Atwasat

شارع بوكا..

سعاد سالم الأربعاء 08 أبريل 2015, 03:06 مساء
سعاد سالم

غير السيارات المحملة بالأسلحة والعتاد والأعلام المخططة التي رافقت المحاربين في العام 2011 وهم يفتحون المدن الواحدة تلو الأخرى كانت البخاخات وعقلية مسح السابق بمجمله أهم رفاقهم أيضا..فلم يكتفِ المنتصرون بإرجاع الأسماء القديمة للساحات والميادين بل طاردوا الشوارع والأزقة والمباني العامة بهوس حتى أن القاعة التي سميت بسمهم (الشعب) طالها التغيير.. قبل أن يغيروا ملامحها بإضرام النار فيها.. واجتاحت مفردة الشهداء أو أسماء الذين سقطوا في تلك الحرب أغلب الطرق الرئيسة منها والفرعية وحتى ذاك الزقاق الضيق الذي ينتهي بحائط حمل اسمًا جديدًا..

وهكذا أصبحت كل المسارب التي كبرتَ فيها وأنت تسلكها للمدرسة وللتسوق وللعمل وللعبور منها إلى جهة ما باتت الآن بأسماء جديدة علقت لوحات صغيرة أعلى زاوية منها لربما لن تلاحظها مالم يزجرك أحدهم وأنت تسمي شارعك باسمه المعتاد منبها إياك بنظرة حادة إلى أن الوضع تغير قبل أن تتحول نظرته إلى شك في عقيدتك الوطنية.

كيف تحول شارع امحمد المقريف الذي استرجع اسمه «الاستقلال» وهو أحد أهم الشوارع وسط العاصمة إلى شارع محمد العريبي الشهير ببوكا

شارحًا بتعابير وجهه أن الطاغية مات يا (طحلوب) وعلى الرغم من أن كل مظاهر المدنية لم تظهر بوادرها إلًّا في أرقام وزارة الثقافة والمجتمع المدني فلن تفهم كيف ومتى زرعت تلك اللوحات الصغيرة بينما لم تتمكن من ملاحظة عودة الشرطة للشوارع ولا اختفت مظاهر التسلح ولا عاد المدنيون إلى مدنيتهم..

ولكن كيف تحول شارع امحمد المقريف الذي استرجع اسمه «الاستقلال» وهو أحد أهم الشوارع وسط العاصمة إلى شارع محمد العريبي الشهير ببوكا.. ومن الاستقلال بما يعنيه من استقرار وبناء وعودة الحياة مرورًا باسم ضابط في الجيش الليبي قتل غيلة إلى اسم ميليشاوي ضد المدنية وضد مؤسسات الدولة بل وضد وجود شوارع جميلة كالذي علقوا اسمه عليها.. لماذا؟ فلا أحد يحب بوكا بشعره الطويل الذي يبدو مهملاً ولا بمظهره البائس ولغته المتعبة وهو النصف أمي.. لا أحد بطول البلاد وعرضها لم يسخر منه لأنه يمثل شريحة من هذا الشعب لايحترمونها ودائما الأسباب موجودة (الفقر سبب كافٍ لدي الكثيرين) ووصف (بالرديف) وبالمعتوه وبكل ما يمكن أن يقال عن (صخصية) لاتعرف كيف تنطق الكلمات.. ربما وضعه جماعة الشريعة تحت نقدهم أكثر من مرة ولعلهم وقعوا على أقفيتهم من الضحك.. وكل شيء ممكن مع هؤلاء البشر الذين قدت قلوبهم من (خرا)..لكن حينما قُتل وهو الذي انتقم وجندل وهدد وطغى بكل حقد المهمشين والمنسيين بل والملغيين من الوجود جامعا كل الفرص التي أمامه وخلفه والتي سقطت من آخرين ليظهر عنفه وقسوته وإجرامه الذي بدا بأسًا ويدًا ثقيلة على أعداء أرباب الشريعة..

لم أستغرب من لوعة وحرارة النعي والاهتمام وتبيان التحسر على خسارة بوكا.. ثم الجنازة الباذخة (على رأي الشاعر مفتاح العماري) بإمامة مفتي الديار ناهيك عن وزارة الثقافة لحكومة فجر ليبيا التي نعته في ديباجة مهيبة..هذا لايعني في تصوري إلا شيئًا واحدًا.. أن النار تحتاج لمزيد الوقود من المهمشين والمنسيين والساقطين من حسابات المجتمع.. تحتاج للمزيد من المحبطين واليائسين والغاضبين والنصف أميين والملقبين بأشنع الصفات.. ليتطهروا من كل هذا البؤس المعاش بالقتال بسم الله وأي شرف تناله مخرجا كل العفن الطافح والمرارة وأنت تدافع عن الله.. بل وإن قُتلت.. سيصلي عليك أمراء الحرب وينعاك تنظيم الدولة كبطل وكائن موجود في التاريخ ويكتب اسمك على أحد الشوارع المهمة.. ناهيك عن زيارتك للشيخ محمد القايد في المنام محاطا بطير الحَمام ومن شوق الرسول إليك يراه القايد يبحث عنك.. أنت الذي لم يبحث عنك أبوك.. إنّه وجه آخر لجهنم المفتوحة منذ أربعة أعوام ولن تكف عن ابتلاع شباب البلاد بخيرهم وشرهم ولن تكف قولها هل من مزيد.. حتى يسترد الليبيون ضمائرهم وعقولهم.. و إلى أن يتحلوا ببضع قيم ومسحة ولو طفيفة من أخلاق.