Atwasat

ركن العامرية.. سيرة الحب، أو أكل الحصرم والأبناء يضرسون

فدوى بن عامر الإثنين 15 فبراير 2016, 11:31 صباحا
فدوى بن عامر

هذا الصباح، تحليتُ بالشجاعة و نظرتُ في المرآة فرأيتُ قبحاً وحمقاً لأفول الوطن واندثار الإنسانية. فشلت فبراير والفشل جماعي والوزر أيضاً والنسب متفاوتة. تطلَّع في المرآة يا صديقي، ستطلّ عليك الأحداق الكاذبة التي لا تعترف بسقم النفس بل بإلقاء مسئولية خبلها على الشياطين. إنها لعمري حجة العاجز الولهان الذي لا حول له ولا أمل.

كشف انعدام الحكمة لدى قادة المرحلة عن الجانب المظلم لليبيين وبسيادة الماضي أعادوا بناء ما اعتقدوا أنهم قد دمروه فأنتجوا قديماً بنكهة جديدة. زلزال عنيف هدّم كل شيء إلا الأفكار، لذا كان التقدم مستحيلاً فاالتصورات السياسية والاجتماعية والثقافية كما هي. صحيح قد زُعزعت قليلاً لكنها لازالت ثابتة وراسخة ورازحة في الأذهان، و لذا فحالة الفوضى لازالت مستمرة.

بفضل هذا الزلزال تحرر المسجون المجنون والمعقد والحقود، من القضبان وإحساس الفشل وقلة القيمة وبالاحتكام للسلاح والنصب على المناصب السيادية سقطت البلاد، واُقتيد الشباب إلى المذابح تحت مسميات كالوطنية أو النضال والجهاد أو كلها مجتمعة.

أما الوطنية فقد لاكتها الألسن حد أني بتُّ أشكُّ في وجودها شكّاً عظيماً. أما النضال والجهاد فالقيادات السياسية الجاهلة والاجتماعية النصف عاقلة والدينية الربع واعية أوردت بلادنا حيث الهلاك الثقيل والخيبات الثقال.

سأحتفل بعيد الحب المحرّم بحسب من حلّل الاحتفالات بالموت ولن أبالي

ففتاوى التحريم، مثلاً، طالت كل شيء. في معظمها، لا منطق فيها أو عقل وإن كُنتَ أيها القارئ من المصدقين بتطليق العقل فتوقف عن قراءة ما أكتب، فأنا هنا أتوجه للمتدبر القوام من النساء والرجالات.

يقولون بحرمة عيد الحب لارتباطه بالقديس فالنتين فأساطيرهم كثيرة و كذا أساطيرنا التي نتنفسها شهيقاً وزفيراً. تمثلت المفارقة في تحريم الاحتفاء بالحب، وكأن أيامنا وليالينا الليبية كلها حب في حب، بينما اُعتُبِر الزلزال المجلجل الذي عصف بالمجتمع حلالاً زلالاً جالباً للبركات والتبريكات. ماذا أقول في ذكرى البركان دون أن يكون مكرراً وبليداً للغاية.!

أقول، في الحقيقة، هم يرفضون سيرة الحب وما يجسده من جمال. ولذا فلنا أن نختار ونحن نعيش أجواء الحرية المجيدة، إما الاحتفال بأكل الحصرم الذي به سيضرس أحفادنا إلى يوم بعيد أو نستفيق فنسقي الحصرم حباً لا دماً ليشرق الفؤاد بنور الحب وتعود شعلة الحياة إلى أرواحنا وتتوهج قناديل الانسانية. لكن كيف السبيل للاستفاقة في بلد كاد يكون إشعال سُرُجِه مستحيلا..!

لِمَ مستحيلٌ في بلد يتغنى رجاله بالحب ويكتب شعراؤه عن الغرام وتثرثر قياداته عن الوداد أم تُرى"كلام الليل مدهون بالزبدة". في الواقع، نحن مداهنون، نحن اليوم قوم لا نعرف الحب ولا كيف نحب. تماماً كما قال كويلهو"الحب أصم إن بقي كلمات. يجب أن نعبّر عن الحب بالأفعال". فواقعنا مشبع بالإخفاقات المخجلة الناجمة عن روح الكره والحقد والشماتة التي تغلفنا وتغلبنا.

ولكنني و أنا المرأة، سأحتفل بعيد الحب المحرّم بحسب من حلّل الاحتفالات بالموت ولن أبالي. وسأقوم بإهداء سيرة الحب الكلثومية لصديقاتي وأصدقائي ولن أبالي. فحاجتنا لفقه الحب بدل فقه الموت بات ضرورة وإلا خمدت بهرة الحياة في بلادنا. سنقوم نحن الليبيين البسطاءَ بإنتاجه بدل أكل الحصرم كي تتطهر نفوسنا من العنف ويتغنى الشعراء لأولادنا عن الغرام في الليالي المقمرة لا المقبرة.

فلنحتفل بعيد الحب و نتهادَ سيرة الحب ولنتخلص من الجنون والمجون وليتقدم الرجالات لسد منابع الدماء والدموع، فما نشهده لن يقيم خيمة عرجاء فما بالك بدولة.

هي دعوة من امرأة، قارورة من هذه القوارير، بما تحمله الكلمات من معانٍ في مجتمع ذكوري حزين. ولكنها دعوة لا يسمعها إلا الرجالات العظام أصحاب الرقاب العالية والنفوس الشاهقة وأعلمُ حتى اللحظة أنهم لم يظهروا بالعدد الكافي لتصدر المشهد السياسي والاجتماعي والثقافي والعسكري والتعليمي، أما الديني فلم يبرز إلا أصحاب التشرد الفقهي الذين شردوا المجتمع بفتاواهم الجنائزية التي أفرغت الشباب من الحياة فتفرغوا لصناعة الموت.

فهل سنتهادى سيرة الحب أم نستمر بأكل الحصرم وأبناؤنا يضرسون!