Atwasat

3 معادلات.. هل تحسم مصير «الاتفاق السياسي» وتفتح الطريق أمام وفاق حقيقي؟

بنغازي - بوابة الوسط الجمعة 25 نوفمبر 2016, 02:15 مساء
WTV_Frequency

على وقع تطورات الدّاخل الدرامية، وتحرّكات وتصريحات الخارج، عاد الحديث والجدل بشدّة عن تفاعلات وتعقيدات الأزمة الليبيّة، وفرضت هذه التطوّرات نفسها على الأوساط السياسية والإعلامية والشعبية وعلى اللاعبين الإقليميين والدوليين ذوي العلاقة الوثيقة بهذه الأزمة، خاصّة من زاوية المراهنة على استمرار «الاتفاق السياسي» الذي وقع بمدينة الصخيرات المغربية في 17 ديسمبر 2015، وتم تقديمه من جانب الأمم المتحدة على أنه «حدث تاريخي» يمثل مخاضاً لـ «ميلاد ليبيا الجديدة».

ما عزّز هذه الأجواء هو تفجّر الوضع هذا الأسبوع بشكل ملفت في مناطق البلاد الرئيسة الثلاث، بنغازي وطرابلس وسبها، ما جعل كثيرين يوصفون هذا الأسبوع بـ"الأسبوع الدّامي"، من تفجير السيارة المفخّخة قرب مستشفى الجلاء ببنغزي، إلى حرب الأيام الستّة بين أبناء قبيلتي أولاد سليمان والقذاذفة في سبها، إلى توتّر الوضع الأمني في طرابلس بعد الإعلان عن مقتل عضو هيئة علماء دار الافتاء بطرابلس الشيخ نادر العمراني وتداعياته، وعلى رأسها إعلان حالة الاستنفار في صفوف عدد من المجموعات المسلّحة المنتشرة في العاصمة طرابلس.من هنا طرح سؤال مستقبل الاتّفاق السيّاسي نفسه كسؤال يعني مباشرة مستقبل ليبيا في ظلّ التصارع السياسي والحروب الدّائرة هنا وهناك، وحتمية ذلك في رسم صورة ما لهذا المستقبل.

في الأثناء استمرّ الجمود السّياسي الذي عطل صيغة التوافق المنصوص عليها في هذا الاتفاق، على الرغم من محاولات تحريكها سواء من جانب قوى محلية، أو من جهات خارجية كالأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي والجامعة العربية، عبر حركة مبعوثي هذه الجهات أو تصريحاتهم.

ونظرًا لأن «حكومة الوفاق»، التي يرأسها فائز السراج، تشكل الجسم السياسي الذي انبثق عن هذا الاتفاق، ثم تحمل العبء الأكبر لتنفيذه، ربط محللون بين قدرتها على مقاومة الضغوط الملقاة عليها ونجاح الصيغة التوافقية التي يحملها، فيما ذهب أخرون إلي أن مصير هذه الحكومة سيحدد كثيراً من ملامح العلاقة بين مختلف الأطراف السياسية المتنافسة داخل البلاد من جهة، ودور الجيش وقيادته في اعادة بناء الدولة، فضلاً عن مصير الأشكال والمسميات العسكرية النشطة في عدة مناطق من الجهة الثانية.

بعض الشواهد التي ظهرت خلال الأيام الماضية تعزز الاعتقاد بأن الأيام المقبلة قد تشهد خطوات فارقة باتجاه عبور عتبة الجمود الراهن.

وحسب متابعين، فإن بعض الشواهد التي ظهرت خلال الأيام الماضية تعزز الاعتقاد بأن الأيام المقبلة قد تشهد خطوات فارقة باتجاه عبور عتبة الجمود الراهن حتى وإن بقيت طبيعة هذه الخطوات ضبابية للمتابعين.

من بين هذه الشواهد ما تعرضت له حكومة الوفاق من توترات داخلية هزت صورتها محليا وأمام المجتمع الدولي الداعم لها، في مقابل تجديد «الحكومة الموقتة» دعوتها لحل داخلي يعتمد على ما سمته «الشرعية الدستورية»، وكذلك إعلان رئيس ما يُعرف بـ« حكومة الانقاذ» تراجعه عن دعم الاتفاق السياسي، واستعداده للتعاون مع «الموقتة» من أجل «مصلحة المواطن الليبي».

