Atwasat

هل لا تزال أميركا تتحلى بروح الابتكار؟

فريد زكريا السبت 03 يناير 2015, 03:12 مساء
فريد زكريا

مومباي - إن العالم معجب بأميركا هذه الأيام. فخلال رحلاتي الأخيرة إلى أوروبا وآسيا، ظلت عبارات الثناء والمديح تتردد على مسامعي حول روح الابتكار والمشروعات الحرة الجديدة التي تتميز بها أميركا. ولكن تؤكد مجموعة من الدراسات الجديدة أن الـ«فيسبوك وسناب شات وأوبر» مجرد أمثلة متألقة خادعة؛ حيث تعاني روح الابتكار الأميركي من مشكلات.

«لقد تباطأ معدل تكوين شركات الأعمال الناشئة في الولايات المتحدة بشكل ملحوظ على مدى الثلاثين عامًا الماضية، وصارت الشركات الأقدم هي التي تهيمن على صناعة التكنولوجيا»، حسبما كتب روبرت ليتان في العدد الحالي من مجلة «فورين أفيرز». في العام 1978، كانت الشركات الناشئة- والتي يبلغ عمرها أقل من عام- تشكّل 15% تقريبًا من جميع الشركات الأميركية. ولكن بحلول العام 2011، انخفض هذا الرقم إلى 8%. ويلاحظ ليتان أن «معدل وفيات الشركات التجارية قد تجاوز معدل مواليد الشركات التجارية للمرة الأولى خلال ثلاثة عقود».

يتعلق الابتكار بالأعمال الحرة الجديدة فضلاً عن التكنولوجيا. وهناك البعض ممن يرون أنه على الرغم من الزخم الحالي، فإننا لا نعيش فعلاً في أزمنة الابتكار

إن الشركات الأميركية تتقدم في السنّ أيضًا. يلاحظ ليتان أن «نسبة الشركات الأميركية التي تعتبر ناضجة، أي لا يقل عمرها عن 16 سنة، قد ارتفع من 23% بالنسبة لجميع الشركات في العام 1992 إلى 34% في العام 2011». وتكمن المشكلة في هذا الاتجاه أن الشركات القديمة، من الناحية التاريخية، أكثر نفورًا من المخاطرة وأكثر جمودًا وأقل قدرة على الابتكار من الشركات الناشئة.

وتتميز الحلول التي ساقها ليتان بأنها معقولة ومدعومة من الحزبين؛ حيث يقول: دعونا ندمج المهاجرين الموهوبين الذين يجمعون بين البراعة التكنولوجية والرغبة في المخاطرة. والذين من المرجح أن يخاطروا ببدء شركات جديدة بنسبة كبيرة. وعلينا مراجعة اللوائح التي تجعل من الصعب على الشخص العادي بدء شركة جديدة، وتقليل حجم هذه اللوائح بشكل منتظم. ويجب علينا أن نيسّر على الناس عملية جمع الأموال عبر الإنترنت لتمويل أفكارهم. ويجب توفير رعاية صحية شبه عامة حتى يتمكن الناس من المخاطرة بترك شركة راسخة من دون القلق بشأن الرعاية الصحية لعائلاتهم.

يتعلق الابتكار بالأعمال الحرة الجديدة فضلاً عن التكنولوجيا. وهناك البعض ممن يرون أنه على الرغم من الزخم الحالي، فإننا لا نعيش فعلاً في أزمنة الابتكار. يتفق مع وجهة النظر هذه رجل الأعمال الملياردير بيتر ثييل الذي أطلق شركة الاستثمار التكنولوجية «فاوندرز فند»، شركة رأسمال مخاطر؛ حيث يقول ببلاغة: «كنا نحلم بسيارات تطير، وفي المقابل حصلنا على وسيلة تعبير بـ ١٤٠ حرفًا فقط!»، في إشارة إلى تويتر.
أعتقد أن هناك أدلة قوية على حدوث تحول جذري في تكنولوجيا المعلومات، وسوف يستمر هذا التحول، وسينتقل إلى صناعات مثل الرعاية الصحية والتعليم. ولكنني قلق لأن صعود تكنولوجيا المعلومات جاء كثمرة لسنوات كثيرة من الاستثمار. إننا نهلك البذور ولا نضع الأساس الذي يُطلق ثورات تكنولوجية عظيمة مقبلة.

