Atwasat

37 سوقا في حلب القديمة.. «السقطية» تنهض من بين الأنقاض

القاهرة - بوابة الوسط الأحد 10 مارس 2019, 08:15 مساء
WTV_Frequency

على سطح سوق السقطية، أحد أشهر أسواق حلب القديمة، يتنقل المهندس باسل الظاهر بحماس بين عمال بناء ينهمكون في ترميم الأجزاء المتضررة من المعارك التي عصفت بالمدينة طيلة سنوات، ولم تنج منها أبرز المعالم الأثرية.

وشكّلت حلب في الشمال السوري، إحدى خطوط المواجهة الرئيسية بين القوات الحكومية وفصائل مسلحة بين صيف العام 2012 حتى نهاية 2016، تاريخ استعادة النظام السوري سيطرته على كامل المدينة. وبعد مرور ثماني سنوات على اندلاع النزاع، لا تزال المدينة القديمة والأحياء الشرقية ترزح تحت دمار كبير.

ويعدّ السقطية واحدا من بين 37 سوقاً تحيط بقلعة حلب الأثرية، واستقطبت قبل اندلاع النزاع في العام 2011 آلاف التجار والسياح. ويمتد السوق على طول نحو مئة متر في المدينة القديمة التي أدرجتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو) على قائمتها للتراث المهدد بالخطر جراء الأضرار والدمار والنيران التي لحقت بها خلال الحرب.

ويجول الظاهر (42 عاماً)، وهو واحد من ستة مهندسين يشرفون على عملية الترميم، بين عشرات العمّال على سطح السوق القديم ويعاين عن قرب عملهم. ينهمك ثلاثة منهم في رفع ردم الأرضية وتوضيبها في أكياس بيضاء بينما يكاد ينتهي آخرون من كسو قبة بحجارة بنية صغيرة.

تقديرات منظمة يونسكو: تضرر 60% من حلب القديمة وتدمير 30% منها بالكامل

وتميز القبب نصف الدائرية سقف السوق. وباتت ثلاث منها مطلية بالأبيض بينما لا تزال آثار الشظايا بادية على أخرى لم تصلها ورشة التأهيل بعد.

ويظهر أن الهدف من الأشغال في الدرجة الأولى «ترميم السوق من آثار الحرب ... وإزالة التشوّهات والتجاوزات» التي لحقت به جراء مخالفات بناء قديمة»، حسب ما أورد تقرير وكالة «فرانس برس، نقلا عن المهندس الظاهر الذي أضاف قائلا «أما الهدف الكبير فهو إعادة التجار إلى محلاتهم» تمهيداً لاستئناف العمل فيها.

وبدأ مشروع الترميم قبل أربعة أشهر بموجب هبة قدّمتها مؤسسة الآغا خان للمشاريع الثقافية. ويُتوقع أن ينتهي في مطلع يوليو المقبل. وتمكن الجيش السوري من السيطرة على كامل المدينة بعد سنوات من المعارك والقصف والحصار وإجلاء عشرات الآلاف من المقاتلين والمدنيين بموجب اتفاق رعته كل من إيران وروسيا الداعمتين لدمشق وتركيا الداعمة للفصائل.

مشروع العمر
ولطالما اشتهرت حلب بأسواقها التجارية القديمة التي تعدّ من أقدم الأسواق في العالم، وتمتد من باب أنطاكية غربا حتى مدخل قلعة حلب شرقاً، على مساحة تفوق الـ160 ألف متر مربع تقريباً. في سبتمبر 2012، احترقت هذه الأسواق بسبب القصف، وهُدمت مئذنة الجامع الأموي القريب منها خلال المعارك. وتقدر منظمة يونسكو أن 60% من المدينة القديمة تضرر بشدّة، بينما 30% منها بالكامل.

ويبدو سوق السقطية أفضل حالاً من الأسواق الأخرى، إذ لا تتجاوز نسبة الدمار فيها 30%، وفق المهندس الظاهر، الذي قال «لا أعتبر نفسي جزءاً من مشروع تجاري بقدر ما أعتبر أنني أساهم في إعادة رسم التاريخ من خلال ترميم ملامح هذا السوق»، ويضيف بفخر «بالنسبة إليّ، إنه مشروع العمر».