وعلى الرغم من تعقيد المشهد الليبي وتعدد الأطراف المؤثرة في مساراته، تتفق التحليلات التي سعت للإجابة على سؤال المستقبل على وجود ثلاثة معادلات كبرى ،ستحدد طريقة حسمها من سيلعب الدور الرئيس في صياغة سيناريو ما بعد الجمود، الذي يتراوح – وفق تقديرات أولية – بين تعديل اتفاق الصخيرات بما يسمح للقوى والكيانات الرئيسة في البلاد بالانخراط في مساره ومن ثم الاستفادة بالدعم الدولي، أو طي صفحته بطريقة هادئة والشروع في عملية سياسية جديدة تحكمها توازنات القوى والنفوذ والتوافقات على الأرض، دون إهمال مسار ثالث محتمل يلعب فيه الجيش الدور الرئيس، حتى وإن لم يسيطر على السلطة بشكل مباشر.

رؤى لم تصل إلى صيغة السيناروهات طرح هنا وهناك من قبل بض الفرقاء السّيّاسيّين تصبّ في اتّجاه محاولة نزع القدسيّة عن اتّفاق الصخيرات وإعادته إلى طاولة التفاوض واستحضار المسودّة الرّابعة التي طرحت فكرة (1+2)، أي رئيس للمجلس الرئاسي ونائبان له، لكنّ المتخوّفين على مصير الاتّفاق يخشون من أن الاتفاق إذا فتح فلا ضامن لأن تكون هذه الخطوة محدّدة محدودة، وقد تفتح الباب على مصراعيه أمام الخوض في التّفاصيل، ما يهدّد بانفراط عقد الاتّفاق.إلى ذلك فإن فريق الرئاسي أو "الوفاق" المتمترس بشرعيّة الاتفاق المدعوم دوليّا، لا يبدو أنه يرى جدّية في خطاب خصومه حين يطرحون مطلب فتح الاتّفاق للتفاوض من جديد، ويعتقد أن هؤلاء لهم مشروعهم الخاص المدعوم أيضا من أطراف اقليميّة، في مقابل مشروع "الاتّفاق" وأن طرحهم هذا هو من باب المناورة السيّاسيّة فقط، وهو ما يكشف مسألة جوهرية وراء الانسداد السّيّاسي، ألا وهي مسألة انعدام الثّقة، بين أطراف الأزمة، واستسلام الجميع لنظرية الخوف، ما يتطلب مزيد الوقت ومزيد التنازلات ومزيد التوافق من أجل الوصل إلى اتّفاق نهائي ينتشل البلاد من أزمتها.

«الوفاق» و«الاتفاق».. بين الطي والتعديل
حتى الآن، ما زالت حكومة الوفاق تحظى بدعم دولي وإقليمي كثيف، باعتبارها مظلة توافقية قادرة على كسر أجواء الاستقطاب الذي جرَّ الليبيين إلى حافة الحرب الأهلية، ثم بوصفها الكيان الرئيس المعبر عن مرجعية اتفاق الصخيرات، الذي وقع بعد جهود مضنية استمرت قرابة العام.

شاركت «الوفاق» في الاجتماعات الإقليمية الخاصة بليبيا وأهمها القمة الأفريقية التي عقدت بأديس أبابا.

ورغم أن بدء «حكومة الوفاق» عملها كان يتطلب الحصول على ثقة مجلس النواب، إلا أن أعضاء مجلسها الرئاسي بدؤوا في الوصول إلى طرابلس يوم 30 مارس الماضي قادمين من تونس، وباشروا آنذاك في تسلم المقار الحكومية، ولاحقاً أخفق المجلس الرئاسي في الحصول على ثقة مجلس النواب على أكثر من تشكيلة حكومية، لكنه واصل العمل مستفيداً من دعم القوى الخارجية.

وخلال الأشهر الماضية، حصلت «حكومة الوفاق» على دفعات دولية كبيرة، جسدتها تصريحات تأييد متكررة من جانب المبعوث الأممي مارتن كوبلر ومسؤولين غربيين وعرب، وكذلك دعوتها لتمثيل ليبيا في العديد من المحافل الدولية، وبالذات اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة التي تحدث السراج أمامها عن الأوضاع الداخلية، داعياً دول العالم إلى مساندة جهود المصالحة الوطنية.

