مع اكتمال إعلان النتائج الأولية للانتخابات التشريعية في تونس، تتوالي التهاني من كل أطراف الدنيا للشعب التونسي ومن اختارهم لتمثيله في السنوات الخمس الأولى من عمر الجمهورية الثانية.
وتظهر النتائج الأولية شبه النهائية فوز حزب «نداء تونس» بزعامة رئيس الحكومة الأسبق الباجي قائد السبسي في الانتخابات التشريعية التي جرت الأحد الماضي بنسبة 38.24 %،، فيما حلت حركة «النهضة» الإسلامية في المرتبة الثانية بنسبة 31.33 %.
لكن مفاجأة الانتخابات التونسية جاءت على شكل خسارة مدوية مني بها حليفي «النهضة» في حكومة «الترويكا» التي تولت حكم البلاد بعد انتخاب المجلس التأسيسي في أكتوبر 2011.
نحو الدولة
يرى متابعون للملف التونسي أن فوز حزب «نداء تونس»، بأكثرية المقاعد البرلمانية يعبر بصورة واضحة عن رغبة التونسيين في تجاوز مرحلة الثورة وتجاذباتها إلى مرحلة أكثر مؤسسية ونضجًا، عبر تسليم السلطة لحزب يضم أغلب رموز الإدارة التونسية السابقة، وإن كان ثمة من يقولون إن حزب «نداء تونس» ليس سوى واجهة منقحة من حزب التجمع الدستوري المنحل.
لكن المتفق عليه لدى التونسيين أن عقارب الساعة لن تعود إلى الوراء، فبعد المصادقة على دستور الجمهورية الثانية، الذي يضمن الحريات والحقوق المدنية والسياسية ولا يقبل بحال الحد منها، ليس من الوارد أن تعود الممارسات القمعية التي سادت مرحلة بن علي، وفق معارضين سابقين.
من يصفون رجال «نداء تونس» بأنهم رجال دولة، يقولون إن حكم «الترويكا» شهد فشلاً ذريعًا، بفعل انعدام الخبرة لدى أطراف الحكم الثلاثة، القادمين يومذاك من سنوات المعارضة في المهجر.
كما تعبّر نتائج الانتخابات، وفق مراقبين، إلى حنين غالبية التونسيين إلى «الحقبة البورقيبية»، القائمة على فكرة الحداثة ومقتضياتها من الاستقرار والخدمات النوعية في مجال التعليم والصحة.
سقوط «المؤامرة»
ظلت «المؤامرة» خلال السنوات الأربع الأخيرة من المصطلحات المتداولة بكثرة في سياق الحديث عن ثورات الربيع العربي، لكن التونسيين من خلال تصويتهم في الانتخابات التشريعية أسقطوا إلى حد ما، كل ما ترمى به تلك الثورات التي أسقطت أنظمة عربية وهزت أخرى.
فقد بدا واضحًا أن التونسيين، حين خرجوا في الشوارع مطالبين فإنهاء الحكم الاستبدادي نهاية العام 2010، لم تكن تحركهم سوى ذات الضمائر التي توجهوا بها إلى صناديق الاقتراع قبل يومين، لاختيار ممثليهم في البرلمان القادم.
وفي السياق نفسه يعتبر متابعون للشأن التونسي أن فكرة انخراط جهات سياسية بعينها في «مؤامرة» ضد أطراف أخرى أمر أقرب للمستحيل منه إلى أي شيء آخر، ذلك أن النخبة السياسية بكافة أشكالها تستند إلى جمهور يتابع أغلبه مجريات الأحداث بدقة وتمحيص، نظرًا لمساحات الوعي الشاسعة لدى التونسيين.
سلوك ديمقراطي
على سنة الأحزاب الديمقراطية العريقة، بادرت حركة «النهضة» بتهنئة حزب «نداء تونس» الفائز بالانتخابات، واعترفت الحركة بأن عوامل موضوعية هي ما أدت إلى تراجعها نسبيًا عن النسبة التي حصلت عليها في انتخابات أكتوبر 2011.
وقال نائب رئيس الحركة عبدالفتاح مورو إن ما حققته الحركة بحلولها ثانيًا يعد إنجازًا كبيرًا رغم أنه لم يكن على مستوى الآمال والتوقعات؛ «لأن هذه الآمال كانت قائمة على عاطفة فقط وليس على حسابات»، وفق ما نقلت «قناة الجزيرة» مساء الاثنين.
وفي أول رد على نتائج الانتخابات، أعلن أول مترشح للرئاسة الإعلامي الهاشمي الحامدي مغادرة السباق الرئاسي، دون أن يشكك في نزاهة العملية الانتخابية. هكذا يبدو أن تونس قد عبرت فعليًا مرحلة الثورة إلى مرحلة الدولة، بعد أربع سنوات عاشت خلالها أزمات سياسية واقتصادية وأمنية تعددت أسبابها وتداعياتها.
تعليقات