدمار، لا نتحدث عن زلزال في منطقة معينة أو حريق في مكان معين أو حرب في مدينة معينة، نتحدث عن الجغرافيا السورية بأكملها».

وتعد حلب واحدة من أقدم المدن المأهولة بالسكان لفترة متواصلة في العالم. إلا أن الحصار المحكم الذي لحق بأحيائها الشرقية التي بقيت لسنوات تحت سيطرة الفصائل المعارضة وما تبعه من معارك وقصف، عاث فيها دمارا.

واستفادت القوات الحكومية خلال هجوم شنته لاستعادة سيطرتها على كامل المدينة من دعم قدمه سلاح الجو الروسي، مكنها من السيطرة عليها نهاية العام 2016.

ويتذكر عبدالكريم: «هناك أيام صعبة لا يمكن نسيانها، كيوم سقوط مئذنة الجامع الأموي في حلب، ويوم احتراق الأسواق العريقة فيها».

وبخلاف «التراث المنقول» ومقتنيات المتاحف، تعرضت المواقع الثابتة لأضرار كبيرة، خصوصا المدينة القديمة في كل من حلب وتدمر.

ويقدر عبدالكريم نسبة ما تضرر بقرابة «عشرة في المئة من الآثار، وهي نسبة كبيرة في بلد يزخر بمعالمه وغني بالمواقع التاريخية».

دمار ونهب
وذكر تقرير نشرته مؤسسة جيردا هنكل والجمعية السورية لحماية الآثار ومقرها باريس، العام الماضي، أن أكثر من 40 ألف قطعة أثرية نهبت من المتاحف والمواقع الأثرية منذ بداية الحرب.

ونتج عن تهريب الآثار خلال سنوات الحرب عائدات بملايين الدولارات استفاد منها تنظيم داعش وفصائل مقاتلة صغيرة، أو مجموعات تابعة للقوات الحكومية فضلا عن شبكات تهريب وأفراد أقل تنظيما.

وأنشأ التنظيم قسما خاصا تولى تنظيم أعمال التنقيب في المواقع الأثرية في مناطق سيطرته.

وأتاحت الفوضى التي غرقت بها سورية في ذروة الحرب بتهريب قطع أثرية يمكن نقلها، كالعملات المعدنية والتماثيل وقطع فسيفساء، إلى أنحاء العالم مع انتعاش سوق سوداء للآثار. وبينما تبذل جهود للحد من التجارة غير المشروعة، وتمت في بعض الحالات إعادة قطع مسروقة إلى سورية والعراق المجاور، فإن الخسائر تبقى هائلة.

وترتب هذه الخسائر مخاطر اقتصادية كبيرة على مستقبل سورية التي تمتلك ثروة من المعالم الأثرية كانت عامل جذب في قطاع السياحة الذي لم يبلغ طاقته القصوى رغم إمكاناته الهائلة.

وفي سورية ستة مواقع مدرجة على قائمة منظمة يونسكو للتراث العالمي، لم يبق أي منها بمنأى عن أضرار الحرب.

هجرة البعثات الأجنبية
إلى جانب المدينتين القديمتين في تدمر وحلب، تعرضت دمشق القديمة ومدينة بصرى (درعا، جنوب) لبعض الأضرار. وشهدت قلعة الحصن (حمص، وسط)، التي تعد من أهم القلاع الصليبية الأثرية في العالم، معارك ضارية، وهو ما جرى أيضا في بعض القرى القديمة التي تعرف بـ«المنسية» قرب الحدود التركية شمالا.

ولحق دمار كبير بمواقع رئيسية أخرى، وفق ما يشرح عبدالكريم، أبرزها في مدينة أفاميا (وسط) التاريخية التي تعود للحقبة الرومانية جراء عمليات نهب وتنقيب غير قانونية طالت آلاف المواقع.

وفي ذروة مجدها، شكلت تدمر رمزا لتقاطع حضارات، وكانت إحدى محطات طريق الحرير التي ربطت بلاد فارس بالهند والصين والإمبراطورية الرومانية. وتداخلت في عمارتها الأنماط الرومانية واليونانية مع تلك المعروفة في بلاد فارس وآسيا الوسطى.

ويصف المدير العام الحالي للمتاحف والآثار محمد نظير عوض ما تعرض له تراث سورية بـ«كارثة على المستويين الوطني والعالمي».

ويبدي أسفه لغياب بعثات الآثار الأجنبية عن سورية منذ بداية الحرب، بعد أن شكل البلد «فردوسا» لعلماء الآثار.

وكانت «150 بعثة وطنية وأجنبية» تعمل العام 2009 بإدارة علماء آثار كبار بينهم الإيطالي باولو ماتييه، لم يبق منها سوى البعثة المجرية العاملة في سورية منذ العام 2000. وتواصل هذه البعثة، وفق عوض، القدوم إلى سورية «بين الحين والآخر، وأسهمت في الكثير من أعمال الترميم في قلعتي المرقب والحصن».

ويقول ماروزي: «على كل منا أن يولي أهمية لتدمير التراث السوري، لأن هذه المواقع والمدن والآثار القديمة، فضلا عن كونها سورية وعربية، تشكل جزءا من تراثنا الثقافي المشترك».

المزيد من بوابة الوسط

تعليقات

عناوين ذات صلة
نجاح المسلسل يعزز مبيعات سلسلة ألعاب «فولاوت»
نجاح المسلسل يعزز مبيعات سلسلة ألعاب «فولاوت»
إحياء الذكرى الخمسين لوفاة الأديب الفرنسي مارسيل بانيول
إحياء الذكرى الخمسين لوفاة الأديب الفرنسي مارسيل بانيول
شاهد: «الدراما الرمضانية.. تحدي التجديد، فهل من جديد؟»
شاهد: «الدراما الرمضانية.. تحدي التجديد، فهل من جديد؟»
تحضيرات مكثفة للدورة الثالثة لمعرض بنغازي الدولي للكتاب
تحضيرات مكثفة للدورة الثالثة لمعرض بنغازي الدولي للكتاب
بوشناف: الفن مرآة المجتمع
بوشناف: الفن مرآة المجتمع
المزيد
الاكثر تفضيلا في هذا القسم