كما شاركت «الوفاق» في الاجتماعات الإقليمية الخاصة بليبيا، وأهمها القمة الأفريقية التي عقدت بأديس أبابا، واجتماع دول الجوار في نيامي، فضلاً عن اجتماع لندن الذي تم بحضور كل من بريطانيا والولايات المتحدة، ومحافظ مصرف ليبيا المركزي الصديق عمر الكبير، والمبعوث الأممي، وعدة دول من بينها السعودية والإمارات، علماً بأن هذا الاجتماع بالذات أثار جدلاً داخلياً، بعد اتهام السراج من جانب قوى محلية بالعمل على رهن موارد الدولة للجهات المالية الدولية.

وعلى الرغم من تأكيد «الوفاق» أهمية هذا الاجتماع، كونه «ناقش سبل حل أزمات السيولة وسعر الصرف، وتدهور إنتاج النفط والتحديات التي تواجه عمل المجلس الرئاسي في ظل الانقسام الحالي وزيادة وتيرة الصراع»، صعدت الأطراف الأخرى من وتيرة هجومها عليه، مستفيدة بالتوتر المتصاعد بين السراج وعدد من أعضاء المجلس الرئاسي، بسبب إصداره عدداً من القرارات دون الرجوع إليهم، مع تنامي الاتجاه لتعديل «اتفاق الصخيرات».وحملت تصريحات أطلقها نائب رئيس المجلس الرئاسي فتحي المجبري، ضد السراج الأسبوع الماضي، رسالة واضحة بأن مستقبل «الوفاق» في خطر، إذ حذر المجبري رئيس المجلس الرئاسي من الانفراد باتخاذ القرارات وخرق الاتفاق السياسي، معتبراً أن «التجاوزات» التي يقوم بها الأخير «تهدد استمرارية عمل المجلس الرئاسي واستمرارية الاتفاق السياسي برمته» وحمَّله المسؤولية «شخصياً عن كل النتائج التي يمكن أن تترتب عن انهيار الاتفاق السياسي والعملية السياسية في ليبيا».

ثم عمق نائب ثاني لرئيس المجلس هو علي القطراني من أزمة السراج بإعلانه قبل أيام نيته وزميله علي الأسود الاستقالة من موقعيهما «إذا لم تجر الاستجابة إلى مطالبهما قبل 15 ديسمبر المقبل»، مشيراً إلى «أن المبعوث الأممي طرح اختيار 15 شخصية تمثل الأقاليم الثلاثة، مخولة لاختيار الرئيس ونائبيه وإلغاء المادة الثامنة من الاتفاق السياسي وإرجاع منصب القائد الأعلى لمجلس النواب»، مشيراً إلى أن كوبلر أكد «أننا وصلنا إلى طريق مسدود والمجلس الرئاسي أصبح شبه عاجز بشكل تام».

وقال القطراني: «إن كوبلر طرح اختيار 15 شخصية تمثل الأقاليم الثلاثة يجري اختيارهم من مجلس النواب ومجلس الدولة والمجلس الرئاسي، لكننا طالبنا بأن يجري اختيار 15 شخصاً من قبل رئيس مجلس النواب عقيلة صالح كونه معارضاً الاتفاق السياسي، وامحمد اشعيب كونه مؤيداً الاتفاق، وكتلة السويحلي في المؤتمر الوطني كونه مؤيداً الاتفاق، وكتلة الشريف الوافي في المؤتمر الوطني كونه معارضاً الاتفاق، ولدينا شروط واضحة وصريحة لتعديل هذا الاتفاق، ولابد من فتح الاتفاق السياسي والعودة للمسودة الرابعة، وإبقاء القائد الأعلى لدى مجلس النواب، هذه المطالب أخذنا بها شبه وعود من كوبلر».

يتوافق الاتجاه لتعديل الاتفاق السياسي مع ما خلصت إليه «مجموعة الأزمات الدولية» في تقريرها الأخير عن ليبيا.

ويبدو أن الاتجاه لتعديل «الاتفاق السياسي» سيوفر مخرجاً لحكومة الوفاق من أزماتها المتكررة، إذ ذكرت مصادر شاركت في اجتماع لجنة الحوار السياسي التي عقدت قبل أسبوعين في العاصمة المالطية فاليتا أنَ رئيس البعثة الأممية وافق بالفعل على اقتراح التعديل والعودة إلى المسودة الرابعة.

