Atwasat

غروب «فجر ليبيا»

أحمد الفيتوري الخميس 13 أغسطس 2015, 02:49 مساء
أحمد الفيتوري

أنا أتحدثُ عن الليثي
ولا أقصدُ بذلك الحي الذي ببنغازي
على بعد خمسة كيلومترات من المطار حيث يبني أبي بيتا
بدون مهندس، بدون خريطة
بدون مقاول وبدون أية تجميلات.
تقول أمي: أنه كبير جدا.
يقول أخي: لا فرق بينه وبين البيت القديم.
الشاعر الليبي خالد مطاوع

•1
أينما وليتُ السمع، وحيثُ تابعتُ ما يشغل مجلس النواب، و"الفيس بوك" مربوعة الليبيين الواسعة، فإن ما يحدث في ليبيا يختزلهُ مُتنفذون، ومن يعتقدون أنهم كذلك أيضا، في الاسم السحري لرئيس وزراء الحكومة القادمة، "ليون" المندوب الأُممي، والدول الكبرى ودول الجوار، في انتظار: "بيضة الديك" لتحقيق الوصفة السحرية "المسودة الرابعة".

لا تعرف إن كنتْ ما تسمع، وما اجتمع حوله الجمع هو حقيقة أم محض خيال، المُشكل الليبي حلهُ أبسط من تصور طفل: اسم لرئيس وزراء.

قتالٌ في بنغازي منذ سنوات أربع وكذا درنة الولاية الإسلامية، الجنوب السليب والقتال فيه حول "التهريب" ما يتقنعُ بالأعلام الخضراء والمنقطة، سرت دولة داعش قبالة روما و"صبراته" قاعدتها الغربية ، "الكفرة" والنزاع القومي العربي التباوي!، "طرابلس" المدينة المختطفة وواليها "بوسهمين" من سرق النوم من العين! ، كل هذا مرهون بِاسم رئيس لحكومة الإنقاذ الوطني "التوافقية": من يُخرج الأرنب من قبعة الساحر؟، وكأنما هذا "الأرنب" "قذافي" جديد سيريحهم بسيطرته المطلقة من كل مسئولية أو أي مهمة.

كان "القذافي" خلال عقود قد درب الليبيين على الانتظار كل عام للاحتفال بأول سبتمبر ذكرى استلائه على السلطة في البلاد، هذا الانتظار مربوط بأن تغييرا ما قادم ، وأن القذافي فاعلهُ في سبتمبر القادم، لمدة اثنين وأربعين عاما وكل ليبي في انتظار هذا التغيير، أما عند انعقاد "مؤتمر الشعب العام" - المعادل للمؤتمر الوطني العام - فقد كان التغيير يتم في تعيين رئيس اللجنة الشعبية العامة – المُعادل لرئيس الحكومة - بأن يجعل في عام "أبوزيد دوردة" رئيسا للحكومة بدلا من "جاد الله عزوز الطلحي"، وفي العام التالي العكس، هكذا دواليك وفي بقية مناصب الدولة، سيطر على البلاد بنفس الأساليب واتخذ من نفس الأشخاص أداة لتنفيذ ارادته لأربعة عقود، لهذا يذكر الليبيون أسماء كل رجال الخيمة لأنهم معدودون متكررون، رغم أن الديكتاتور كان يمنع ذكر أسمائهم أو أي ذكر لأي من أفعالهم.

وكما دُربوا لمدة عقود على الهروب إلى الأمام اتخذوا من المسار الذي يعرفون "خارطة طريق"، أي وضع البيض في سلة واحدة هي "قبعة الساحر" رئيس الحكومة التوافقية، كل المشاكل والمصائب والخراب والقتل، كل مؤجل أي لا حلول له، لا مواجهة أو تدبر أو تقديم أي مبادرة في أي شأن، وكل يوم تتفاقم الأوضاع والهم الأول والأخير تسمية رئيس للحكومة.

