Atwasat

رداء شفيق.. وكيمونو ياباني

محمد عقيلة العمامي الثلاثاء 05 يناير 2016, 11:01 صباحا
محمد عقيلة العمامي

المرأة اليابانية الحديثة، وأقصد بها المتحررة، لا وجود لها في الريف الياباني. فالحال كما هو عليه، مازال الرجل هو سيد الحياة. قد تجد نساء كثيرات متحررات في المدن الكبيرة، ولكن لا يختلف تحررهن كثيرا عن تحرر المرأة في بلادنا، والحقيقة أنه لولا الحاجة إلى الأيدي العاملة لعادت السلطة الإقطاعية إلى الذكورة، وتعاملت مع الأنثى بأساليبها القديمة، ولفوها مثلما كانوا يفعلون من قبل في (الكيمونو) الذي لا يتخلف كثيرا عن أردية جداتنا التي كانت أنوال طرابلس وبنغازي تنسجها بألوانها المتميزة، وبأسمائها المثيرة.

كثيرون هم الأوربيون الذين كتبوا عن التسلط الذكوري الذي مارسه الشرق على المرأة. غير أن الملفت للنظر هو أن الكاتب والمؤرخ الأمريكي (جيمس ميتشنر) الذي توفي سنة 1997، بعدما أصدر حوالي 40 كتابا حصدت عددا من الجوائز، وكانت متنوعة ما بين روايات وأبحاث ودراسات اجتماعيه، ومقالات منها ما كتبه عن الرسول صلى الله عليه وسلم أسماها: الشخصية الخارقة، وقال عنه أنه حطم الأصنام بيديه وأقام دينا خالدا يدعو لإيمان بالله وحده، ورفع قيد العبودية التي فرضتها عليها تقاليد الصحراء على المرأة، ولكن لا يبدو أنه يعلم أن الأمر لم يطل حتى أحكم المجتمع الإسلامي سلطته الذكورية، وكبلها بأعراف، وتفسيرات ما أنزل الله بها من سلطان.

ميتشنر كتب مقالة عنوانها: زي السيدة الفراشة العجيب- ويقصد به الكيمونو الياباني- يتحدث فيه عن المرأة اليابانية وكأنه يتحدث عن المرأة الليبية، ولو أننا غيرنا العنوان، كأن يصبح: زي السيدة المثقلة بالذهب- ونقصد به رداء شفيق أو العبارة مثلا- لقلنا أنه يتحدث عن سيدات ليبيا في حفلات الزفاف! بالطبع (ميتشنر) لا يتحدث عن نساء اليابان الآن، وأنا أقارن بينهما الآن، ولكنهن متشابهات حتى منتصف القرن الماضي، فثمة أمور لها جذور تاريخية، وهي أيضا متشابهة.

دعونا فقط أنقل أليكم مقتطفات من مقالته زي الفراشة الآتي: "كانت الفتاة اليابانية تربي لتكون خادمة للرجل، ولقد حرمها القانون من حق التعاقد مع الغير، وليس لديها حق الانتخاب، ولا يحق لها حضور الاجتماعات العامة، ولا الالتحاق بأية جمعية نسائية بل كان يحظر عليها سماع خطاب سياسي، ولا يحق لها قبول أي منصب شرفي من دون موافقة كتابية من زوجها! فالزوجة تُعد منذ طفولتها لتنفيذ مهمة واحدة تنحصر في: إسعاد زوجها وإنجاب أكبر عدد من الأطفال.

وبالطبع حرمانها من الدراسة العليا ولا يجوز لها أن تطلق من زوجها حتى لو تزوج بغيرها، أما الزوج فيطلق متى يشاء ولأي أسباب مهما كانت تافهة، ويحتفظ بأولاده! وإذا مات زوجها فلا تتملك شيئا مما ترك. أما لفظ(أرملة) فمعناه عندهم (المرأة التي على وشك الموت)!".

