Atwasat

«أسوار» ماكسون تعيد دينزل واشنطن للتألق

بوابة الوسط: طارق الشرع الأحد 26 مارس 2017, 01:58 مساء
WTV_Frequency

ضمن كوكبة الأعمال السينمائية الجيدة التي صدرت في نهاية العام الماضي، أنتجت شركة «باراماونت بيكتشرز» فيلماً تحت عنوان «أسوار»، وحقق الفيلم إشادات رائعة من نقاد السينما ومواقع التقييم العالمية، كما رُشح لعدة جوائز كبرى نال بعضها وأخفق في أخرى، أيضاً شهد الفيلم عودة النجم الأسمر «دينزل واشنطن» للتألق والإبداع بعد انشغاله في الأعوام الماضية بأداء أدوار تجارية.

تدور أحداث فيلم أسوار «Fences» في إطار تراجيدي حول أسرة كادحة من أصول أفريقية تعيش بمدينة بيتسبرغ الأميركية في خمسينات القرن العشرين وتكافح من أجل تأمين حياة أفضل في مجتمع يعاني التمييز العنصري، يعمل الوالد «تروي ماكسون» في شركة جمع قمامة ويحلم بأن يكون أول زنجي يقود شاحنة القمامة.

«تروي» المثقل بالانكسارات والهزائم يهتم بتوجيه أفراد عائلته الصغيرة انطلاقاً من تجربته الخاصة ووفق ما يعتقد أنه صائب.

فيلم «أسوار» بطولة وإخراج دينزل واشنطن وتمثيل فيولا دافيس وستيفن هندرسون، وقد أخفق واشنطن في نيل جائزة أفضل ممثل بعد أن رُشح لها في «أوسكار 2017» عن دوره في الفيلم، بينما نالت فيولا جائزة أفضل ممثلة مساندة في نفس الحفل عن تجسيدها لشخصية «روز».

الفيلم مأخوذ عن نص مسرحي صدر العام 1983 بنفس العنوان للكاتب الأميركي من أصول أفريقية أوغست ويلسون وهو بنفسه من تفرغ لتحويل نصه لسيناريو الفيلم، ونالت مسرحية «أسوار» فيما سبق عدة جوائز كانت أرفعها جائزة «بوليتزر» الأميركية العام 1987.

اعتمد ويلسون في كتابة «أسوار» على بناء القصة حول شخصية فاعلة وحيدة، بينما اقتصرت وظائف الشخصيات الأخرى في الفيلم على مساندة هذه الشخصية، من هنا كان ترشيح «فيولا دافيس» في خانة أفضل ممثلة مساندة وليس في خانة أفضل ممثلة رئيسية رغم وجودها المؤثر في عدد كبير من المشاهد ، فالفيلم يحتوي على بطل رئيسي وحيد. بهذا فإننا نتحدث عن عمل موندرامي بامتياز، تم إنجازه بآليات وشروط العمل المسرحي، واحتفظ فيه الكاتب المسرحي برؤيته الفنية ووسائل تجسيد القصة أثناء تحويل النص لعمل سينمائي، حيث تجري معظم أحداث الفيلم في محيط بيت الأسرة وتعتمد على مادة كلامية كبيرة مصدرها بشكل مستمر شخصية وحيدة بإمكانها تقديم وجهة نظر متكاملة عن كل شيء في الحياة (الحزن - السعادة - الغضب -المال - الجنس - ...) وفق رؤية أحادية استناداً إلى الوقائع التي عايشها، كما شهد الفيلم غياب بعض الشخصيات المساندة عن التجسيد مثل شخصية «لوسيا» زوجة «بونو»، الصديق المفضل لبطل العمل، أو زوجة «تروي» الثانية ووالدة طفله، الزوجة التي كان وجودها المفاجئ في حياة «تروي» سبباً في تدهور العلاقة بينه وبين زوجته الأولى ورفيقة دربه «روز»، كما شكل موتها تحولاً في حياة «تروي».

كل هذه التطورات حدثت في حاضر العرض السينمائي وفي غياب تجسيد هذه الشخصيات، لهذه الأسباب تحدثنا عن احتفاظ الكاتب أثناء تحويل النص المسرحي إلى نص سينمائي بآلياته المسرحية دون الخوض في اللعبة السينمائية بمفهومها التقليدي.

المثير في تناول شخصية «تروي» للمواضيع المثارة يتمثل في قدرته على تعميق هذه المواضيع من الجانب الإنساني وحتى الفلسفي بلغة بسيطة

المثير في تناول شخصية «تروي» للمواضيع المثارة يتمثل في قدرته على تعميق هذه المواضيع من الجانب الإنساني وحتى الفلسفي بلغة بسيطة تتوافق مع منطق عامل أمي يعبر عن أفكاره بأي طريقة أراد وعن أي موضوع من دون تحفظ، وقد اكتسبت هذه الشخصية طابعاً ثورياً بفعل رفضها ممارسات المجتمع الظالمة.

