Atwasat

محمد الزواوي.. فولتير على الطريقة الليبية

القاهرة - بوابة الوسط: محمود الغول السبت 13 أغسطس 2016, 03:15 مساء
WTV_Frequency

أنت أمام مشهد سينمائي بالمعنى الحرفي للكلمة، وليست مجرد رسمة كاريكاتورية، فأعمال محمد الزواوي تنبض بالحياة وتسخر منها في الوقت ذاته، كما أنه يعتمد على التصوير البصري، دون الاستغراق في كتابة التعليقات، مما يضفي على رسوماته صبغة «كوزموبوليتانية»، فالصورة تتحدث ويفهمها المتلقي أياً كانت جنسيته أو لغته، فضلاً عن أن موضوعاته رغم محليتها، إلا أنها إنسانية في المقام الأول.

في العام 1935 ولد الزواوي في إحدى ضواحي بنغازي، ودرس هناك بالمرحلة الابتدائية حتى اضطر لظروف عائلية لترك المدرسة، ثم عمل رساماً بالقسم السمعي والبصري التابع للمصالح المشتركة «النقطة الرابعة الأميركية»، وفق «ويكبيديا».

وفي العام 1961 ضُمَّ القسم السمعي والبصري لوزارة الأنباء والإرشاد، وفي العام 1963 اُنتُدب الزواوي للعمل في مجلة «الإذاعة» الصادرة عن الإذاعة والتلفزيون الليبي في طرابلس مخرجاً صحفيّاً ورساماً، وعلى صفحاتها خَطَّ أول لوحة ساخرة، ثم انتقل لمجلة «المرآة» التي كانت ترأس تحريرها خديجة الجهمي. وعمل مخرجاً ورساماً إلى جانب نشر رسومه في معظم الصحف والمجلات الليبية.

وعن نفسه يقول الزواوي في حوار صحفي: «ولدت ميولي نحو الكاريكاتير في عمر مبكر، فقد كنت أسكن في نجع بدوي، وكان بجوارنا واد اسمه وادي القطارة. وكانت يومياتي تبدأ في ظل هذا الجو أرعى البقر صباحاً وأقطف الزهور وأوراق العنب وأحولها إلى ألوان على الصخور، وبعد الغروب أفاجأ بأن البقر الذي كنت مكلفاً بحراسته قد غادر المكان! وكالعادة تعودت أن يكون موعد (العلقة) الساخنة بعد هذه الفترة يومياً حتى دخلت المدرسة، وفي المدرسة فشلت في جميع الدروس إلا مادة الرسم، وبعد سنوات تركت الدراسة بسبب ظروفي العائلية لأعمل رساماً في شركة أميركية».

وخلال رحلته التي انتهت بوفاته في العام 2011، أنتج الزواوي مئات الرسوم الساخرة، التي لم يكن هدفها مجرد إضحاك من يطالعها بقدر رغبته في تحريك المشاعر وشحذ الهمم، منتقداً مجتمعه والحياة السياسية في ليبيا، وهو ما تسبب له في مشاكل عدة خلال فترة حكم معمر القذافي، إذ كان الزواوي ينشر أعماله في الصحف الليبية، كان آخرها في «الصباح أويا» الأسبوعية، والتي أوقفتها اللجان الشعبية بسبب انتقاده النظام السياسي نهاية العام 2010، ثم صدرت لاحقاً برئيس تحرير جديد في نسخة اعتبرت حينها نسخة مزورة، ما لبث الفنان أن توقف عن النشر فيها لاحقاً.

نماذج من أعماله
في أحد أعماله، يصور الزواوي رجلاً يفتل شاربه الضخم وهو يقف في فراغ كبير، وأمامه تنحشر أربع سيدات (هن زوجاته) على فرشة صغيرة ينظرن له في خوف، بينما يعلق هو على صدره أربعة مفاتيح، والرمز هنا واضح ولا يشترط أن يكون المتلقي ليبياً أو عربياً أو من أي جنسية أخرى حتى يفهم المعنى، مرتكزاً على قضية كبيرة تعانيها كثير من المجتمعات تتعلق بسيطرة الرجل في مجتمع ليس للمرأة فيه حقوق تناسب وضعها الاجتماعي وشراكتها للرجل في الحياة.

وعن تنوع أعماله، يقول الكاتب مصور بوشناف، الذي لقبه بـ«فولتير» في مقال نشر بمجلة «المؤتمر» تسعينات القرن الماضي، وأعاد نشرها عبر صفحته بموقع «فيسبوك»: «تنوعت رسومات الزواوي الساخرة فكان منها السياسي والاجتماعي، إلا أن الاجتماعي ظل الركن الأساسي والأهم فهو تجربة الزواوي الحقيقية، حيث شكلّت رسومات الزواوي مشروعاً نهضوياً حقيقياً، فكانت رسوماته الساخرة التي تناولت أشكال التخلف والجهل وقمع المرأة والركض خلف الربح السريع والفروق الاجتماعية كتباً مهمة في مشروع النهضة في ليبيا قدمها الزواوي لمجتمعه ولم يعانِ الزواوي ما عاناه الكتّاب أو الشعراء أو السياسيون من غموض في اللغة أو انفصال عن اللغة التي يفهمها الناس، بل كانت لوحاته تصل بكل أفكارها وتفاصيلها لفئات المجتمع كافة أميين ومتعلمين».