وأضاف المصدر ذاته أن «كوبلر أكَد أهمية التعامل مباشرة مع الأطراف الحاكمة على الأرض، لإيجاد حل جذري لهذه الأزمة، ولتكن كل العوائق والتحديات واضحة على طاولة الحوار الليبي، مشيراً إلى أنَ الأسلوب المتٌبع في الماضي لم يجلب أي نتائج إيجابية».

ويتوافق الاتجاه لتعديل الاتفاق السياسي مع ما خلصت إليه «مجموعة الأزمات الدولية» في تقريرها الأخير عن ليبيا، إذ رأت أن هذا الاتفاق «لم يساهم في حل الصراعات الداخلية، بل أعاد هيكلتها»، معتبرة أن الأمر يستدعي «مفاوضات جديدة، تشمل أطرافاً أمنية، خاصة منها التي لم تشارك في اتفاق الصخيرات، من أجل التوصل إلى حكومة وحدة أكثر توازناً».

«الموقتة» و«الإنقاذ»... مصالح أم تصالح؟
يتمسك مجلس النواب الذي يمثل -وفق اتفاق الصخيرات- قاطرة الحل السياسي في البلاد، بـ«الطريق الدستوري»، ويدعو دول العالم للتعامل المباشر مع «الحكومة الموقتة» برئاسة عبدالله الثني باعتبارها «صاحبة الشرعية»، خلافاً لحكومة السراج التي تنشط بغير مظلة قانونية أو شعبية، وفق تعبير رئيسه عقيلة صالح.

وأعاد مجلس النواب قبل يومين التأكيد على هذا الموقف، عبر تصريح أطلقه فتحي المريمي المستشار الإعلامي لرئاسته، وجاء فيه أن «هناك خطأ كبيراً لدى العديد من الدول حول المجلس الرئاسي التابع لحكومة الوفاق»، مضيفاً أنه «حتى إذا دعمته بعثة الأمم المتحدة فلا يعني أنها قانونية وفقاً للقانون الدولي والمحلي لعدم اكتمال الإجراءات الدستورية والقانونية حتى الآن».ومعلوم أن رئيس مجلس النواب عقيلة صالح أبدى معارضته لـ«حكومة الوفاق» منذ تشكيلها، معتبراً أنها لا تعكس إرادة الليبيين ولا تستطيع الوفاء باستحقاقات المصالحة الوطنية.

وكشف عقيلة في حوار مع «الوسط» نشر أخيراً أن رغبة المبعوث الأممي في الإسراع بتوقيع اتفاق الصخيرات حالت دون تشكيل حكومة وفاق وطني حقيقية بالاشتراك مع رئيس المؤتمر العام المنتهية ولايته، نوري أبوسهمين، موضحاً أنهما «طلبا من وزير خارجية مالطا الاتصال بالمبعوث الأممي لتأجيل اتفاق الصخيرات لمدة أسبوع حتى يمكن الوصول إلى اتفاق حقيقي بين الخصمين الرئيسيين، وهما مجلس النواب والمؤتمر الوطني المنتهية ولايته، إلا أنه رفض وأصر على توقيع الاتفاق بالصخيرات بحضور أشخاص غير مفوضين من الشعب الليبي ولا تخويل لهم بالتوقيع عن مجلس النواب والمؤتمر الوطني».

وفضلاً عن ثقة مجلس النواب، تملك «الحكومة الموقتة» ميزتين تعززان من تأثيرها في المستقبل الليبي، أولهما: دورها الخدمي في المنطقة الشرقية، التي تعيش حالة من الاستقرار النسبي بتأثير نجاحات الجيش الوطني في مواجهة الجماعات المسلحة، وثانيهما: وجود حكم قضائي بـ«إبطال إجراءات المجلس الرئاسي»، هذا فضلاً عن تناغمها مع القيادة العامة للجيش بقيادة المشير خليفة حفتر، وتأكيد رئيسها عبدالله الثني في مناسبات عدة على «أن بسط الجيش نفوذه يعني وحدة التراب الليبي يعني تحقيق الاستقرار».

موقف مجلس النواب و«الموقتة» من الاتفاق السياسي تقاطع خلال الأيام الماضية مع تصعيد موازٍ شنه رئيس ما يُعرف بـ«حكومة الإنقاذ».

