Atwasat

المسار السياسي لتونس بعد الاستقلال (1956 - 2014)

القاهرة - بوابة الوسط السبت 15 نوفمبر 2014, 05:40 مساء
WTV_Frequency

خلال العقود الماضية ظلت الجمهورية التونسية بمنأى عن التجاذبات السياسية التي طالما عرفها العالم العربي، خاصة المتعقلة منها بالاستقرار السياسي وأعمال العنف.

فتونس التي خرجت من دائرة السيادة الفرنسية في (20 مارس 1956)، سلكت طريقها سريعًا نحو الحداثة، بينما انشغلت الدول المحيطة بها إما بالمحاولات العسيرة لانتزاع الاستقلال أو التناحر على السلطة.

وإن كان المُلاحِظ للتاريخ التونسي ما قبل ثورة (14 جانفيي 2011)، لن يرى من معالم الديمقراطية إلا كما يرى في تونس اليوم من معالم الاستبداد، فإنَّ حُكام تلك الحقبة لا يعدمون مَن يتغنى بمآثرهم.

وسنتناول في الآتي أهم مراحل نظامي الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي، مرورًا بثورة «14 يناير 2011»، أو «ثورة الياسمين» كما يحلو للبعض تسميتها، وما صاحبها من تحوُّلات جذرية أسست لجمهورية ثانية، تختلف في كثير من جوانبها عن الجمهورية الأولى.


الحبيب بورقيبة (25 يوليو 1957 - 7 نوفمبر 1987).
تولَّى الحبيب بورقيبة، أو الزعيم كما يحلو لكثيرين تسميته، سدة الحكم في الجمهورية الوليدة بعد سنة وأشهر من استقلالها عن فرنسا، ففي الـ25 من يوليو 1957 أعن قيام الجمهورية التونسية وبذلك طوى صفحة الملكية في البلاد.

وهكذا بدأ بورقيبة في تطبيق برنامجه في إنشاء دولة حديثة تأخذ من نمط الحضارة الغربية مثالاً لها من حيث العمران وعادات الإنسان.

وفي ديسمبر 1962 كشف نظام الرئيس بورقيبة محاولة انقلابية شارك فيها عسكريون ومدنيون وقُدِّموا للقضاء العسكري وحُكم على أغلبهم بالإعدام، وبعد ذلك بعام واحد أُجلي آخر جندي فرنسي عن التراب التونسي.

في ستينات القرن الماضي اتبع بورقيبة «سياسة التعاضد» التي ارتبطت بالسياسي والوزير الأسبق أحمد بن صالح، وهي سياسة تتمثل في تجميع الأراضي الفلاحية، ولكنها مُنيت بالفشل ما دفع الرئيس بورقيبة إلى تبني سياسة ليبرالية منذ بداية السبعينات قادها الوزير الأول حينها الهادي نويرة.

ما أن بدت الأمور تنساق وفق تصورات الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة حتى اتخذ قرارًا بإجراء تعديل على دستور الجمهورية في 27 ديسمبر 1974، يقضي بإسناد السلطة إليه مدى الحياة.

لكن الأوضاع العامة ما فتئت أن انقلبت في النصف الثاني من سبعينات القرن الماضي، ففي يناير 1978 أعلن الاتحاد العام التونسي للشغل إضرابًا عامًا في البلاد وهو ما أدى إلى مواجهات وصدامات في الشارع يوم 26 يناير 1978، وسقط خلالها العشرات فيما يُعرف في تونس بـ«الخميس الأسود»، وإثر تلك الأحداث أُلقي القبض على القيادات النقابية، ليطلقوا سنة 1980 في ظرفية جديدة، ثم استمرت وضعية الشد والجذب بعد ذلك بين الاتحاد العمالي ونظام بورقيبة.

لكن الاحتجاجات العنيفة عادت إلى الشارع التونسي في يناير 1984، إثر ارتفاع أسعار الخبز، فتظاهرت فئات شعبية تحت شعار «انتفاضة الخبز»، وكان أن حدثت مواجهات بين المتظاهرين وقوات الأمن، وشملت الاحتجاجات أهم المدن التونسية، خاصة (تونس والقصرين وقفصة وقابس وصفاقس وقبلي).

في الأول من أكتوبر 1985، وحينما كانت صفحة حكم بورقيبة توشك على الاختفاء، شنَّ الطيران الإسرائيلي غارة جوية على مقر القيادة الفلسطينية في الضاحية الجنوبية للعاصمة التونسية وهي الغارة التي دانها مجلس الأمن في 14 أكتوبر من ذات العام.

