Atwasat

الهادي البكوش يكتب: أبي كما عرفته.. «الزعيمان» بين الدراما وكتابة التاريخ

القاهرة - بوابة الوسط السبت 16 مايو 2020, 12:22 مساء
WTV_Frequency

يقع مسلسل «الزعيمان» في 18 حلقة يتحدث عن بعض صفحات من تاريخ الجهاد الليبي.. للمجاهد سليمان باشا الباروني والمجاهد بشير السعداوي.

من الطبيعي عندما نريد أن نتكلم عن عمل درامي أن نشاهده بالكامل حتى نستطيع أن نقدم نقدنا على العمل، فالناقد المتخصص قطعا سيضيف لأسرة العمل ويضع أصبعه على نقاط الضعف بالعمل، وهذا شيء إيجابي يرحب به كل صناع مهنة الدراما.. فالناقد المتخصص يختلف عن صاحب الرأي أو المشاهد العادي، الذي يقول من حقي أن أنتقد العمل.. نقول للمشاهد العادي نعم من حقك أن تقول رأيك ولكن هذا لا يدخل ضمن النقد المهني فهو مجرد رأي خاص.

ومن خلال مشاهدتي للعمل وقراءتي أغلب ما كتب عنه وحتى قبل أن يعرض، تأكد لي بما للعمل الفني من تأثير كبير ومهم في صناعة الرأي العام، كما تأكد لي أن أي عمل ناجح أو نقول عمل مهم سيجد اهتماما من المشاهدين والنقاد وسيخلق جدلا كبيرا بينهم، وهذا في حد ذاته نجاح للعمل.

طالع: البكوش و«إنتاج الدراما» في ضيافة صالون «الكون»

الغريب في مسلسل «الزعيمان» أنه لاقى انتقادا قبل حتى أن يعرض وأثناء عرض الحلقتين الأولى والثانية، أي قبل حتى أن تظهر الصورة العامة للمسلسل كما شمل الانتقاد للكثيرين من لم يشاهدوه أصلا، أي أصبح الانتقاد هنا مع سبق الإصرار والترصد، مع احترامنا لآراء كل المشاهدين إلا أن للنقد متخصصين، وما يكتب على صفحات فيسبوك ومن أول حلقة ما هو إلا رأي شخصي لمشاهد حاول أن يتصيد أي خطأ وخرج بصفحته يهلل بانتصاره واكتشافه للخطأ.

أضف إلى ذلك بعض النشطاء المسيسين بأيديولوجيات سياسية أو توجهات، نحن كفنانين لا نعيرها اهتماماتنا، ولا تدخل أفكارهم ضمن الصناعة الدرامية ولن يؤثروا في حركتها واستمرارها.

ولنتكلم عن المسلسل من ناحية ما يسمى بالنقد البناء سواء كان إيجابيا أو سلبيا.

أولا النص: وهو أول ما لاقى انتقادا سواء من متخصصي التاريخ أو ممن يحسبون على طرف آخر، الكثيرون منهم تكلموا عن «تزوير التاريخ» وهذا يجعلنا نأخذ هذه الكلمة بالمعنى الحقيقي لها وهي «التزوير».

أريد أن أنوه هنا بين الخطأ والتزوير، فأن يقع مخرج ما في خطأ وارد جدا أما أن يقوم بتزوير فأقول لهؤلاء إن الدراما لا تزور التاريخ ولا تكتبه.. الدراما تحول الأحداث التاريخية إلى صورة ومشاهد مجسدة، وكاتب الدراما ليس ككاتب التاريخ أو المؤرخ، كاتب الدراما يحاول أن يبني الشخصية المذكورة بالرواية ويكتب لها حوارها وشكلها التعليمي والاجتماعي وشكل تصرفاتها، كل هذا من خلال وصف لهذه الشخصية تناثرت في بعض الكتب هنا وهناك.

طالع: الهادي البكوش يكتب: الدراما التلفزيونة.. سلاح الغد الناعم

في مسلسل «صقر قريش» أوجد لنا الدكتور وليد سيف شخصية لم يذكرها التاريخ وهي شخصية «بدر» الخادم، ودور بدر في الأحداث طوال المسلسل، كما نوه الدكتور وليد سيف في أحد لقاءاته مع أحد الصحفيين، سأله عن نشيد «طلع البدر علينا» وهل أضاف من شعره للعمل في مسلسل عمر بن الخطاب؟ فقال الدكتور وليد إن الرواية الخاصة بأنشودة «طلع البدر علينا» بمجملها لم تصح ولا يوجد شيء تاريخي يؤكدها ولا أصل لها في تاريخ الرسالة، وأنها من أفكار وابتداع المؤرخين، كما استدل الدكتور وليد بجملة «جئت شرفت المدينة» وفي الحقيقة عند دخول رسول الله إليها لم تكن تسمى بالمدينة بل كانت تسمى بيثرب وسميت بالمدينة فيما بعد.