واللافت أن موقف مجلس النواب و«الموقتة» من الاتفاق السياسي قد تقاطع، خلال الأيام الماضية، مع تصعيد موازٍ شنه رئيس ما يُعرف بـ«حكومة الإنقاذ» خليفة الغويل، على السراج والمجلس الرئاسي، و إعلانه العودة لممارسة ما قال إنها سلطات تنازل عنها في أبريل الماضي «أملاً في إنجاح عملية المصالحة الوطنية».

وقال الغويل في حوار مع وكالة «الأناضول» التركية نشرته أول من أمس «أن عودة حكومته لا تتناقض مع موقفها السابق؛ فهي انسحبت من الحكم لحماية الوطن من الانقسام، لكن الانقسامات ازدادت بالفعل منذ دخول حكومة السراج العاصمة»؛ لأنها «ببساطة تفتقد إلى الشرعية». وحسب الغويل فإن «مشروع الصخيرات فشل في الإيفاء بأي من تعهداته؛ إذ صار التدخل الأجنبي في ليبيا جهاراً نهاراً»، دون أن يوضح طبيعة هذا التدخل أو أهدافه.

وفي الحوار نفسه جدد الغويل رفضه «اتفاق الصخيرات»، معتبراً أن حل أزمات البلد مرهون بـ«حوار ليبي–ليبي»، وبوصفه فإن «حكومة السراج هي حكومة من ورق لا وجود لها إلا في أروقة الدول الغربية».

وحين سئل عن الحل، قال الغويل: «جلوس الليبيين وجهاً لوجه كفيل بحل الأزمات، بينما لا تكرس ألاعيب البعثة الأممية في ليبيا إلا الانقسام والتشتت، وهذا الأمر لا يحتاج لدليل، فهو قناعة عند كل الليبيين»، مضيفاً «هناك تواصل جاد مع كل الأطراف، وسنعلن (لم يحدد موعداً) عن حل واقعي وممكن (لم يكشف عن فحواه)، بما لا يمس ثوابتنا، بشكل خاص ثوابت 17 فبراير».

غير أن نجاح حل كالذي يطرحه الغويل، بصرف النظر عن تفاصيله التي قد تختلف من تقدير لآخر، يتوقف -حسب خبراء- على عوامل عدة، من بينها شكل الصيغة السياسية التي يمكن للحوار الليبي–الليبي أن يصل إليها ، ووضع الجيش في إطارها، ومدى قبول القبائل والمكونات الاجتماعية بها، فضلاً عن مواقف القوى الخارجية المتصلة بالشأن الليبي، سواء بمصالحها الاقتصادية أو بحساباتها الأمنية و الاستراتيجية.«الجيش» و«البنيان» .. معضلة السلاح
أدت الانتصارات العسكرية التي حققها الجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر خلال الأشهر الماضية، وآخرها السيطرة على كامل منطقة القوارشة، وقبلها الهلال النفطي، حسابات المجتمع الدولي، تجاه المعادلة السياسية الليبية، بحيث بات هناك إقرار متزايد بالدور المحوري للجيش في مستقبل ليبيا، وإن ظلت معضلة التشكيلات العسكرية الموازية عائقاً في الطريق.

ولوحظ أخيراً، صدور إشادات دولية بانتصارات الجيش، بل إن الاتحاد الأوروبي قرن إشادته بوصف الجماعات التي يقاتلها في بنغازي بأنها «إرهابية»، مقدماً تعازيه لـ«ضحايا أفراد الجيش أو اللبيبين الذين سقطوا وهم يكافحون ضد الإرهاب في بنغازي».

كذلك، رحب المبعوث الأممي من خلال تغريدتين على حسابه الشخصي على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» بتقدم « قوات الجيش الليبي في بنغازي»، مؤكداً أن «القضاء على الإرهاب لمصلحة جميع الليبيين». وقبل ذلك، أشاد المبعوث الأميركي الخاص إلى ليبيا، جوناثان وينر، بـ«تضحيات جنود الجيش الوطني الليبي في مكافحة الإرهاب في بنغازي».

رأى البعض أن سيطرة الجيش الليبي على موانئ السدرة ورأس لانوف بمثابة «صفعة قوية للجهود الأميركية والبريطانية لتوحيد البلاد«

وقال في تغريدة له على «تويتر»: «تضحيات صعبة من جنود الجيش الوطني الليبي، ذكرت هذا الأسبوع، 20 قتيلاً و40 جريحاً، في اشتباكات مكافحة الإرهاب في بنغازي».

