صالح الأبيض ( 1964- 2019/10/19)
« صُم صيام موّدِع، فربّما يكونُ رمَضانَكَ الأخير..».. فيما كنتُ أبحثُ عن معلومات عن الفنان صالج الأبيض في صفحته الشخصية، توقفتُ أمام هذا الإدراج الذي لم أجد، لا قبله ولا بعده أيةُ كلمات أو أدعية رمضانية. قلت في نفسي لعله إحساسُه بالرحيل المبكر كان وراء هذا الكلمات، التي كتبها. خلال رمضانه الأخير.
لم أقابله وجها لوجه من قبل، على الرغم من متابعتي لمسيرته الفنية من بدايتها، فلقد انتبهتُ مبكرا لحجم مقدرته على النقد والإضحاك، ولذلك أجلتُ سفري من بنغازي يوما لأحضر افتتاحَ مسرحيته «كوشي يا كوشة» لأكتب عنها وعنه قائلا: « في تقديري أنه تفوق على ممثلين كبار في القيام بدور كفيف، من خلال بحثه عن طاقيته التي وقعت منه، والتي عرفتُ، منه أثناء الشهر المبارك الذي قضيناه معا، أن سقوطها كان عفويا، وأيضا طريقةَ بحثه عنها، فلقد كان يمسح الأرض بكفه مثلما يبحث بصيرا عن شيء وقع منه». ولم يخب ظنُ متابعيه فيما قدمه لنا من شخصيات متنوعة.
خلال ذلك الشهر المبارك، الذي سبق رحيله والذي قضيناه معه، نحن مجموعة «الوسط»، رفقة نجليه محمد وحمزة، بسبب علاجه المستمر، لم يخلُ صالونُه الفسيح من أصدقائه المقيمين في القاهرة، وأيضا من عديدين، منهم من جاء من ليبيا خصيصا للاطمئنان عنه. وانتبهتُ أن الله منحه روحا مرحة وشخصية لا يستطيع المرء إلاّ أن يحبها ويحترمها، شخصية خلقها الله بتوليفة أخصه بها، فإضافة إلى البهجة والمرح اللذين يحفان به، وهو يعاني المرض؛ لم تغب إنسانيته ومحبته ليس لأسرته وذويه فقط، بل للبسطاء، والمحتاجين، ناهيك عن التزام أخلاقي وديني.
إنه من مواليد 1964 وإن كانت أحد المصادر تقول إنه من مواليد 1959 وإن بدايته كانت مع المهرجان المدرسي، بمسرحية «القاضي بوسعديه». انتقال من كلية العلوم إلى كلية اللغة العربية، لأنه كان يتطلع أن يكون كاتبا. بداياته كانت العام 1985 من خلال المدرسة الثانوية، حيث فاز بدور الممثل الأول في مهرجان المسرح المدرسي على مستوى ليبيا، لتبدأ رحلته في المسرح من خلال الاشتراك في أربعة عروض مسرحية وبأدوار رئيسية رغم صغر سنه وقتها.
عام 1982 اختارله الممثل الكوميدي ميلود العمروني، صالح الأبيض اسما فنيا، وانطلقت مشاركته في العديد من المسرحيات. ثم توقفتُ تسع سنوات، ولكنه عاد بعد ذلك للمسرح وأيضا للإذاعة والتلفزيون، وقدم العديد من المسرحيات، والمسلسلات.
غير أن النجاح المدوي حققته مسرحية «كوشي يا كوشة» سنة 2005 جعل الليبيين كافة، يتفقون على محبته واحترامه. رحم الله صالح الأبيض صنع لنا البسمة ورحل عنا مثل نسمة صيف لا نذكرها إلا بالخير. والجدير بالذكر أنه يكتب أو يشارك في كتابة معظم نصوصه، وأيضا بعضَها من إخراجه.
في مثل هذا اليوم 19/10/2019 من السنة الماضية رحل عنا، من تونس، بعد صراع طويل مع المرض، فلقد كان يعانى من الفشل الكلوي واضطر بسببه لإجراء جراحة زرع كلية في الصين مؤخرا. وفي يوم 21/10/2019 وسدته، في جنازة مهيبة، جماهير بنغازي ثرها.
تعليقات