«تروي» يصرخ ثملاً وصاح أثناء حديثه عن مجده الضائع في ملاعب البيسبول لأنه أسمر البشرة أو عن مأساة شقيقه «جيب» الذي وهب حياته كمقاتل في الجيش وأُصيب في دماغه أثناء الحرب العالمية الثانية ليصير مصدر إزعاج ومثار سخرية من الناس الذين قاتل لأجلهم.

«تروي» أخيراً يقيم سياجاً حول بيته، أظننا هنا نتحدث عن أكثر الجوانب تعقيداً في الفيلم، فـ«تروي» لم يبنِ الأسوار انصياعاً لرغبة زوجته في البحث عن الأمان وحماية العائلة من ظلم وتمييز المجتمع وسطوة الشيطان كما يراه متجسداً في الرجل الأبيض، إنما يبني أسواره ليتحرر منها ويحرر منها عائلته، أسواره التي تطارده دوماً لا تتعلق بتمييز المجتمع فقط كما يدعي بل بوحشية والده وفشله هو في أن يكون لاعباً محترفاً، بخيانته لزوجته التي انتظرته خمس عشرة سنة عندما كان سجيناً، أسواره الشاهدة على تبجحه المفرط بعصاميته إزاء عجز ابنه العاطل عن العمل رغم تاريخه الملطخ بجريمة قتل وحوادث سرقة، أسواره التي حاول اختراقها وتجاوزها بزوجة جديدة بحثاً عن حياة أفضل، أسواره التي ألقى بابنه الأصغر خارجها متعمداً ليجد (الابن) حياة أفضل بعيداً عن أهواء (الوالد) وعن بيسبوله المحجوز داخل الأسوار، الأسوار تعني السقوط والفشل عند «تروي»، وإقامتها تعني إبقاء الآخرين بعيداً عن تجربته الفاشلة كما لمح صديقه «بون» في أحد المشاهد.

مرة أخرى يمتعنا «دينزل واشنطن» بعرض تمثيلي مذهل، أجده شخصياً مرجعاً للمحترفين قبل الهواة، حيث قام «واشنطن» بأداء دور معقد لتوفره على تحولات مستمرة في مساحات ضيقة جداً، فأحداث الفيلم تجري في أماكن محدودة جداً وتسير في اتجاه تصاعدي دون الاستعانة بتقنية «الفلاش باك» وتعتمد على مادة كلامية هائلة لأداء وظيفة مزدوجة (تغطية تاريخ القصة - مواكبة حاضر الأحداث)، الأمر الذي شكل ضغطاً مضاعفاً على الممثل لتجسيد هذه الحالة المركبة، لاسيما ونحن نتحدث عن نص يعتمد على شخصية رئيسية وحيدة كمصدر للفعل.

نص «أسوار» بالنسبة للممثل أشبه بسلوك الطريق الوعرة بمنحدراتها المفاجئة وارتفاعاتها المرهقة، فالنص مثقل بالمنعطفات بسبب التغيرات المفاجئة في نوع المواضيع المثارة، فتارة يسخر وأخرى ينتشي قبل أن يغضب ثم يضحك ويبكي...، انفعالات متعاقبة يدعمها تعبير جسدي مثقل بتقدم العمر وانكسارات الروح.

نص «أسوار» فخ قد يسقط فيه أكبر الممثلين قدرة وموهبة، إلا أن «دينزل واشنطن» بقدرته الفائقة طوَّع الدور وتلاعب بالشخصية ليقدم لنا عملاً فنياً مميزاً.

المزيد من بوابة الوسط

تعليقات

عناوين ذات صلة
تايلور سويفت تخطف الأنظار في مهرجان كوتشيلا
تايلور سويفت تخطف الأنظار في مهرجان كوتشيلا
متحف «متروبوليتان» في نيويورك يسلط الضوء على 4 آلاف عمل أفريقي في 2025
متحف «متروبوليتان» في نيويورك يسلط الضوء على 4 آلاف عمل أفريقي في...
الروك المستقل يهيمن على ثاني أيام «كوتشيلا»
الروك المستقل يهيمن على ثاني أيام «كوتشيلا»
شهادات كتَّاب ومثقفين عرب لـ«يورونيوز» عن حرب غزة
شهادات كتَّاب ومثقفين عرب لـ«يورونيوز» عن حرب غزة
بينها المصري «رفعت عيني للسماء».. 11 فيلماً في «أسبوع النقاد» ضمن مهرجان كان
بينها المصري «رفعت عيني للسماء».. 11 فيلماً في «أسبوع النقاد» ضمن...
المزيد
الاكثر تفضيلا في هذا القسم