الرجل مازال يقاوم الحرية التي نالتها المرأة لدرجة أنه لا توجد حرية للمرأة إلاّ في المدن الرئيسة

المرأة اليابانية كانت في الأصل تتسم بالجرأة والشجاعة، بل كانت منهن ملكات قويات حكمن عددا من الجزر اليابانية، وتؤكد بعض الوثائق أن منهن من قدن جيوشا في ميادين القتال. ولكن فلاسفة اليابان، حوالي سنة 1600، فرضوا بقسوة نوعا من الاستبداد على النساء، لم يعرف العالم أسوأ منه؛ وهكذا ظلت المرأة مجرد خادمة لا حقوق لها، مهما كانت بسيطة، استثنوا فقط حق الأكل والشرب تماما مثل بقية الحيوانات! واستمر هذا الوضع حتى سنة 1945م فبانتهاء الحرب العالمية الثانية، أصدر الجنرال دوجلاس ماك آرثر حاكم اليابان العسكري، مجموعة قوانين تمنح المرأة اليابانية مجموعة حقوق لعل أهمها حق الانتخاب، وأيضا شغل وظائف حكومية رسمية كالتعليم، وهو ما أثر لاحقا في وضع المرأة وحقوقها الحياتية الزوجية، فلم تعد منذ ذلك التاريخ مجرد خادمة أو رقيق للرجل الياباني، وصار الآن أكثر من 22 مليون امرأة عاملة في اليابان، وصار لهن حق الطلاق وطلبه ونيله.

ولكن العديد من النساء رجعن إلى الوضع القديم، فالحرية التي تساوت بها مع نساء الغرب جعلتهن، كما يقلن، يفقدن الإحساس بدفء الرعاية الذكورية، ناهيك عن فقدانهن لإحساس الأمومة بغيابهن اليومي الطويل عن رعاية أطفالهن. وكيفما أصبح أمر المرأة في اليابان، فالرجل مازال يقاوم الحرية التي نالتها المرأة، لدرجة أنه لا توجد حرية للمرأة إلاّ في المدن الرئيسة، أما الريف فظل مثلما كان قبل سنة 1600، وتشير أخبار أنهن أكثر سعادة، وأقل قلقا من نساء المدن!

ومما أورده الكاتب (متشنر) طرفة تدل على مدى مقاومة الرجل الياباني- انتبه الياباني فقط!- لهذا التغيير الذي صار عمره أكثر من 600 سنة، قال: أن رجل أعمال كبيرا ومتعلما، استأجر 10 حافلات لتأخذ عماله في رحلة قصيرة، بحسب ما تقضى به التقاليد، فسأله أحد العمال: "ولماذا استأجرت هذا العام عشر حافلات، فقد اعتدنا على خمس فقط وكانت تكفينا؟" فأجاب: "لتتمكنوا من اصطحاب زوجاتكم، حسبما تقضي الموضة الحديثة".

زمجر العمال وفضلوا مواصلة العمل على هذه الرحلة المجانية، وبالفعل ألغيت الرحلة!. وذكر أيضا، أن زوجين عاشا زمنا في أمريكا، ثم عادا إلى اليابان، فضل الرجل أن ينام على الأرض مثلما تقضى العادات اليابانية، أما المرأة فقد فضلت الاستمرار في النوم على السرير. زارتها والدة الزوج، وشاهدت السرير، فسألتها:"لمن هذا السرير؟ " فأجابتها أنه لها، فصرخت في وجهها :" أخرجي هذا السرير . لن تنام فتاة ما أعلى من ابني!" لا أحد، حتى كتابة هذا المقال، يعرف يقينا هل السرير أخرج بالفعل، أم أنه مازال في المنزل؟

وفي النهاية وجب التنويه إلى أن هذا المقال كتبته عن مرتديات(الكيمونو الياباني) ولا علاقة له بمرتديات أردية شفيق، أو أردية العبارة الليبية.