Atwasat

الخلخال يرِن.. والمصران يزِن.

سالم العوكلي الإثنين 15 فبراير 2016, 11:34 صباحا
سالم العوكلي

يقول المثل الشعبي: قال يا بوي زوجني. قال: إن كان دام هالحال حتى أمك نطلقوها. أو قالوا للمسمار: أيش خششك في الساس؟ قال: م الضرب اللي عالراس. أو قالوا للذيب: كنك عويت؟ قال: من خلوة الوطن.

أسمع هذه الأيام أن حكومة طرابلس تجهز لاحتفال كبير بمناسبة الذكرى الخامسة وإطلالة العام السادس لثورة فبراير المجيدة، وكأن هذا الفلم مر عليَّ سابقا. وكأن سؤالا يراودني ورغم ما فيه من إحراج إلا أن حمرة في الوجه خير من غصة في الخاطر، هل ستحتفل طرابلس، عاصمتنا الأبدية، بيوم 17 فبراير الذي اخترعته وأسسته وأدارته بنغازي، وبنغازي يُنتقم منها بسبب هذا الاختراع نفسه؟ هل ستحتفل طرابلس بهذا العيد وبنغازي نصفها نازح ونصفها تحت قصف الجماعات الإرهابية؟ هل ستخون طرابلس بنغازي التي لم تكتمل فرحتها في بداية انتفاضة فبراير بسبب ما كانت تعانيه طرابلس من حصار من قبل النظام السابق، وهي تهتف وتبتهل للعاصمة أن تتحرر؟ هل ستخون طرابلس بنغازي التي قادت هذه الانتفاضة في أشد الظروف قسوة ثم سلمت كل ما تملك لطرابلس بمجرد أن سقط النظام، سلمتها السلطة التشريعية والتنفيذية وكل ما يحيط بهما لتبقى وحدها ضحية للإرهاب الذي تغذيه جرافات الأخوان المسلمين القادمة بالأسلحة والذخائر والحقائب المتفجرة التي استوردتها وزارة دفاع المؤتمر الوطني؟.

قد نعيد لـ 17 فبراير عفتها ونقاءها ونبلها لتصبح أهم ذكرى في تاريخنا بعد الاستقلال قد يتحرك الشعب مجددا ليستعيد ثورته التي أذهلت العالم في أيامها الأولى

أعرف أن طرابلس لن تخون بنغازي رغم أنها محتلة من ميليشيات لا تمت إلى تمدنها وتحضرها بأية صلة، وأعرف أن القائمين على هذا الاحتفال سيستخدمون خبرة العقود الماضية في الاحتفالات الجبرية بفبراير كما كانت تحتفل رغما عنها بالفاتح من سبتمبر. سيأتي الناس إلى ميدان الشهداء بالتهديد أو بالوعيد، وقد يضطرون لدفع مبلغ مالي لكل من يحضر كما فعل النظام السابق في احتفالاته الأخيرة عندما كره الناس يوم الفاتح الذي احتفلوا به صادقين في سنواته الأولى فقط وقبل أن يعيث فيهم تقتيلا وتنكيلا وفسادا واحتقارا كما يحدث الآن.

احتفلت المدن الليبية بالذكرى الأولى والثانية لانتفاضة فبراير وبشكل عفوي وصادق ولكن بدأ هذا الفرح يتراجع عندما أصبحت الصدمة أكبر من صدمة انقلاب 69 إلى أن مرت الذكرى الرابعة مرور الكرام في يوم يشبه أيام الأول من سبتمبر.. يوم حزين لا يفعل فيه الناس البسطاء شيئا سوى ممارسة الندم والسخرية والحداد.

فلا تحاولوا خداع العالم بقليل من الحشود التي ستتشكل كما تعودنا من لجان فبراير الثورية ومن المستفيدين منها الذين أصبحت ثرواتهم بالملايين والمليارات في بضع سنين.. لا تحاولوا خداع أحد باحتفال مُخرجه السلاح والخوف والتهديد، فلا أحد سيطرب لهذا اليوم إلا من سبق ذكرهم ممن استفادوا من هذا اليوم بشكل شخصي، لا أحد سيحتفل بذكرى ثورة دون أن يكون له وطن آمن ودون أن يكون متأكدا أنه سيعيش يوما آخر. لا تكذبوا علينا وعلى أنفسكم كما فعل النظام السابق حين كان يوهم العالم أن هذا الشعب متمسك بثورته وقياداتها، وحين كان يرغم المدارس والمعسكرات والجامعات على أن تحتشد تحت الشمس غصبا عنها احتفالا بذلك اليوم المشؤوم . لا تخدعوا هذا الوطن الذي جعلتموه خرابة ينعق فيها البوم وخلاءً تعوي فيه الذئاب.

17فبراير ستظل ذكرى عظيمة في تاريخنا حين يتم تنظيفها من كل الدنس الذي ألحقتموه بها، وحين تستعيد روحها الحقيقية التي عبر عنها النساء والرجال والأطفال في الميادين قبل أن يتبناها حلف الناتو وحلف الخليج المتمثل في تلك الدول الإقطاعية الاستبدادية التي لا يفرحها أبدا أن تنجح ثورة الليبيين، ولا يبهجها أي تحول ديمقراطي في هذه المنطقة، تلك الدول التي استلمت خارطة طريق فبراير بمجرد أن تدخل الناتو لتصل بها إلى هذه المشاهد المؤلمة، كي تعرضها على شعوبها محذرة إياها من التفكير في الحرية أو الديمقراطية، وإلا سيكون مصيرهم مثل مصير الليبيين واليمنيين والسوريين، حين لم يستقم لها تلويث هذا الربيع في مصر وتونس العصيتين على مخططات ملوك القطران، ومهرب الزفت آردوجان .

احترموا هذا الشعب الذي يعاني، ولن يجد وقتا أو مشاعر للاحتفال، لأن نصفه نازح ونصفه في الطوابير، ولا تجعلوا من الجياع ديكورا لاحتفالكم بانتفاضته التي سرقتموها، لا تجعلوا البهجة كخلخال يرن على ساق جائعةٍ أمعاؤها تزن من الجوع.

بإمكانكم أن تنقلوا الاحتفال إلى مرضعتكم قطر أو تركيا أو السعودية أو غيرها من الأنظمة التي استفادت من انقضاضكم على هذه الثورة النبيلة التي قام بها شعب وسها عنها حين كان سكرانَ بأول انتخابات نزيهة في تاريخه، ولم يستطع الحفاظ عليها من اللصوص والأدعياء وقراصنة الثورات.

قد نعيد لـ 17 فبراير عفتها ونقاءها ونبلها لتصبح أهم ذكرى في تاريخنا بعد الاستقلال، قد يتحرك الشعب مجددا ليستعيد ثورته التي أذهلت العالم في أيامها الأولى، وحينها سيحتفل بتلقائيته، ودون تخطيط أو وعيد أو إغراء، بذكرى إسقاطه لفاشيتكم الثالثة كما أسقط قبلكم فاشيتين.