في السابع في نوفمبر 1987 أزاح الوزير الأول زين العابدين بن علي رئيس الجمهورية الحبيب بورقيبة، كما حُجِبت أخباره عن وسائل الإعلام وبذلك غُيِّب عن الأنظار، واستند بن علي في إزاحة بورقيبة إلى الفصل 57 من الدستور الذي ينص على أن يتولى الوزير الأول رئاسة الجمهورية في حالة عجز أو وفاة رئيس الجمهورية، وعزز بن علي قراره بتقرير طبي أصدرته مجموعة من الأساتذة الأطباء، فجر يوم 7 نوفمبر، ينص على عجز الرئيس بورقيبة عن أداء مهامه، وبذلك انتهت حقبة وبدأت أخرى.


زبن العابدين بن علي (7 نوفمبر 1987 - 14 يناير 2011)

تولَّى بن علي رئاسة تونس في انقلاب غير دموي، سُمِّي آنذاك بـ«انقلاب الأطباء» كونه اعتمد على تقرير طبي يؤكد أنَ بورقيبة لم يعد قادرا صحيًّا على مزاولة مهامه.

ليلة الانقلاب «الطبي البوليسي» -كما سمَاه الرئيس التونسي الحالي محمد المنصف المرزوقي في أول خطاب له- سمع التونسيون لأول مرة عبر موجات الإذاعة صوت الرئيس بن علي وهو يقرأ نص بيانه الشهير.

وقد تضمَّن ذلك البيان معظم تطلعات التونسيين ونخبتهم، ومنذ ذلك التاريخ، دخلت تونس دورة جديدة دون أن تقطع مع العهد السابق، حيث فتح الرئيس بن علي لأول مرة قصر قرطاج في وجه الأحزاب والمثقفين من غير المنتمين للحزب الدستوري الحاكم منذ استقلال البلاد.

لكن تلك الفسحة السياسية لم تدم طويلاً، فسرعان ما اندلعت موجهات بن علي والمعارضة، خاصة حركة «النهضة»، وبذلك بدأ بن علي يتبع أسلوبًا جديدًا في التعامل مع المعارضة والمجتمع المدني.

على ذلك النحو ظلت الحياة السياسية في تونس تعيش على وقع الشد والجذب، وشهدت البلاد انتخابات في الأعوام (1989 و1994و1999و2004)، لكن المعارضة ما فتئت تقول إنَّها انتخابات معلومة وصناديق كاذبة خاطئة.

ولم يكن نظام بن علي ليتساهل مع أي معارضة حتى لو بدت علمانية، فلاحق الصحفيين والحقوقيين والمحامين، وتعالت صيحات الحقوقيين في الداخل وفي الخارج ضد رجل وصفوه بـ«المضطهد» لكافة فئات الشعب التونسية، وطنية وإسلامية ويسارية وليبرالية وحتى جهوية.

أجرى بن علي أكثر من تعديل دستوري، ففي 2009 عدل الفصلين 39 و40 لإزالة الحد الأقصى لتقلد المنصب الرئاسي ومنحه الحق في الترشح لانتخابات لرئاسة 2009، مقابل مواصلة حظر أحزاب سياسية قوية وفاعلة.

وقد ظلت قضايا حقوق الإنسان في تونس تثير جدلاً واسعًا خلال حكم بن علي، خاصة اعتقال المعارضين وتزايد أعداد سجناء الرأي.

ويقول خبراء اقتصاديون إنَّ ثلاث عائلات فقط كانت تتحكم في الاقتصاد التونسي وهي عائلات «الطرابلسي» و«بن عياد» و«بن يدر»، وجميعها متصاهرة مع الرئيس أو عائلته، وقد كانت تلك العائلات تُحكِم السيطرة على شركات الاتصالات والإنترنت والسياحة ومساحات الزراعة.

الثورة.. الصراع بين زمنين
في 17 ديسمبر أقدم البائع المتجول محمد البوعزيزي في سيدي بوزيد وسط الغرب التونسي على إضرام النار في نفسه احتجاجًا على ما اعتبرها «معاملة مسيئة» من طرف شرطية تابعة للبلدية، ما أدى إلى إطلاق حركة احتجاج شعبية ضد الفقر والبطالة.

وسرعان ما اتخذت التطورات منحى سياسيًّا وامتدت إلى كافة أنحاء البلاد فسقط 338 تونسيًّا، فضلاً عن آلاف الجرحى، بحسب المصادر الرسمية.

وما هي إلا أسابيع قليلة حتى فرَّ بن علي إلى السعودية بعد حكم دام 23 عامًا، كما فرَّ كثيرٌ من أفراد عائلته وعائلة زوجته المتهمين بممارسة الفساد على نطاق واسع.

وفي 15 يناير أعلن المجلس الدستوري التونسي حالة «الشغور الدائم» لمنصب الرئاسة وعُيِّن وفق أحكام دستور 1959 رئيس مجلس النواب فؤاد المبزع رئيسًا موقتًا، بينما كانت البلاد تعيش حالة غير مسبوقة من غياب الدولة.

