Atwasat

السفينة التي يقودها ربانان ستغرق

عمر الكدي الأربعاء 20 يناير 2016, 09:56 صباحا
عمر الكدي

قبل الإعلان عن تشكيل حكومة الوفاق الوطني تأجج الخلاف بين أقطابها. في البداية على المادة الثامنة من الاتفاق السياسي التي تجيز لرئاسة مجلس الحكومة بعد عشرين يوما من توقيع الاتفاق، إعادة النظر في جميع المناصب السيادية العليا المدنية والأمنية والعسكرية، وأصر نائبا الرئيس عن المنطقة الشرقية إلغاء المادة أو تغييرها، فعلي القطراني اختاره حفتر لهذا المنصب ومهمته الدفاع عنه والحفاظ على موقعه كقائد عام للجيش الليبي، ولم يجد فتحي المجبري الذي اختاره إبراهيم الجضران إلا الاتفاق مع القطراني، وبالفعل جمدت المادة الثامنة إرضاء لحفتر الذي تحول إلى خط أحمر يشبه الخطوط الحمر التي وضعها سيف القذافي قبل أن تبتر أصابعه.

وبعد اجتياز هذه الأزمة بتنازل السراج شب خلاف آخر حول توزيع الحقائب الوزارية، فنائبا الشرق أصرا على الحصول على حقيبة الدفاع ليضمنا وزيرا يختاره حفتر، في حين اختلف السراج مع معيتيق حول حقيبة الخارجية التي يريد الاثنان تسمية وزيرها، أما نائبا الجنوب فقد أصرا على حقيبة النفط والموارد المائية لأن الماء والنفط يأتيان من الجنوب، وفي كل مرة يحتدم الخلاف يعلق علي القطراني مشاركته في اجتماعات المجلس، مثل أي جندي مخلص لقائده.

بعد توزيع الحقائب على الأقاليم الثلاثة بغض النظر عن عدد السكان في كل إقليم، سيشب خلاف بين المجبري والقطراني حول تسمية الوزراء، وغالبا سيقتسم الاثنان الحقائب الثمانية مناصفة ليسمي حفتر وزراءه، ويسمي الجضران وزراءه، وهكذا انقسمت برقة بين برقة الخضراء وبرقة البيضاء، دون النظر بعين الاعتبار لعدد السكان في المنطقتين.

قديما قالوا إن السفينة التي يقودها ربانان ستغرق فما بالك بهذا العدد من الربابنة

أما حقائب الجنوب فستقسم بالتساوي بين العرب والطوارق والتبو، وهذه المرة دون النظر للفارق الكبير في عدد السكان بين الأعراق الثلاثة، ودون النظر إلى الكفاءة، أما حقائب المنطقة الغربية فستقسم بين مصراته والزنتان وطرابلس وستذهب حقيبة للأمازيغ، وغالبا ستهمل بقية المناطق التي ليس لها ممثلون في المجلس الرئاسي للحكومة.

تحويل حفتر إلى خط أحمر سيجعل برقة البيضاء تحول الجضران إلى خط أحمر، وهو على أي حال لن يقيله أحد طالما ظل مسيطرا على الهلال النفطي، وكان من المنطقي أن توضع مواصفات للمنصب قبل اختيار من يشغله، فالمنصب باق وشاغله يزول بالسن والمرض والموت والإقالة، ولكن أن يفصل المنصب على قامة من يشغله يجعلنا نعود إلى عبادة الفرد، والتشبث بأشخاص لا يمكن مساءلتهم أو التأكد من أدائهم الوظيفي، وغالبا سيكون وزير الدفاع القادم مجرد خاتم في أصبع حفتر، بالرغم من أن وزير الدفاع أعلى مقاما من قائد الجيش ورئيس الأركان، وهو من يصدر لهما الأوامر.

المضحك أن 13 عميد بلدية من المنطقة الشرقية زاروا حفتر في مقر قيادته بالمرج، وبعد أن وضعوا خطا أحمر على المؤسسة العسكرية، طالبوا بإبعاد الجيش عن السياسة وقائد الجيش هو من اختار القطراني، في تدخل سافر في الشؤون السياسية بمعرفة وموافقة كوبلر، والأخطر أن هذه المحاصصة ستبقى ليس فقط في حكومة الوفاق وإنما في جميع الحكومات القادمة، وستسهم في تفكيك الوحدة الوطنية وإشعال الخلاف بين المناطق والقبائل.

سيلجأ السراج إذا لم يرفع الفيتو في وجهه إلى إرضاء بقية المناطق المهمشة باختيار وكلاء الوزارات منها، وغالبا ستوزع مناصب وكلاء الوزارات بنفس المحاصصة، فإذا كان الوزير من الغرب فنائباه من الشرق والجنوب، وهكذا تتضخم الحكومة وتتحول إلى حكومة محسوبية ووساطة، فكل وزير وكل وكيل سيعين أقاربه في الوزارة وليذهب الباقي إلى الجحيم.

القطراني وراءه حفتر والمجبري وراءه الجضران ومعيتيق وراءه مصراته والأسود وراءه الزنتان، والسراج ليس وراءه إلا الحائط مثل محكوم بالإعدام، وفي كل قرار سيصدر عن هذه الحكومة سينشأ خلاف ويرتفع الفيتو قبل مناقشة القرار، وهكذا ستستغرق الحكومة وقتا طويلا في جدل لا ينتهي قبل أن تتوافق على أي قرار، بينما النازحون والمشردون ينتظرون بلا أمل، وقديما قالوا إن السفينة التي يقودها ربانان ستغرق، فما بالك بهذا العدد من الربابنة.