يستعد المصريون لإزاحة الستار عن ميدان التحرير الذي بات شهيرًا برمزيته في القاهرة، بعد أن نقلت إليه أربعة من تماثيل الكباش من معبد الكرنك في الأقصر، ما أثار حزنًا لدى بعض أهالي الجنوب على فراق كنوزهم، وانتقادات خوفًا من تضررها.
وكانت هذه التماثيل التي لها جسد أسد ورأس كبش وتعد من رموز الإله «أمون» عند الفراعنة، تزين معبد الكرنك منذ آلاف السنين، وفق «فرانس برس».
وأعلنت وزارة السياحة والآثار المصرية، مطلع الشهر الجاري، أنه تم الانتهاء من تركيب الكباش الأربعة على قواعد مخصصة لها حول مسلة الملك الفرعوني رمسيس الثاني التي نُقلت من منطقة صان الحجر بمحافظة الشرقية في دلتا النيل، إلى ميدان التحرير أيضًا.
ولا تزال التماثيل مغطاة، تمهيدًا لإزاحة الستار عنها قريبًا.
ويقول النائب في البرلمان المصري عن محافظة الأقصر أحمد إدريس لوكالة «فرانس برس»، «أنا ضد نقل آثار الأقصر إلى خارجها.. لقد تأثرت برحيلها».
وأضاف أن الأقصر محافظة بمثابة «متحف آثار مفتوح كان الجدير بنا تطويره»، معتبرًا أن «قيمة الأثر في مكانه التاريخي».
وكانت الوزارة كشفت في نهاية العام الماضي قرار نقل أربعة من تماثيل الكباش إلى ميدان التحرير الذي شهد حراك ثورة يناير في 2011، حين اعتصم فيه المصريون لمدة 18 يومًا حتى أسقطوا الرئيس الراحل حسني مبارك بعد 30 عامًا من الحكم.
وأثار القرار حفيظة الكثير من المصريين الذين عبروا عن اعتراضاتهم على منصات التواصل الاجتماعي، متخوفين من أن تتأثر التماثيل التي يرجع تاريخها إلى نحو 3500 عام بعوامل التعرية والتلوث، وفق ما ذكرت أستاذة الآثار المصرية مونيكا حنا على صفحتها على موقع «فيسبوك».
وكتبت حنا «التلوث العالي في ميدان التحرير (هيبهدل) الآثار (يصيبها بالتلف)، والأثر سيفقد قيمته ويتحول من قطعة تاريخية إلى قطعة فنية».
وفي نهاية 2019، توجه نشطاء وعلماء آثار بمذكرة التماس إلى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لوقف عملية نقل التماثيل، وتقدَّم بعض المحامين في المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية بدعوى قضائية أمام محكمة القضاء الإداري لوقف عملية النقل.
وشدد المركز على موقعه الإلكتروني الرسمي على «خطورة ذلك على هذه القطع الأثرية التي لا تقدر بثمن، ونظرًا لأن ذلك يخل بطبيعة المعلم الأثري الذي سيتم اقتطاع هذه التماثيل منه». واستند المحامون في شكواهم إلى ميثاق البندقية الذي صدر العام 1964 حول ترميم المعالم والمواقع والحفاظ عليها، وقد تبنته منظمة اليونيسكو ووقعت عليه مصر العام 1974.
ويقول إدريس: «لماذا لم تتم الاستفادة من الآثار المكدسة في المخازن والمعرضة للتلف والسرقة؟».
التحرير لا يحتاج تاريخًا
وتعاني الآثار المعروضة في متاحف أو مناطق مكشوفة في مصر ممارسات مثل الكتابة عليها أو عدم احترام قواعد عدم لمسها أو تصويرها، ما يؤدي في بعض الأحيان إلى تعرضها لتلف.
وعلى أطراف كوبري قصر النيل في وسط القاهرة، تمت إحاطة تماثيل لأربعة أسود بأجسام مسننة حفاظًا عليها.
ولم تعلن الحكومة المصرية موعد تدشين ساحة ميدان التحرير الجديدة، مع قرب الانتهاء من أعمال تطويرها.
وتشمل خطة التطوير الحكومية للميدان طلاء المباني بلون موحد وإزالة عدد من إعلانات الشوارع، إلى جانب نظام ضوئي خافت للميدان يعمل في فترة الليل.
مشكلة وعي
في المقابل، هناك مَن يدعم نقل هذه الآثار العريقة. ويقول المرشد السياحي الأقصري محمود زكي لوكالة «فرانس برس» عبر الهاتف مستغربًا الانتقادات: «نحن نرسل آثارنا خارج البلاد في معارض حتى يستمتع بها الأجانب.. وبالتالي إنه لشرف كبير أن تزين آثار معبد الكرنك أشهر ميادين مصر».
وكان وزير السياحة والآثار المصري خالد عناني أكد أكثر من مرة عقب اتخاذ القرار، أن التماثيل الأربعة ليست بين القطع الموجودة على جانبي طريق الكباش المعروف الذي يربط بين معبدي الأقصر والكرنك، ولكن تم اختيارها بين القطع المتواجدة خلف واجهة المعبد الأخير، التي كانت في حالة سيئة قبل ترميمها.
ويقول خبير الآثار المصري على أبو دشيش من جهته: «لا يعقل أن تُزيّن ساحات عالمية كثيرة بالمسلات المصرية.. ولا توجد واحدة وسط التحرير، الميدان الأشهر في مصر».
تعليقات