Atwasat

إمباركة زيدان.. حين استهواها النحت: الجسد الإنساني بين التهميش والمقاومة

طرابلس - بوابة الوسط: حواء القمودي الأحد 02 يونيو 2019, 03:15 مساء
WTV_Frequency

يدخل اليوم الأول من هذا الصيف محتفيًا بالمطر، السماء التي امتلأت سحبًا غدقة، والنسائم الباردة التي ساقت بعصاها الغيم ليندلق المطر وتغتسل الشوارع ويضوع الهواء بذاك العبق الأخاذ؛ لكن الفنانة التشكيلية إمباركة زيدان، التي أرادت بشغف إنجاز هذا الحوار، ولكن ظروفًا صحية أحاطت بها بعد أن أرسلت سيرتها ونماذج كثيرة من أعمالها (رسم ونحت)، وتدفقت أسئلتي مرة واحدة كي تقرأها وتنجز الحوار على مهل، وانتظرت ولكن؟!

وجدت أعمالها تناديني، لوحاتها ومنحوتاتها هي منجزها الإبداعي كما تقول الفنانة، في هذا الصباح الماطر من أول يونيو 2019م، حدث الحوار بيني وبينهم وأمطروني إجابات وتحدثوا معي عن مكنونات، وها أنا أحيل هذه الحكاية إليكم.

من بنغازي إلى طرابلس
تحصلت إمباركة زيدان المغربي على دبلوم متوسط من معهد المعلمات في بنغازي، «شعبة الرسم»، لكن نداءً ملحاحًا جاء بها إلى طرابلس فواصلت دراستها بكلية الفنون، ولأن الرسم تخصصها فقد بدأت مع الرسم الزيتي ولكنها اكتشفت أن «النحت» يستهويها، وكأن ذاك النداء الذي جاء بها لطرابلس كان لتغمس أصابعها في الطين وتبدأ معركتها الفنية والبحث عن أسئلتها كمبدعة وكامرأة من العالم الثالث.

«على مستوى التشكيل العربي، ظل الجسد (الفني) خجولًا ومحتشمًا وخاضعًا لسلطة التابوهات والمحرَّمات التي تمارسها اللغة والمجتمع، لذلك أخذ هذا الجسد أشكالًارمزية قريبة من التجريد وبعيدة عن التشخيص، قبل أن يتحررلاحقًا ويبرز مكشوفًا.. ظاهرًا وعاريًا» ص17/ الأيقونة والجسد / إبراهيم الحَيْسن.

ظهرت ملامح الوجه بارزة ودالة على ما تريد الفنانة البوح به

_ تميزت تجربة إمباركة بلوحة «المرأة المحجبة» ثم منحوتة «ناجي العلي»، حيث ظهرت ملامح الوجه بارزة ودالة على ما تريد الفنانة البوح به، وجه أنثوي بملامح متقنة، ناعمة، يؤطرها «الحجاب»، الذي يمنح الوجه مزيدًا من التألق، و«ناجي العلي» منهمك في إنجاز لوحة ومن وراء كتفه طفل منهمك بالنظر إلى خطوط تتشكل ربما لترسم مشهد مستقبل يراه هذا «العلي» لكأن «الفنانة إمباركة» رأت (حنظلة) ورسمت ملامحه ولكن ليس ذاك الذي يعطينا بظهره ولانرى غير يديه المعقودتين، هنا نجده طفلًا يحاول أن يعرف ما الذي سيقوله «ناجي العلي» وهو منهمك بكلّيته راسمًا ما يراه والذي ربما لانستطيع رؤيته إلا بإطلالة حنظلة!

يقول منصور بوشناف عن تجربة المبدعة: «إمباركة زيدان والتي تنتمي إلى جيل من الشباب بدأ يعمل لتأكيد النحت كجزء مهم من المشهد التشكيلي في ليبيا، تقدم مواضيع منحوتاتها بأسلوب بسيط لا يلجأ إلى التعقيد»، لكن لاحظ أن هذه الفنانة حين قاربت موضوع الجسد «تمسح أو تلغي تمامًا ملامح وجوه النساء والرجال»؛ تبرز ملامح الجسد ولكن ملامح الوجه مختفية، وقد أجازف بالقول إن قسوة المبدعة جعلت من بعض منحوتاتها بلا رأس، منحوتة لامرأة متكئة بدلال ورغم بروز ملامح الجسد، لكنه مختفٍ تحت غلالة والرقبة قوية مشرئبة لكنها بلا رأس!