إذا سألت الناس في وادي السليكون عن محركه الرئيس، فسيجيبونك بأشياء كثيرة منها: القدرة على الفشل وعدم وجود تسلسل هرمي وثقافة المنافسة. هناك شيء واحد لا يأتي على ذكره أحد تقريبًا؛ ألا وهو الحكومة. ومع ذلك، ترتبط أصول وادي السيليكون بالدعم الحكومي بقوة. وكان السبب وراء وجود كثير من المهندسين في ولاية كاليفورنيا في الخمسينات والستينات من القرن العشرين يرجع إلى شركات الدفاع الكبرى التي اجتذبتهم إلى هناك. لقد برز كثير من الشركات الناشئة الأسطورية التي أشعلت ثورة الكمبيوتر-مثل فيرتشايلد سيميكوندكتور وإنتل- لأن الجيش، ثم وكالة ناسا لاحقًا، كانا يشتريان منتجات هذه الشركات حتى أصبحت رخيصة وفي متناول السوق التجارية الأوسع نطاقًا. وقد تم تطوير تقنية نظام تحديد المواقع (GPS) لصالح الجيش، وهذ التقنية هي التي تحرّك الآن الموجة المقبلة من ثورة المعلومات.

ينبغي ألا يكون هناك جدال حول التمويل الفيدرالي للأبحاث والتكنولوجيا الأساسية؛ لأنه يمثل واحدًا من أعظم الاستثمارات في تاريخ البشرية

بعد ذلك، يأتي دور التمويل الحكومي للأبحاث والذي يُنظر إليه أحيانًا ببساطة في صورة المنح الضخمة التي تُعطى لجامعات العلوم الأساسية ولكن غالبًا ما كان هذا التمويل يلعب دورًا أكبر بكثير. إن المثل المفضل لدي أنقله إليكم من الكتاب الجديد الرائع الذي ألفه والتر إيزاكسون بعنوان «المبتكرون». في الخمسينات، موّلت الحكومة الأميركية مشروعًا ضخمًا في مختبر لينكولن التابع لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، ووظفت أعدادًا متساوية من علماء النفس والمهندسين الذين عملوا معًا لإيجاد سبل «ليتفاعل البشر بصورة أكثر بداهة مع أجهزة الكمبيوتر ويتم تقديم المعلومات على واجهة أكثر سهولة». يتتبّع إيزاكسون في كتابه بوضوح كيف أدى هذا المشروع بشكل مباشر إلى شاشات الكمبيوتر سهلة الاستخدام التي نراها اليوم فضلاً عن تقنية ARPANET التي مهدت الطريق إلى الإنترنت.

وينبغي ألا يكون هناك جدال حول التمويل الفيدرالي للأبحاث والتكنولوجيا الأساسية؛ لأنه يمثل واحدًا من أعظم الاستثمارات في تاريخ البشرية. وعلى الرغم من ذلك، فقد انخفض إلى أدنى مستوى له كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي خلال أربعة عقود. وفي الوقت نفسه، يلحق بنا بقية العالم في كل من الأبحاث والأعمال الحرة. وهناك ثقافة شركات ناشئة حقيقية آخذة في الظهور في أماكن مثل السويد وإسرائيل وبكين وبنجالور. وتسير الصين على الطريق الصحيح لتجاوز الولايات المتحدة في الإنفاق على البحث والتطوير.

ولكن هناك أملاً. ذكر لي رجل الأعمال الهندي المحترم أجاي بيرامال أنه يعتقد «أن النقد الذاتي المستمر الذي تمارسه أميركا يعتبر أحد الأسباب التي تكمن وراء نجاحها. فكل ذلك النقد يؤكد أنها صعبة الإرضاء». ولذا، على الرغم من أن الأجانب يثنون على الابتكار الأميركي اليوم، يجب أن يشرع الأميركيون في التأكد من وجود ابتكار في الغد أيضًا.
(خدمة واشنطن بوست)