من هنا نرى أن الدراما تجسد الصورة من خلال رؤية خاصة بكاتبها الذي يختلف تماما عن كاتب التاريخ أو الموثق. وأنا أريد أن أستدل هنا بأن أحد النقاد قال إن الباروني وجد في باريس سنة 22 وليس سنة 20 وهل الخطأ الرقمي نعتبره تزويرا.. هذا لا يعتبر تزويرا ربما نحسبه خطأ، ولكن المضمون هو وجود الباروني بباريس وهذا مؤكد تاريخيا. لست بمؤرخ حتى أفند العمل من هذه الناحية، وقد سردت بعض الأمثلة فقط لأؤكد دور الدراما وعلاقتها بالأعمال التاريخية أو ما يستعار من التاريخ لبناء مسلسل درامي.

النص الدرامي .. و«أبي كما عرفته»
والآن سأتكلم عن النص الذي أعتبره ركنا أساسيا في صناعة الدراما، ونحن نعلم أن النص الدرامي يتكون من بداية وذروة ونهاية، وأن يكون هناك انسيابية في تسلسل أحداث السيناريو ولا يكون مفككا.

ونحن نعلم أن السيناريو يكتب من خلال رواية أو سيرة ذاتية لعلم من الأعلام أو عن فكرة لا تتعدى الأسطر. وهنا يمكننا أن نصنف كلا على حدة، كاتب الرواية، وكاتب السيناريو، وكاتب الحوار يمكن أن يكون كل منهم لوحده، ويمكن أن يجتمعوا في شخص واحد.

لكاتب السيناريو أن يرجع للتاريخ ليستدل من خلاله على رسالة يريد أن يوجهها من خلال العمل أو أن يكون للاعتبار أو الاستدلال. إن ما حدث في مسلسل «الزعيمان» ليس بسرد السيرة الذاتية للزعيم سليمان الباروني، ولو أراد أى كاتب سيناريو أو مخرج أن يقوم بعمل عن السيرة الذاتية للزعيم الباروني لكان له أن يقوم بصناعة أكثر من مسلسل.

كان يستطيع أن يكتب مسلسلا عن سليمان الباروني «الشاعر والأديب» وعلاقته بالتعليم والمدرسة البارونية والصحافة ومطبعته الأزهرية البارونية والجريدة التي أصدرها.

يمكن أن يكتب مسلسلا عن الباروني «الإنسان» وعلاقته بأسرته ومدينته ونهجه التعليمي وذهابه لتلقي العلوم في تونس والجزائر ومصر.

يمكن أن يكتب مسلسلا عن الباروني «السياسي» وعلاقته بالدولة العثمانية ومجلس المبعوثين وعلاقته بالسياسيين في إيطاليا وفرنسا وسلطنة عمان.

يمكن أن يكتب مسسلسلا عن الباروني «المجاهد» وعلاقته بالجهاد والمجاهدين الليبيين وإعلان حكومة يفرن وإعلان الجمهورية الطرابلسية.

لكن مسلسل «الزعيمان» لا يحكي سيرة الباروني الذاتية بل هو صفحات من تاريخ مجاهد وأديب وسياسي، من خلال رسائل كتبها ومراسيل أرسلت إليه، تم تجميعها من مذكرات ابنته زعيمة الباروني التي كتبت «أبي كما عرفته».

ومن هنا نستطيع أن نتكلم عن السرد الرائع لكاتبة السيناريو لتلك الصفحات والقيادة الموفقة لمخرج العمل في التنقل بنا عبر الزمن، من زمن زعيمة الباروني في خمسينات القرن الماضي والرجوع بنا إلى نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين إلى عشرينات القرن الماضي.

العمل من خلال هذه الرسائل استطاع أن يفتح لنا أبوابا كثيرة كانت مغلقة ولا نعرف عنها شيئا. والعمل استطاع أن يقول لنا هؤلاء هم مجاهدوكم وهذه ملاحمهم البطولية والجهادية، وهؤلاء هم من جاهد في حقبة الاستعمار الإيطالى في الجزء الغربي من ليبيا الحبيبة.. ذكر لنا أسماء كثيرة من الأبطال كل بطل فيهم يستحق أن نعمل عليه مسلسلا.. ذكر لنا العديد من التواريخ كل تاريخ منهم يشكل لنا محطة جهادية وملحمة ممكن لنا أن نعمل بها فيلما سينمائيا.