واصل الوزير الأول محمد الغنوشي أداء مهامه على رأس الحكومة، لكن تظاهرات خرجت في 25 فبراير ضد الحكومة وللمطالبة بانتخاب مجلس تأسيسي لوضع دستور جديد لتونس، وكان أن عين الرئيس الموقت السياسي المخضرم ورئيس حزب «نداء تونس» حاليًّا الباجي قائد السبسي رئيسًا لحكومة انتقالية وسط تحديات جمة.

وفي أكتوبر 2011 جرت أول انتخابات حرة في تونس، فازت فيها حركة «النهضة» الإسلامية بـ 89 مقعدًا ما أهلها لتشكيل الحكومة.

وفي 12 ديسمبر انتخب المجلس التأسيسي (البرلمان الانتقالي) المعارض البارز محمد المنصف المرزوقي رئيسًا للجمهورية غداة مصادقته على القانون التأسيسي للتنظيم الموقت للسلطة العامة وتكليف حمادي الجبالي الرجل الثاني في النهضة بتشكيل الحكومة.

وبعد أشهر وتحديدًا في 12 يونيو 2012، وقعت هجمات على عدة مدن سقط خلالها قتيلٌ ومئات الجرحى، شنتها عناصر من التيار السلفي ومشاغبون بعد أن خرَب سلفيون معرضًا للفنون التشكيلية باعتبار أنَّه مخالفٌ للإسلام.

وفي 14 من سبتمبر هاجم مئات المتظاهرين المتشددين سفارة الولايات المتحدة الأميركية في تونس بعد بث مقتطفات من شريط معادٍ للإسلام على الإنترنت، سقط أربعة قتلى من المهاجمين وعشرات الجرحى.

وفي 6 من فبراير 2013 اُغتِيل المعارض اليساري شكري بلعيد بالرصاص في العاصمة التونسية، وإثر ذلك حدثت احتجاجات عنيفة في عدد من المدن، وأدى ذلك إلى أزمة سياسية أفضت إلى استقالة الحكومة وتعيين رئيس جديد للوزراء وهو علي العريض الذي ينتمي إلى حزب النهضة.

لكن التعافي السياسي لم يدم طويلاً، ففي 25 من يوليو اُغتِيل المعارض القومي محمد البراهمي أمام منزله بالقرب من تونس، مما أغرق البلاد بأزمة سياسية جديدة.

وفي نفس الأسبوع قُتل ثمانية جنود في جبل «الشعانبي» على الحدود مع الجزائر، حيث تلاحق السلطات مجموعة مرتبطة بـ«القاعدة» منذ 2012، وهكذا وجدت «الترويكا» فزاد ذلك من خلط الأوراق.

لكن منظمات في المجتمع المدني وهي (الاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان والهيئة الوطنية للمحامين في تونس)، دخلت على الخط بمبادرة تسعى لإنهاء الأزمة.

وفي 26 من يناير 2014، وبعد أشهر من المفاوضات الصعبة والصاخبة للخروج من الأزمة السياسية، وقَّع القادة التونسيون على الدستور بعد تأخير استمر أكثر من عام.

وفي 26 من يناير شُكِّلت حكومة تكنوقراط بقيادة وزير الصناعة الأسبق مهدي جمعة، وعلى رأس مهام تلك الحكومة التحضير لانتخابات تشريعية ورئاسية ومكافحة الأعمال الإرهابية وإعادة العافية إلى الاقتصاد.

المسار السياسي لتونس بعد الاستقلال (1956 - 2014)
المسار السياسي لتونس بعد الاستقلال (1956 - 2014)
المسار السياسي لتونس بعد الاستقلال (1956 - 2014)
المسار السياسي لتونس بعد الاستقلال (1956 - 2014)

المزيد من بوابة الوسط

تعليقات

عناوين ذات صلة
3 شهداء حصيلة عدوان الاحتلال على جنين خلال قصف بمسيّرة
3 شهداء حصيلة عدوان الاحتلال على جنين خلال قصف بمسيّرة
وزيرا خارجية مصر وبريطانيا يبحثان جهود التوصل إلى اتفاق للتهدئة في غزة
وزيرا خارجية مصر وبريطانيا يبحثان جهود التوصل إلى اتفاق للتهدئة ...
استقالة مسؤولة كبيرة في الخارجية الأميركية رفضا لاستمرار إمداد إسرائيل بالأسلحة
استقالة مسؤولة كبيرة في الخارجية الأميركية رفضا لاستمرار إمداد ...
شاهد: المقاومة الفلسطينية تقصف تجمعات لجنود الاحتلال في محيط مجمع الشفاء
شاهد: المقاومة الفلسطينية تقصف تجمعات لجنود الاحتلال في محيط مجمع...
«حماس» تنشر رسالة مسجلة لقائد «القسام» محمد ضيف تدعو إلى «الزحف» نحو فلسطين
«حماس» تنشر رسالة مسجلة لقائد «القسام» محمد ضيف تدعو إلى «الزحف» ...
المزيد
الاكثر تفضيلا في هذا القسم