في مثل هذا اليوم منذ 27 عاما رحل الشيخ المجاهد الورع محمود حسين بوهدمة، الذي ترك لنا سيرة بحجم الوطن، والذي لم يختلف اثنان على نزاهته وعفته وذمته وتاريخه النضالي.
ولد سنة 1896 بمدينة الزويتينه وتعلم في كتاتيبها القرآنية، وما أن بلغ ستة عشر عاما حتى انظم سنة 1912 إلى موقع للمجاهدين بمنطقة الفعكات لقربها من بنغازي، متربصين بالقوات الإيطالية الغازية التي نزلت بشواطئ جليانة سنة1911.
في عام 1914، انظم إلى صفوف المجاهدين، الذين التحقوا بالمجاهد صفي الدّين السّنوسي الذي تولى قيادتهم في منطقة برقة البيضاء وناحية سرت، وسريعا ما أصبح من خُلص مساعديه.
شارك في معركة القرضابية الشهيرة التي وقعت في 15 أبريل 1915، والتي انتصر المجاهدون فيها على القوات الإيطالية الغازية، وأيضا معارك البريقة، بئر بلال، معركة (حيشان اجبيل) بالزّويتينة، وغيرها من المعارك. ثم أصبح نائب القائد العسكري في دور أجدابيا المجاهد قجه عبدالله أحد كبار المجاهدين المعروفين آنذاك، ثم اشغل، في أمارة حكومة اجدابيا السنوسية، مهام عميد بلدية إجدابيا ثم مديرا لأمنها إلى أن احتلت إجدابيا سنة 1923.
أصدرت إيطاليا سنة 1927 بحقه حكما بالإعدام، فهاجر إلى مصر، وهناك عانى من الفقر والعوز صوره في قصيدة شعبية انتشرت في ذلك الوقت يقول مطلعها:
مال وقتنا والدين ما بدلنا *** وكل شيء جابلنا الزمان أحملنا
وهناك شارك في توقيع الميثاق الوطني يوم 6/8/1942 وعمل بهمة في حشد المجاهدين في الجيش السنوسي، وبعودتهم إلى الوطن سنة 1943، انخرط مباشرة في صفوف العمل الوطني المنظم فترأس جمعية عمر المختار باجدابيا،
وفي بداية عام 1950، عُيِن الشيخ محمود بوهدمة قاضيا مدنيا بمدينة بنغازي، وكلفه الأمير إدريس السنوسي باختيار 7 أعضاء عن إقليم برقة في اللجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني المكون من 21 عضو يمثلون الأقاليم الثلاثة، ثم عضوا في لجنة الدستور.
في بداية العام 1953، صدر مرسوم ملكي يقضي بتعيينه عضوا بالمجلس التشريعي البرقاوي والذي انتخب لرئاسته، واستمر في رئاسة المجلس حتَّى عام 1956.
وأثناء غياب الملك في رحلة خارج الوطن، صدر مرسوم ملكي بتاريخ 3 أغسطس 1956 يقضي بتعيينه أحد نائبي الملك في فترة غيابه وحتَّى تاريخ عودتـه. وفي 25 مارس 1956، صدر مرسوم ملكي يقضي بتعيينه رئيسا لمجلس الشّيوخ، واستمر في رئاسة المجلس حتَّى 15 أكتوبر 1961 حيث صدر مرسوم ملكي آخر يقضي بتعيينه والياً لولاية برقه. وقد شغل منصب والي برقة حتَّى تاريخ تقاعده في بداية العام 1963.
كان التحقيق الذي أجراه نظام القذافي معه بعد الإطاحة بالنظام الملكي شهادة له على عفته ونظافة ذمته فلم يجدوا لديه شيئا بل حتى بيته الصغير كان مؤجر من الدولة، لم يقفوا إلاّ على سيرة عطرة لراجل زاهد في الدنيا ورع ووطني حتى النخاع. رحل الشيخ محمود بوهدمة يوم 4/3/ 1993 ووسد ثرى مدينة البيضاء في اليوم التالي.
ــــــــــــــــ
المصدر: من مقالة للأستاذ سالم الكبتي
تعليقات