ويطلّ سوق السقطية على قلعة حلب التي تعدّ نموذجاً مشهوراً للعمارة العسكرية الإسلامية في القرون الوسطى وتسبب تفجير صيف العام 2015 بتدمير جزء من السور المحيط بها. وتجاور كذلك الجامع الأموي الذي تقوم مؤسسة الإسكان التابعة للإنشاءات العسكرية بأعمال ترميمه بهبة قدّمتها جمهورية الشيشان.

وتشهد حلب القديمة مشاريع إعادة تأهيل صغيرة مثل ترميم مديرية الآثار السورية لمتحف التقاليد الشعبية، فيما لا تزال الأحياء الشرقية على حالها منذ انتهاء المعارك. وتقتصر أعمال الترميم فيها على مبادرات فردية محدودة بينما تعمل السلطات على تأهيل البنى التحتية وإعادة الخدمات تدريجياً.

«نعالج» الحجر
ويشير الباحث المتخصص في تاريخ حلب القديمة علاء السيد إلى أن بعض الدراسات تُظهر أن أسواق حلب القديمة يعود تاريخها «إلى 300 سنة قبل الميلاد، أي عمرها أكثر من ألفي عام». وعن إمكانية إعادة بنائها، يقول السيّد وهو ابن حلب وأحد المشرفين على مشروع يهتمّ بتوثيق تاريخها، إن المدينة تعرضت لعدد كبير من الزلازل والغزوات على مرّ العصور هدّمت أسواقها، لكن «أعيد بناؤها في كل مرة».

«الحجر سيعود، لكن الأهم هو عودة أصحاب المحلات وعودة الحياة من خلال الناس التي تنعش السوق»

ويتحدّث السيد عن أهمية أسواق حلب كونها «أطول وأقدم أسواق مسقوفة في العالم»، وهي تضمّ مئات الدكاكين والخانات والحمامات والمدارس والمساجد والفعاليات الاجتماعية. ويقول ضياء العيسى (38 عاماً) الذي يشرف على عملية إعادة تأهيل أحد أبواب السوق الضخمة، وهو من بين نحو ستين عاملاً يشاركون في الترميم، إن «عمليات الترميم اليوم لا تشبه تلك التي كانت تجري في الماضي أبداً».

ويضيف الرجل الذي ارتدى خوذة بيضاء، «كنّا نعالج قشرة الحجر جراء الزمن والرطوبة والهواء. أما اليوم، فنحن نعالج الحجر بسبب شظايا القذائف وآثار الحرائق ونعيد بناء قبب دُمّرت بالكامل». ويبدو العيسى متفائلاً بإمكانية إعادة السوق إلى ما كان عليه قبل الحرب، لافتاً إلى أن عمليات الترميم ستجري «من دون التدخل في مراحله التاريخية وبأقل قدر ممكن من هدر الخشب والحجر».

ويبدو زميله محمد باقية (47 سنة) واثقاً من أن «الحجر سيعود، لكن الأهم هو عودة أصحاب المحلات وعودة الحياة من خلال الناس التي تنعش السوق»، ويقول «مهما كان السوق جميلاً، لن يكون كذلك في حال كان خالياً من الناس».

المزيد من بوابة الوسط

تعليقات

عناوين ذات صلة
الاحتلال يعدم مدنيين فلسطينيين خلال محاولتهم العودة لشمال غزة (فيديو)
الاحتلال يعدم مدنيين فلسطينيين خلال محاولتهم العودة لشمال غزة ...
3 شهداء و20 مصابا جراء قصف منزل في حي الشجاعية بغزة
3 شهداء و20 مصابا جراء قصف منزل في حي الشجاعية بغزة
الاحتلال يعتقل 7845 فلسطينيا من الضفة منذ 7 أكتوبر
الاحتلال يعتقل 7845 فلسطينيا من الضفة منذ 7 أكتوبر
ارتفاع حصيلة حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة إلى 32 ألفا و552 شهيدا
ارتفاع حصيلة حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة إلى 32 ألفا و552 ...
الجمعية الوطنية الفرنسية تتبني قرارا يندد بمجزرة بحق الجزائريين قبل 63 عاما
الجمعية الوطنية الفرنسية تتبني قرارا يندد بمجزرة بحق الجزائريين ...
المزيد
الاكثر تفضيلا في هذا القسم