Atwasat

تنظيم داعش سيساهم في فصل الدين عن الدولة!

عمر الكدي الخميس 03 ديسمبر 2015, 01:57 مساء
عمر الكدي

وقفت الكنيسة عقبة كاداء أمام تطور العلوم والفنون والفكر، وأمرت باحراق كل من خالف تعاليمها، وكاد غاليلو غاليلي يلقى نفس مصير سافونا رولا الذي أحرق بعد اتهامه بالهرطقة، وعندما قامت الثورة الفرنسية لم تستهدف المؤسسة الملكية فقط بل استهدفت أيضا المؤسسة الدينية التي كانت تبرر وجود الملك كظل الله على الأرض، ومنذ تلك الفترة فصل الدين عن الدولة في القارة العجوز، وتحولت الأحزاب الدينية إلى أحزاب علمانية مثل الحزب الديمقراطي المسيحي الموجود في عدة دول أوروبية.

في الإسلام لا يوجد كهنوت أو مؤسسة تشبه الكنيسة وخاصة في المذهب السني، بينما توجد مرجعيات في المذهب الشيعي وخاصة في دولة مثل إيران تعتمد ولاية الفقيه، وحتى في العراق فما يقوله المرجع الأعلى علي السيستاني أهم مما يقوله رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، ومن الواضح أن المذهب الاثنا عشري الذي يؤمن بولاية الفقيه، ويستند على أسطورة الامام الغائب والذي سيعود في آخر الزمان ليفرض العدل، حتى أن الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد قال ذات مرة إننا نمهد إيران لعودة الامام المهدي المنتظر، هذا اللاهوت المختلط بالأسطورة يشبه ما كانت عليه أوروبا في القرون الوسطى، وبالتالي فإن سقوط النظام الإيراني يعني فصل الدين عن الدولة، أما في المذهب السني الذي يخلو من مؤسسة دينية شبيهة بالكنيسة الكاثوليكية أو الاورثودكسية، بالرغم من وجود الأزهر والزيتونة والقرويين وشيوخ المذهب الوهابي في السعودية، إلا أن هؤلاء لا يستطيعون فرض آراءهم على الدولة بإستثناء السعودية، باعتبارهم أحد الأعمدة الرئيسية في تأسيس النظام.

ثمة من يؤمن بأن تنظيم داعش ولد في أقبية الأجهزة الاستخباراتية ولكن للتاريخ رأيا آخر فما حدث في أوروبا بعد الثورة الفرنسية يحدث الآن في العالم الإسلامي

في مثل هذه الظروف لابد أن تخرج تنظيمات تلعب نفس الدور الذي لعبته الكنيسة في كبح التقدم، ومنع الناس من التفكير الحر، وإقامة موانع في طريق الحداثة. في البداية ظهر تنظيم الإخوان المسلمين، الذي كان يسعى للوصول إلى السلطة وإعادة الخلافة التي الغاها اتاتورك، ثم ظهرت تنظيمات أخرى مثل حزب التحرير الإسلامي، ومن داخل الإخوان المسلمين ظهرت الطفرة التي مهدت لظهور تنظيمات أكثر تشددا، عندما نشرت كتب سيد قطب وأيضا أبو الأعلى المودودي مؤسس الجماعة الإسلامية في باكستان وصاحب فكرة الحاكمية، والذي تأثر سيد قطب بأفكاره، وخاصة فكرة الحاكمية والتغيير باستخدام القوة، وقبل سنتين من إعدام سيد قطب ظهرت جماعة الجهاد المصرية عام 1964، ثم ظهرت جماعة التكفير والهجرة، ومن رحم جماعة الجهاد ولد تنظيم القاعدة الذي جمع بين التشدد الوهابي السعودي والتطرف القطبي المصري، وتولت القنوات الفضائية التي تحول فيها شيوخ الوهابية إلى نجوم للترويج للتطرف الإسلامي، وإرسال أكبر عدد من الشباب إلى أفغانستان، وبالرغم من الأعمال الإرهابية التي ارتكبها تنظيم القاعدة حول العالم، إلا أنه نال تعاطف الكثير من المسلمين لأنه يقاتل الولايات المتحدة وحلفاءها المسؤولين على الكثير من المظالم التي لحقت بالعام الإسلامي وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، إلا أن هذا لم يكن كافيا ليغير المسلمون قناعاتهم حول التنظيمات الإرهابية، فكان لابد أن يخرج تنظيم داعش ليقوم بهذه المهمة.

ثمة من يؤمن بأن تنظيم داعش ولد في أقبية الأجهزة الاستخباراتية، ولكن للتاريخ رأيا آخر فما حدث في أوروبا بعد الثورة الفرنسية يحدث الآن في العالم الإسلامي، والذين اكتووا بنيران داعش في سوريا والعراق وليبيا سيكون لهم رأي آخر، عندما يطرح خيار فصل الدين عن الدولة، فالذي يريد أن يمارس عقيدته تضمن له الدولة حرية هذه الممارسة، ولكن بمجرد دخوله إلى البرلمان يترك خلفه كل معتقداته الدينية ويتصرف كسياسي مفضلا الدفاع عن مصالح ناخبيه وليس الدفاع عن معتقدات قد لا يؤمن بها ناخبوه، ولكن قبل الوصول إلى هذه المرحلة ستكون هناك حركة إصلاح ديني شبيهة بحركة مارتن لوثر الذي ساعدت تعاليمه لدخول أوروبا لمرحلة العلمانية والحداثة.