•2
ومن الجهة الأخرى انحصر الهدف الأسمى لما ادعى أنه "فجر ليبيا"، المكلف من السماء بنشر الإسلام في ربوع البلاد الليبية، حامي حمى مبادئ ثورة الفاتح من سبتمبر العظيم أو فبراير كما رأها لا فرق فكلها عندهُ ثورات، انحصر هدفه الأسمى في إزاحة رجل واحد "خليفة حفتر" من طلع في مايو 2014م، وقد جعل منه "الشيطان الأكبر" ما يُعادل الولايات المتحدة عند الخُمينيين، وبهذا تنحصر مشاكل "فجر ليبيا" في الخلاص من اسم.

وفي حال البلاد هذا تتحالف قوى الإرهاب ورديفها الفساد، ومنه كل يهرب من السفينة الغارقة مُتعلقا بقشة الحكومة القادمة ومسودتها الرابعة، إن أي مسألة لا يمكن ان تُرهن جملة وتفصيلا لمسألة رئيسة هكذا.

لقد بات "بوسهمين" الأخ القائد في يده الحلَ والربط، ومنه واليه المُرتجع، "ليون" كرسه كرجل أول في المسألة الليبية ولهذا يذهب إلى الجزائر كي تكون الوسيط للتفاهم معه، البرلمان من وقع على "المسودة الرابعة" رهين في يد "بوسهمين" الذي عطل قادة مصراته عن أي فعل، أي مُراقب يلاحظ أن هذا "الجوكر" هو لا أحد وفي نفس الوقت لعبة كل أحد، أي أن "بوسهمين" المُعادل الموضوعي للحل السحري، وقُنبلة الدخان التي تطلق في وجوهنا كي لا نرى شيئا.

تعطل الحياة في ليبيا مرهون بـ"المسودة الرابعة"، والحرب مستمرة بفضل هذا التعطل الذي حلحلته في يد "بوسهمين" الذي يشترط إزالة "حفتر"، وهذا يجعل من المسألة الليبية كما "خرافة أم "بسيسي" التي لا تنتهي خيوطها بل تتعقد، والمثل الليبي يقول أن طول الخيط يضيع الابرة.

وهذا الحال جعل السيد "عبد الله الثني" يخرج عن طوره ويقدم استقالته عبر البث المباشر كي يكون الأول في التاريخ، وفي لقائه هذا صرح تصريحات تُوميءُ دون أن تُفصح : أن هكذا حال عطل البلاد وزادها استفحالا، وأنه يملك ولا يحكم، وأنه غير قادر كما غيره على زحزحة ورقة على مكتب، قال ما لم يقله : ما يحدث في ليبيا خارج يد الليبيين القادرين فقط على رد الفعل بالمزيد من الانقسامات.

فهل هذا جعل من "بوسهمين" الوريث الشرعي للقذافي؟.

•3
على الأرض ما زال "القذافي" يحكم بأساليبه، وخرابه يزدهر، والحرب التي أعلنت في مارس 2011م لم تتوقف بل استعرت وعَم شرارها كل مكان، لكن من جهة أخرى يبدو أن ما نراه هو "عنق الزجاجة"، فلقد توصل الليبيون للمرة الاولي إلى مرحلة اتفاق وتم التوقيع من أطراف عدة، والمندوب الدولي والأمم المتحدة مزهوانِ بالتوقيع على "المسودة الرابعة" عُدت اتفاق نهائي، وما الملاحق الا الخطوات الإجرائية لهذا الاتفاق.

وما يُعزز هكذا تفاؤل هو الحلحلة الدولية لمسائل عالقة مثل مسألة "كوبا- كاسترو"، والاتفاق الأمريكي الإيراني، وما يلوح في الأفق من اتفاق أمريكي روسي حول المسألة السورية، ثم ما يحدث داخل العراق من زحزحة لصخرة "محلك سر" التي عاشها من ساعة الاحتلال الأمريكي حتى الساعة، إن في الأجواء مؤشرات خلاص من الإرهاب أو على الأقل تحجيمه كما نرى في حرب اليمن وتركيا تسير في هذا الاتجاه، وهذا يستلزم حلولا للأزمات المتفاقمة، وفي هذا نجد أن التوقيع على مسودة الاتفاق الليبي يأتي في ذات السياق. وعليه نجد أن رقصة "بوسهمين" رقصة الديك المذبوح، فكما خسر ويخسر الإرهاب معاركهُ في كل مكان وبالتبعية المناصرون والشيطان الأخرس فإن "فجر ليبيا" قد غرُب.