وحسب محللين تحدثوا لوكالة «رويترز»، فقد «بات حفتر وبرلمان وحكومة الشرق أكثر ثقة في الوقت الذي تواجه فيه حكومة الوفاق مصاعب»، مشيرين إلى أنهم «حصلوا قبل شهرين على قوة دافعة جديدة عندما انتزع الجيش الوطني الليبي السيطرة على مرافئ نفطية إلى الجنوب والغرب من بنغازي من فصيل متحالف مع حكومة الوفاق مما غذى التكهنات بأن حفتر يضع غرب ليبيا -وطرابلس- نصب عينيه».

وكانت جريدة «صنداي تايمز» البريطانية قالت -تعليقاً على سيطرة الجيش على منطقة الهلال النفطي- إن المشير خليفة حفتر بات يملك «أهم أوراق المقايضة» في المشهد السياسي الليبي. وفيما لفت مسؤولون أميركيون إلى محاولات للتوصل إلى تسوية يمكن من خلالها تقليد حفتر منصب القيادة العسكرية الإقليمية، استبعدت «صنداي تايمز» موافقة حفتر على هذا الاقتراح في ظل سيطرته على موانئ التصدير الرئيسة بالبلاد.

وعلى جانب آخر، رأى البعض أن سيطرة الجيش الليبي على موانئ السدرة ورأس لانوف بمثابة «صفعة قوية للجهود الأميركية والبريطانية لتوحيد البلاد والتوصل إلى تسوية سياسية، وتهدد عملية السلام الهشة بالفعل». وقال المسؤول السابق بالبيت الأبيض، بين فيشمان، إن «الوضع في ليبيا بات أكثر تعقيداً».

وفي ظل الأوضاع الحالية، استبعد فيشمان حدوث انفراجة قريبة في الأزمة نظراً لوجود عشرات الأطراف القبلية والمجموعات المسلحة، لكن «أطرافاً رئيسيين مثل حفتر يتسببون في عرقلة العملية السياسية للأمم المتحدة»، على حد قوله.

وبدوره رفض السفير البريطاني الأسبق لدى ليبيا ريتشارد دالتون تلك المزاعم، وقال إن «الفوضى الحالية سببها الرئيس الخلافات الداخلية بين الفصائل الليبية والمستمرة حتى الآن، ورفضهم وجود عناصر من النظام السابق في المشهد بغض النظر عن كفاءتهم».ولفتت وكالة «رويترز» إلى أن بعض السكان في وسط بنغازي صاروا يشعرون، بعد انتصارات الجيش، بالأمان للمرة الأولى في سنوات بعد التفجيرات والاغتيالات التي سبقت إطلاق حفتر عملية الكرامة ضد الإسلاميين في مايو 2014 والقتال الذي تلاها.

ويعتمد محللون على ما حققه الجيش في بنغازي، وكذا تعيين حكام عسكريين لعدد من البلديات للقول إن المشير حفتر يسعى لرئاسة ليبيا مستقبلاً، غير أن حفتر نفسه أجاب عن سؤال لـ«الوسط» بهذا الخصوص خلال حوارها معه في وقت سابق بطريقة فضفاضة، إذ قال: «إنه يترك هذا الأمر لوقته».

أما ما أظهره حفتر في أكثر من مناسبة، منها حواره مع وكالة «أسوشيتد برس» فهو اهتمامه الكبير بإعادة سيطرة الجيش على باقي المناطق الليبية، خاصة طرابلس التي يرى أنها «تعاني من وضع سيئ على جميع الأصعدة، وسكانها يعيشون حياة بائسة بمعنى الكلمة، ويعانون غياب الدولة ومؤسساتها الفاعلة، وانهيار الخدمات وكبت الحريات حتى في التعبير عن مأساتهم» معتبراً أن «العاصمة مختطفة بلا شك وتتقاسمها الميليشيات والعصابات، وقد ينفجر الموقف شعبياً في أي لحظة، لأن المواطن لا يمكن أن يحتمل القهر والظلم إلى ما لا نهاية».