تطرق للعلاقة بين مدننا في الغرب والوسط والشرق وتلاحمها من أجل الوطن.. الجمهورية الطرابلسية.. مؤتمر غريان وتصحيح المسار بإنشاء الهيئة السياسية الجديدة.. اجتماع سرت الذي نتج عنه ميثاق سرت، وحضره وفد من طرابلس ووفد من برقة، هيئة الإصلاح المركزي بقيادة بشير السعداوي.. وتكليف عبدالعزيز العيساوي من قبل الأمير إدريس السنوسي عضوا فيها.. هيئة الإصلاح بأغلب نوابها يبايعون إدريس السنوسي أميرا لكل ليبيا.. رسالة الترابط والأخوة يقدمها إدريس السنوسي للمبعوث الإيطالى.

كل هذه الرسائل الجميلة والرائعة من صفحات تاريخنا المشرف تبعث من خلال مسلسل «الزعيمان» وهذا الأهم في صناعة الدراما. الدراما من مهامها أن توظف الإيجابي في التاريخ لتبعث به رسائل إلى جمهورها لعله يستفيد ويعتبر من تاريخه. ليس من مهام الدراما أن تسرد كل التاريخ، فهو وظيفة المورخين في كتبهم وليس وظيفة الدراما.

صفحات من التاريخ
كما قلنا مسلسل «الزعيمان» هو عبارة عن صفحات لأحد الرموز السياسية والجهادية في تاريخ ليبيا.. ولو أردنا إبراز كل المجاهدين والأسماء في تاريخ الجهاد الليبي لاحتجنا إلى العشرات من المسلسلات بعشرات من الحلقات حتى نستطيع أن نبرز كل الأسماء. ولكن لنعتبر هذه هي البداية التي فتحت لنا مجال العمل الدرامي لإبراز صفحات النضال على مر العصور الماضية.

تجربة «الزعيمان» للمخرج أسامة رزق ومن خلال تجسيد تجربة عرض هذه الصفحات النضالية والربط بين مجاهدين هما سليمان الباروني وبشير السعداوي والتنقل بنا عبر سنوات ومدن كبيرة، مثل تركيا ولبنان وسورية وإيطاليا وفرنسا ومصر والجزائر وتونس في سياق سيناريو مترابط وسلس، أكد لنا بأننا لنا القدرة في منافسة صناع الدراما العربية بأحدث التقنيات في التصوير والإضاءة والجرافيك واختيار اللوكيشنات والسفر بنا عبر الزمن باختلاف المكان والزمان، وقد كان موفقا جدا جدا.

هذا بالإضافة لاختياره الموفق للممثلين الذين أبدعوا بأدائهم وأكد الممثل الليبي أنه قادر أن يكون في مصاف زملائه من الفنانين العرب الكبار. لقد أبدع كل من الفنان فتحي كحلول والفنان عبدالحميد التائب والفنان علي الشول والفنان صالح لقراض والفنان محمد عثمان والفنان أنور التير والفنانة هند العرفية والفنان نظال كحلول وعبدالحميد لاغا وصلاح الأحمر وصبري أبوشعالة وأيوب القيب، كما أمتعنا الفنان القدير محمد بن يوسف في شخصية عبدالله الباروني والد سليمان الباروني.

الشكر لكل من قام بصناعة هذا العمل، إنتاجا، وإخراجا، وشكر خاص لكل الفنانين العرب الذين شاركوا في العمل والشكر لطاقم العمل تصويرا، وموسيقى تصويرية، وتصميم الديكور، الذي قرب المشهد للواقع الحقيقي. وألف تحية لمن يصنعون الحياة.

الهادي البكوش (الإنترنت)
الهادي البكوش (الإنترنت)

المزيد من بوابة الوسط

تعليقات

عناوين ذات صلة
شاهد: «الدراما الرمضانية.. تحدي التجديد، فهل من جديد؟»
شاهد: «الدراما الرمضانية.. تحدي التجديد، فهل من جديد؟»
تحضيرات مكثفة للدورة الثالثة لمعرض بنغازي الدولي للكتاب
تحضيرات مكثفة للدورة الثالثة لمعرض بنغازي الدولي للكتاب
بوشناف: الفن مرآة المجتمع
بوشناف: الفن مرآة المجتمع
«مئة عام من العزلة» لغارسيا ماركيز على منصة «نتفليكس» قريبا
«مئة عام من العزلة» لغارسيا ماركيز على منصة «نتفليكس» قريبا
جائزة «غونكور» في بلاد أورهان باموك تعكس استمرارية الفرنكوفونية في تركيا
جائزة «غونكور» في بلاد أورهان باموك تعكس استمرارية الفرنكوفونية ...
المزيد
الاكثر تفضيلا في هذا القسم