Atwasat

زلزال الأخوين «كواشي»

حمدي الحسيني الخميس 15 يناير 2015, 10:10 صباحا
حمدي الحسيني

صدمتني حفلة القتل الجماعي لفناني وصحفيي جريدة «شارل إيبدو» الفرنسية الساخرة، لم أتوقع أن تصل الوحشية ببشر مثلنا، أن يرتكبوا هذه الجريمة البشعة مهما كانت دوافعهم، خاصة أن الضحايا كانت الفكرة سلاحهم، والحرية شعارهم.

أشعر بالعار من انتساب مثل هؤلاء المجرمين إلى الإسلام لأن قتل الأبرياء أسلوب الجبناء والإرهاب لغة الضعفاء، خاصة إذا كان الخصم من أصحاب الفكر وليس عدواً مقاتلاً، كما أشعر بالعار أيضاً لأن نقابة الصحفيين المصريين التي قادت مظاهرة حاشدة تقدمها النقيب ضد رئيس نادٍ رياضي أهان محرراً في صراع على المصالح، بينما لم تحرك ساكناً ولم تنتفض غضباً ضد برك الدماء التي سالت بحق زملاء حتي لو كانوا فرنسيين!
مذبحة الأخوين" كواشي" المتهمين بتنفيذ الجريمة النكراء، ذكرتني بالإرهابي محمد ناجي الذي كلفته الجماعة الإسلامية بقتل الأديب الراحل نجيب محفوظ في أكتوبر 1994، لكن القدر أنقذ صاحب نوبل من الذبح بأعجوبة، واعترف القاتل بأنه لم يقرأ كلمة واحدة للراحل الكبير، وتحمس لقتله بناء على أوامر الجماعة التي صنفته عدواً لله!

إن أغلب الجرائم من هذا النوع تتم تحت ضغط التحريض، فهناك أئمة ووعاظ وشيوخ مهمتهم توزيع"صكوك الغفران" على الناس وتقسيم البشر إلي أخيار وأشرار ويُدخلون الجنة من يشاؤون والنار تكون مثوى من يخالفهم في الرأي والفكر والاعتقاد، في حين أن أغلب حاملي مفاتيح الجنة الجدد من محدودي الفكر والثقافة، ولا أبالغ إذا قلت أن عقولهم المتحجرة لا تتسع لأكثر من مجموعة خطب وأحاديث وكتب صفراء ألفها أصحابها قبل اكتشاف الكهرباء والأقمار الاصطناعية والطائرات والتكنولوجيا الحديثة.

إن منفذي الحادث الآثم صور لهم خيالهم المريض أنهم بجريمتهم الجبانة تلك، قد انتقموا للرسول الكريم، ودافعوا عن الإسلام وعزة المسلمين، لكن واقع الحال يثبت أن سلوكهم الإرهابي يفتح أبواب الجحيم على الإسلام الذي يحرم قتل الأبرياء والمدنيين مهما كانت المبررات.

أشعر بالعار من انتساب مثل هؤلاء المجرمين إلى الإسلام لأن قتل الأبرياء أسلوب الجبناء والإرهاب لغة الضعفاء

إذا كان حادث 11 سبتمبر 2011 اللعين، فجر براكين غضب الأمريكيين ضد الإسلام على امتداد عقد من الزمان، فإن زلزال الأخوين كواشي في «شارل إيبدو» ضم الشعب الفرنسي بل الأوربي أيضاً إلى طابور الأعداء المتربصين بالمسلمين إلى عقود طويلة قادمة.

بالتأكيد سوف تنتفض نقابة الصحفيين ويزدحم سلم النقابة بالغاضبين، وسيتم حرق العلم الفرنسي وسط تهليل وتكبير الحاضرين عندما تقدم فرنسا على إجراءات احترازية عنصرية بحق المسلمين، عندها لا نلوم إلا أنفسنا، حتى نبرأ من الازدواجية القاتلة التي تسيطر على عقول أغلبنا.

أعجبني تصرفُ الأزهر وشيخِه الجليل عندما أدان الحادث على الفور واستنكارُ الإمام المستنير الحادثَ الإجرامي، بذلك سجل موقفاً رائعاً ضد هذا النوع من الجريمة التي يصعب محوها من ذاكرة الشعوب الحرة.

أتصور أن المسلمين والعرب مطلوب منهم الكثير من العمل، لتضميد جراح الفرنسيين، والتخفيف من آثار هذا الحادث الدامي، قبل أن تشتعل نار العداء لكل ما هو مسلم ليس فقط في فرنسا بل أيضاً في أوروبا بأسرها.

المدهش أن الأخوين «كواشي» ولدا وتربيا على قيم الحرية والعدالة التي تتمتع بها فرنسا، فهل جريمتهما الوحشية سوف تحد من نقد الصحفيين والمبدعين الفرنسيين وغيرهم للمتطرفين الإسلاميين؟