وفولتير هو كاتب وفيلسوف فرنسي عاش في عصر التنوير، وعُرف بنقده الساخر، وذاع صيته بسبب سخريته الفلسفية الظريفة ودفاعه عن الحريات المدنية خاصة حرية العقيدة، والمساواة وكرامة الإنسان، حسب «المعرفة».

الاستسهال ليس من سمات الزواوي، فهو لا يرضى بلوحة بسيطة مختصرة، بل ينجز في وقت قياسي لوحة مكتظة بالتفاصيل تشبه اللقطة السينمائية العميقة التي تنطق بما يعجز عنه الكلام، وعن ذلك يقول عنه الناقد غسان الإمام في مقال نشر بجريدة «الشرق الأوسط» إن «الرسام الليبي محمد الزواوي الذي لا يملك رسام عربي آخر قدرته الفنية في إتقان التفاصيل، وأحسب أنه متأثر بالمدرسة الكاريكاتيرية الأميركية، حيث يتمتع الرسام بوقت كافٍ لرسم لوحة واحدة متكاملة في الأسبوع».

وفي سبعينات القرن الماضي كان لفنانا الكبير أعمال مميزة في مجال القصة المصورة، ها هو يزين مجلة الأمل للأطفال بمسلسل البطل الصغير: قصة فتى ليبي صغير يحمل رسالة لعمر المختار ويتعرض في طريقه لمخاطر قمع الجند الإيطالي. تلاها بمسلسل آخر وهو بضربة واحدة قتل سبعة، مسلسل ضاحك أبدعه الزواوي بمزيج من الموهبة والاحتراف وعطاء شبابه. كما خاض تجربة الرسوم المتحركة ونفذ أعمالاً في هذا الميدان مدتها أكثر من 50 دقيقة، وأقام العديد من المعارض المحلية والخارجية.

ولم يقصر الزواوي أعماله على الشأن المحلي، فيقول الرسام الليبي في حوار أجراه معه فتح بن عيسى ونشر في موقع «بيت الكرتون العربي»: «في الستينات عندما كنت أرسم في جريدة (العلم)، وكانت هناك قضايا كفيتنام والاعتداء الأميركي عليها كنت أرسم نيكسون كثيراً، وهناك كاتب عربي أميركي كتب بأن بعض الرسوم وصلت لأميركا، حتى إن نيكسون نفسه اهتم بها وطلب الاطلاع عليها وعلى أحدثها باستمرار، وهناك شخصية ديغول وهو شخصية تاريخية متميزة ورائعة جداً، وكان عنده ميزة في أنفه جعلت الكثير من الفنانين يقومون برسمه، وكان يضحك من تلك الرسوم ويطلب أن يحضروا له كل ما رسم عنه، لكن الحكام العرب مثلاً ينزعجون جداً لو قام أحد برسمهم بطريقة الكاريكاتير، يريدون أن يتم رسمهم دائماً في صورة مثالية وكاملة وجميلة، والمعروف أن الكاريكاتير هو نقد ساخر يحول الشكل الجميل إلى نوع من المبالغة، وهو رسم ساخر وليس تصويراً لكنهم لا يعترفون بذلك ولا يقبلون به، في حين أن الأجانب يفرحون ويعتزون به وينظرون إليه على اعتبار أنه نقد بنَّاء».

نقلًا عن جريدة «الوسط» الأسبوعية، الصادرة الخميس، 11 أغسطس 2016

محمد الزواوي.. فولتير على الطريقة الليبية
محمد الزواوي.. فولتير على الطريقة الليبية
محمد الزواوي.. فولتير على الطريقة الليبية
محمد الزواوي.. فولتير على الطريقة الليبية
محمد الزواوي.. فولتير على الطريقة الليبية

المزيد من بوابة الوسط

تعليقات

عناوين ذات صلة
نجاح المسلسل يعزز مبيعات سلسلة ألعاب «فولاوت»
نجاح المسلسل يعزز مبيعات سلسلة ألعاب «فولاوت»
إحياء الذكرى الخمسين لوفاة الأديب الفرنسي مارسيل بانيول
إحياء الذكرى الخمسين لوفاة الأديب الفرنسي مارسيل بانيول
شاهد: «الدراما الرمضانية.. تحدي التجديد، فهل من جديد؟»
شاهد: «الدراما الرمضانية.. تحدي التجديد، فهل من جديد؟»
تحضيرات مكثفة للدورة الثالثة لمعرض بنغازي الدولي للكتاب
تحضيرات مكثفة للدورة الثالثة لمعرض بنغازي الدولي للكتاب
بوشناف: الفن مرآة المجتمع
بوشناف: الفن مرآة المجتمع
المزيد
الاكثر تفضيلا في هذا القسم