Atwasat

الشرمولة (الكحلة)

محمد عقيلة العمامي الأربعاء 01 يوليو 2015, 10:43 صباحا
محمد عقيلة العمامي

انتقد، ساخرًا، قاريء خفيف الدم.. والعقل! مقالي سيدة الموائد الليبية! قال: «خلاص! ليبيا ارتاحت، ولا تحتاج إلا لمعلومات عن أنواع الحساء؟ أمنها مستقر، والحياة في بنغازي رائقة.. ثم بالله عليك، شن دخل الليبيين في شربة كرعين الدجاج؟.. واستطرد مستعرضًا قدرته على السخرية والإضحاك، قائلاً: «يا راجل اكتب عن سرت.. عن خطر الدواعش، عن درنة.. عن النازحين... عن أموالنا المنهوبة».. وقال أشياء حقيقية، كثيرة أخرى، فما كان مني إلا أن أجبته متبسمًا أنني قلت في أكثر من مقال: أنا أكتب، عما يجري في الواقع، مستخدمًا المعلومة المخفية الخفيفة، والتاريخ.. في محاولة لزرع بذور الأمل، والتفاؤل. والوصول إلى توضيح رؤيتي، وهدفي، بعيدًا عن الكلمات المحنطة! أما الصراخ والتهويل، وأساليب الخطابة الحماسية فلا فائدة منها، لأنه لم يعد خافيًا على أحد لا مأساة ليبيا، ولا مآسي الإنسان في كل مكان. وأكدت له أنني سوف لن أكتب ثانية عن الشربة الليبية، ولكنني سوف أواصل كتاباتي عن (الشرموله الليبية!) بكل تأكيد!

ولقد تزامن نقد صديقنا هذا مع استغراقي في تفسير مغبة الفخ المزعج، الذي تنصبه أوروبا، بإتقان، لحل مشكلة الهجرة غير الشرعية. صارت مؤامرة هذا الفخ تتضخم في خيالي، مثلما يتضخم الرجل الأخضر بعدما يغضب، وإن صرت أراه أسود، يزمجر، جاحظًا عينيه الحمراوين متوعدًا: «نهار بوكم قدّ.. قدّ!»

أنا أكتب عما يجري في الواقع، مستخدمًا المعلومة المخفية الخفيفة، والتاريخ.. في محاولة لزرع بذور الأمل، والتفاؤل

قرار الاتحاد الأوروبي تكليف أساطيله العملاقة، بإحكام السيطرة، والتصدي للقوارب البدائية المتهالكة، التي تبحر من موانيء ليبيا الغربية؛ يعني ببساطة، آلاف المهاجرين المنطلقين يوميًا من حدودنا الجنوبية، سوف يعلقون، ويتكاثرون في غرب ليبيا أولاً، ثم يسرحون شرقًا وسوف تمتلئ المدن الساحلية بعدد منهم يتساوى وحبات الزيتون الأسود، المنتشرة أشجاره من مصراتة حتى رأس أجدير. بمعني أن السود سيسودون ليبيا!

هؤلاء البشر، الذين دفعتهم ظروفهم الصعبة إلى مغادرة أوطانهم نحو المجهول.. نحو مخاطر ركوب البحر متسلحين بأماني وتطلعات لحياة باذخة في أوروبا، لن يغامروا بالعودة ثانية إلى مجاهل أفريقيا! فكيف نتوقع من شاب أفريقي أن يعود لمواجهة تمساح، أو أسد جائع، فيما تفتح له شقراء ذراعيها في شارع روما الشهير «فيا فينتو»؟ سوف يستقر بالتأكيد في باب بحر منتظرًا أول فرصة للإبحار نحو روما!

يبدو أن الأوروبيين يخططون لتوطين المهاجرين الأفارقة في ليبيا

ماذا نتوقع منه، خلال فترة تربصه على شواطيء البحر؟ حيث لا فرصة عمل آمنة حقيقية، في ظل انفلات أمني، وسلاح مبعثر بعدد حبيبات الزيتون الأسود؟ سوف يتجه، بالتأكيد، لأسهل السبل للعيش، وسيكون مجرد (سلعة) في متناول من يدفع من أجل قوته البدنية، التي لا يملك غيرها، أو من أجل روح المغامرة التي جعلته يعبر صحراء قاحلة، فيحمل السلاح كمرتزق، أو كقاطع طريق!

إن العودة لكوخه في أفريقيا مستحيلة والبوارج قبالة السواحل الليبية متربصة لأية «زيتونة» تطفو فوق الماء، يعني: «مدافع البوارج أمامه وحيوانات أفريقيا المتوحشة خلفه!» لم يعد هناك مفر إلا البقاء في ليبيا الغارقة في الفوضى و«التحليلات السياسية» والميليشيات، وبقية الخوارق الأخرى! سوف تصير ليبيا «شرمولة».. شرمولة سوداء بسبب حبات الزيتون الأسود التي طفحت فوق زيتها!

هذا سيناريو نكون سذجا، كالعقيلة الشرقية، إن لم نأخذه في الاعتبار. فحالة الهجرات قد تكون مؤقته، أو دائمة، أو مخططا لها لتستوعب المهاجرين الذين ينوون الوصول إلى أوروبا، وذلك بتوفير سبل العمل، والأمن والاستقرار في ليبيا الفاضية، التي لا يتناسب أبدًا حجم سكانها ومساحتها الشاسعة، وذلك يعني خلق تركيبة جديدة للشعب الليبي، سيما أن ما نود إضافته لليبيا له أسس، تأسست أيام فوضى الكوارث والحروب منها القديم ومنها الحديث، ناهيك عن الجنوب الذي يسيطر عليه الليبيون سود البشرة!

فيا صديقي، ليس بمقدوري أن أقول لك المزيد سوى أن (الشرمولة) طبق ليبي بسيط وصحي، وقد طوره بعض المواطنين بإضافة السردين، وأحيانًا التن... ويبدو أن الغرب يريد تجربته بالزيتون الأسود!

يبدو أن الأوروبيين يخططون لتوطين المهاجرين الأفارقة في ليبيا.. وعندها سترون الشرمولة (الكحلة)!