في مثل هذا اليوم منذ ثمانيةأعوام، رحل عنا الوجيه فتحي محمد الخوجة، كبير التشريفات الملكية إبان العهد الملكي، الذي استمرت عزلته القاسية لأكثر من أربعين سنة، تحت وطأة العوز والمرض والإقامة شبه الجبرية.
وُلد في 11 ديسمبر 1920، وتلقى تعليمه الابتدائي والمتوسط بكتاتيب ومدارس طرابلس النظامية، ثم التحق بالأزهر وظل طوال دراسته في القاهرة نموذجًا للطالب المستقيم المجد والمجتهد، وبسبب أخلاقه اختاره الملك إدريس بنفسه عقب قيام الدولة الليبية لهذا المنصب.
لم يقبل أن يُملَّك مسكنه تنفيذًا لمشروع «البيت لساكنه»، مؤكدًا أنه سيدفع الإيجار لمالكه وهو يعلم أنه يعيش خارج البلاد.
لا أحد يعرف عنه أنه تدخل ذات يوم في شأن من شؤون الدولة، أو سعى في مصلحة شخصية أو تجاوزحدود وظيفته الرسمية في أي أمر من الأمور. عاش مرافق الملك إدريس، موظفًا بسيطًا، متواضعًا، زاهدًا في كل ما يُمكنه منه منصبه الرفيع في الدولة من مظاهر الوجاهة والجاه!
لم ينسَ معاصروه شجاعته أمام محكمة «العسكري» الذي نصَّبوه «قاضيًا» تعمد التطاول على الناس! عندها صرخ الرجل في وجهه هوّادي قائلاً: «أتريدونني أن أشهد بغير الحق؟! أتريدون أن تقتلوا رجلاً نزيهًا يقول ربي الله؟!».
وأقعده المرض وظل سجينًا على مقعده المتحرك في منزله، وعاجزًا عن علاج قرينته، التي باعت إرثها من والدها لتوفر تكاليف السفر والعلاج في بريطانيا! مع ذلك كله، لم يفقد يومًا ابتسامته المشرقة، ولا تفاؤله، ولم تغب ذاكرته القوية عنه وهو يروي الأحداث والوقائع، ولم تتزعزع ثقته في عدالة خالقه إلى أن تولاه بواسع رحمته.
تعليقات