اعتبر محللون أن تأكيدات حفتر على تحرير العاصمة تعكس قناعته بأن الخروج من الأزمة الحالية بيد الجيش

ويرفض القائد العام «أن تتحول طرابلس إلى ساحة قتال، وفي الوقت نفسه لا يمكن أن تبقى العاصمة رهينة في يد العصابات إلى الأبد»، مشدداً على أنه «سيتم تحرير طرابلس دون إراقة دماء بإذن الله، هذا هو ما نسعى إليه، وندعو الله أن يوفقنا في ذلك».

واعتبر محللون أن تأكيدات حفتر على تحرير العاصمة تعكس قناعته بأن الخروج من الأزمة الحالية بيد الجيش، مما يعني بتقديرهم إمكانية هيمنة المؤسسة العسكرية على شؤون الدولة، حتى لو من وراء ستار على غرار بعض التجارب العربية، وهو سيناريو استبعده محمد الجارح المحلل في «أتلانتيك كاونسيل»، نظراً لأن ذلك « يحمل أيضاً مخاطر بالنسبة لحفتر والجيش». وأضاف: «لا أعرف كيف سيتمكنون من الاستجابة لاحتياجات الشعب وسيُلقى عليهم باللائمة على نحو متزايد في أي قصور».

ويبدو الوضع في سرت، حيث تقترب قوات «البنيان المرصوص» التي تحظى بدعم «حكومة الوفاق» ومساندة جوية أميركية من الانتصار على مسلحي تنظيم «داعش»، من بين الاشكاليات التي ستواجه الجيش الليبي مستقبلاً، وذلك من زاويتين؛ أولاهما: التسلل المتوقع -حسب تقارير استخباراتية غربية- لعناصر «داعش» الهاربة من سرت إلى مدن ليبية أخرى، مستفيدة بالمساحة الشاسعة للبلاد من جهة، وغياب سلطة موحدة قادرة على ضبط الأمن من جهة ثانية. أما الزاوية الثانية فتتصل بقوات «البنيان المرصوص» نفسها، إذ يتوقع أن تلعب بالتحالف مع مجموعات وكيانات أخرى دوراً مناوئاً للجيش حال تحركه في المنطقة الغربية، اللهم إلا إذا تم ذلك بعد توافق سياسي يحسم مصير ملف السلاح الشائك في ليبيا.

للاطلاع على العدد (53) من «جريدة الوسط» اضغط هنا (ملف بصيغة pdf)

3 معادلات.. هل تحسم مصير «الاتفاق السياسي» وتفتح الطريق أمام وفاق حقيقي؟
3 معادلات.. هل تحسم مصير «الاتفاق السياسي» وتفتح الطريق أمام وفاق حقيقي؟
3 معادلات.. هل تحسم مصير «الاتفاق السياسي» وتفتح الطريق أمام وفاق حقيقي؟
3 معادلات.. هل تحسم مصير «الاتفاق السياسي» وتفتح الطريق أمام وفاق حقيقي؟
3 معادلات.. هل تحسم مصير «الاتفاق السياسي» وتفتح الطريق أمام وفاق حقيقي؟
3 معادلات.. هل تحسم مصير «الاتفاق السياسي» وتفتح الطريق أمام وفاق حقيقي؟
3 معادلات.. هل تحسم مصير «الاتفاق السياسي» وتفتح الطريق أمام وفاق حقيقي؟

المزيد من بوابة الوسط

تعليقات

عناوين ذات صلة
«هذا المساء» يناقش نتائج قمة تونس.. مخاوف ثلاثية وهواجس مغاربية؟
«هذا المساء» يناقش نتائج قمة تونس.. مخاوف ثلاثية وهواجس مغاربية؟
منشآت دراسية جديدة بجامعة سرت
منشآت دراسية جديدة بجامعة سرت
إشادة أميركية بدور مفوضية الانتخابات لتعزيز المشاركة الشاملة
إشادة أميركية بدور مفوضية الانتخابات لتعزيز المشاركة الشاملة
اختتام ورشة عمل حول تعزيز قدرات صون التراث الثقافي غير المادي
اختتام ورشة عمل حول تعزيز قدرات صون التراث الثقافي غير المادي
لماذا يرفض عطية الفيتوري سحب الخمسين دينارًا؟
لماذا يرفض عطية الفيتوري سحب الخمسين دينارًا؟
المزيد
الاكثر تفضيلا في هذا القسم