Atwasat

جيش معمر.. فتوى للنحر

سعاد سالم السبت 22 فبراير 2014, 03:56 مساء
سعاد سالم


اللغة التي استُخدمت في الحرب الليبية كانت مضللة ومقصودة، وكلمة سر الثيوقراط (حكم رجال الدين على تنوع مذاهبهم) الذين باشروا في وضع اللجام لـ"فبراير" وساسوها إلى ما أوصل بنغازي إلى متوسط اغتيال واحد يوميًّا، وذلك للعام الثالث، في صفوف ضباط الجيش والشرطة. فمنذ البداية كانوا يتكئون على هذه التسميات: جيش معمر وكتائب القذافي؛ ليسحبوا تعاطف الشارع. ستقولون: الشارع غاضب. حسنًا، لكنه لم يُقبض عليهم حتى الآن، فهم، بكل طمأنينة، ينفذون مهامهم ويوزعون مطوياتهم المكفرّة للشرطة. بل أداروا معركة، بشكل مباشر وصريح، مع جنود الصاعقة. وقبل ذلك بعام استعرضوا أسلحتهم الثقيلة في الشوارع وأقاموا مهرجانات رقصوا فيها ملثمين وبالسيوف. فماذا إذًا؟ لا شيء. قائمة الاغتيالات تتم بسلاسة.
سنبدأ بمعنى البيئة الحاضنة، في العام 2011 في ذروة الثورة على ديكتاتور يقيِّد الحريات العامة وينصِّب نفسه حاكمًا مطلقًا، كما وصفناها دون أن ننسى انهماك المستشار مصطفى عبدالجليل في طمأنة هذا العالم، مقدمًا الليبيين كشعب وسطي، قتلت أميركا أسامة بن لادن في 2 مايو 2011، فدارت ميكروفونات "الفرنسية 24" باحثة عن ردود فعل الناس في بنغازي. أغلبهم لم يذكر اسمه إلا مسبوقًا بالشيخ. بعدما استوت الثورة على الجودي في طرابلس، ظهرت فجأة فيالق بسترات برتقالية مكتوب عليها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبقوا، بعدما خلعوا السترة، يحتلون الشاطئ الطرابلسي ويطبقون شريعتهم بالتعذيب المفضي إلى القتل، وإلى وقت قريب كانت الأغلبية التي لاكت على شاشات الـ"بي بي سي" والـ"سي إن إن"، ناهيك عن "الجزيرة"، مفردات الدولة المدنية واحترام حقوق الإنسان، معجبة بالدروع والنواصي وزعماء المعتقلات العلنية والسرية؛ فهم يجتثون الفساد، حسب رؤيتهم، ناهيك عمَّن يقدسون مفتي ديار لم يحث يومًا بفتاواه على المصالحة ولم يشجع على حوار أبناء الوطن، ويؤمنون بأنهم لولاه لضلوا وعمَّت الرذيلة.
هذا حال أكبر مدينتين في ليبيا المعتدلة الوسطية، كما كان يسوِّق لها المجلس الانتقالي، وحتى اليوم لو كتب أحد حرفًا عن الحريات سيجد التهم جاهزة. وياللعجب، إن المطالبة بالدولة المدنية، دولة القانون وفصل السلطات والحريات العامة، باتت كفرًا بواحًا. في المقابل هناك القادة والنخب السياسية، ومنها التحالف الذي صوَّتت له الأغلبية في انتخابات المؤتمر الوطني، أغلبية لا تجاهر بتفضيلها له وكأنه دين جديد، ناهيك عن زعيمه الذي قدم الدليل وراء الدليل على إسلامه، وأكد ذلك بصوره وهو يؤم الناس في تماهٍ مع لغة الذين يستخدمون الدين ليحققوا حلمهم بدولة الخلافة بأمرائها وأئمتها، رغمًا عن باقي التيارات والأفكار.
أعلى كيان شرعي (المؤتمر الوطني العام) بعد تطبيق قانون العزل السياسي تحت تهديد السلاح امتلأ، عن آخره، بخطباء الجمعة والحجاج والشيوخ المهتمين جدًّا بتقسيم الليبيين إلى كفار ومسلمين، وبغزوات أخرى طالما تفرَّج عليها الليبيون على الشاشات. وعليه، فالمنكرون والمتفاجئون والغاضبون اليوم أرجو ألا يعتقدوا أن المتشددين نبتوا فجأة، أو أنهم بُرآء من التطرف، ما لم يتوقفوا عن اعتبار الديمقراطية تشبُّهًا بالغرب الكافر وعن تأييد هدم الأضرحة ونبش القبور وعن اللامبالاة بقصّ رؤوس تماثيل صبراتة ولبدة وشحات، وسوس النساء كسبايا وجوارٍ وهشهن إلى حظائر الطاعة، بعدما وافقوا على قانون يذكي العداوات واستحسن جزء مهم منهم المحاصصة القبلية، وما زال لم يصدق أن ارتفاع معدلات الفقر والبطالة، المسؤول عنه الفساد المالي وأمراء الميليشيات، هو ما يدفع بالصبية واليائسين إلى أحضان مشايخ التطرف الديني أو الجهوي أو الجريمة. وبذا فإن ليبيا لن تكون إلا امتدادًا لجبال تورا بورا، مرجعية غالبية من سلمتهم اللغة المزيفة وتخاذلُنا ليبيا، بقضها وقضيها، على طبق من ذهب.
ختامًا، أتصور لو أن الليبيين التفوا حول أرامل الجيش الليبي اللاتي هددن بذريتهن القذافي عند نهوض المظاهرات الأولى (الجيش اللي في تشاد فنيته يا معمر جاتك ذريته) وجعلوهن رمزًا للثورة، لربما كانت ليبيا الآن أقرب للدولة المدنية التي من ركائزها مؤسستا الشرطة والقضاء اللتان ستسعيان لمحاسبة مرتكبي مجزرة بوسليم وغيرها، ولكان الجيش الذي طعن الإسلاميون في وطنيته بكامل هيبته وفي معسكراته.