لتظهر منحوتة لجسد رجلًا وكأنه يحاول الاتكاء معتمدًا على يد قوية ملتفتًا باتجاه ما، ولكن الرأس يختفي وتظهر تلك الرقبة المتطلعة، وتجمع منحوتة أخرى هذين الكائنين قبالة بعضهما في وضع حميمي، حيث تتكئ المرأة على ركبتي الرجل، هي مأخوذة به وناظرة إليه، هي مازالت برأسها الذي يتطلع باتجاهه ولكن هو الذي يبدو في اتكاءته مرتاحًا ولكن يتطلع إليه عبر كتفين ورقبة، ربما هذه الرقبة تبحث عن «الرأس المقطوع» الذي عليه أن يواجه أسئلتها ليجيب، ثمة منحوتة مختفية في ظل رداء أبيض يظهر الجسد الذي تخفيه في حالة صراع منهكمًا ليتحرر من أسر تلك الغلالة، التي رغم نعومتها قادرة على تقنينه وحبسه في إطار محدد، حركة المنحوتة واضحة في حالة صراع لكن السؤال: جسد مَن هذا؟ هل هو جسد امرأة أم رجل؟ المنحوتة ربما غير معنية بإجابة السؤال لأنها في حالة بحث عن ثغرة أو نقطة ضعف في غلالة رغم شفوفها لكنها قاسية وثقيلة.

منحوتات الفنانة إمباركة زيدان تواصل إخبارنا بتفاصيل هذه الحكاية وحتى حين ألبستها المبدعة لم تمنحها ملامح واضحة، تركتها لظنوننا ومحاولة قراءاتنا لتفكيك شفراتها، أجساد منكفئة وخائفة أو متطلعة واقفة، عارية أم كاسية ولكن جميعها بلا ملامح، فكما يقول بوشناف: «لكأن المنحوتات تقول إن ثمة ملامح أخرى أكثر صدقًا وتعبيرًا من الذات عن ملامح وسمات الوجوه!».

صراع وتفتت
مجموعة أعمال تشكيلية تواصل من خلالها هذه الفنانة إظهار الصراع الذي يعيشه الإنسان سواء أكان رجلًا أم امرأة، علاقات ملتبسة، وجوه غائبة، ولكن ثمة هذا الصراع، ألوانها تضج بالصراخ وتحاول التظاهر بأن ثمة أملًا، ولكن حين التأمل سيخبرنا اللون أنه مجرد خدعة وأن الوجع صارخ و«سيزيف» مازال ينوء تحت عبء الصخرة، المدن بملامح مشوشة والناس يقاومون بأجسادهم الهشة، لكن الأفق يغمره لون قاتم والأيدي تتشابك والصراخ يعلو.


سيرة ذاتية
_ إمباركة زيدان المغربي/ بنغازي.
دبلوم متوسط معهد معلمات/ شعبة رسم.
بكالوريوس فنون جميلة.
دبلوم دراسات عليا: ومحاولة استكمال رسالة الماجستير عن الفن التشكيلي في الشرق الليبي من مؤسس معرض السلفيوم للفنون/ بنغازي.
أسست صحبة جمال الشريف شعبة التربية الفنية بكلية المعلمين/ بنغازي
شاركت في العديد من معارض الفن التشكيلي والملتقيات الثقافية والفنية.
تحصلت على الترتيب الأول في مسابقة الفنون الجميلة بمدينة مصراتة عن قسم النحت.
تلقت العديد من دعوات الاستضافة الفنية من خارج ليبيا.

من أعمال إمباركة زيدان (بوابة الوسط)
من أعمال إمباركة زيدان (بوابة الوسط)
من أعمال إمباركة زيدان (بوابة الوسط)
من أعمال إمباركة زيدان (بوابة الوسط)
من أعمال إمباركة زيدان (بوابة الوسط)
من أعمال إمباركة زيدان (بوابة الوسط)
إمباركة زيدان.. حين استهواها النحت: الجسد الإنساني بين التهميش والمقاومة
من أعمال إمباركة زيدان (بوابة الوسط)
من أعمال إمباركة زيدان (بوابة الوسط)

المزيد من بوابة الوسط

تعليقات

عناوين ذات صلة
تحضيرات مكثفة للدورة الثالثة لمعرض بنغازي الدولي للكتاب
تحضيرات مكثفة للدورة الثالثة لمعرض بنغازي الدولي للكتاب
بوشناف: الفن مرآة المجتمع
بوشناف: الفن مرآة المجتمع
«مئة عام من العزلة» لغارسيا ماركيز على منصة «نتفليكس» قريبا
«مئة عام من العزلة» لغارسيا ماركيز على منصة «نتفليكس» قريبا
جائزة «غونكور» في بلاد أورهان باموك تعكس استمرارية الفرنكوفونية في تركيا
جائزة «غونكور» في بلاد أورهان باموك تعكس استمرارية الفرنكوفونية ...
عميل سابق في الموساد كتب رواية مطابقة لهجوم حماس على إسرائيل قبل سنوات قلِق على المستقبل
عميل سابق في الموساد كتب رواية مطابقة لهجوم حماس على إسرائيل قبل ...
المزيد
الاكثر تفضيلا في هذا القسم