Atwasat

مستقبل الأخلاق في ليبيا؟!

عمر أبو القاسم الككلي السبت 27 ديسمبر 2014, 10:33 صباحا
عمر أبو القاسم الككلي

تتأثر أخلاق التعامل والتفاعل اليومي للناس، سلبا وإيجابا، بما يكتنفهم من ظروف حياتية. وبقدر ما تضطرب هذه الظروف وتصعب وتضِّيق الخناق عليهم، بقدر ما تضطرب الأخلاق وتتشوش، وأحيانا ينقلب ما يسمى"السلم الأخلاقي" انقلابا تاما.

ومن العوامل المؤثرة في حياة الناس اليومية وتعيد، إلى حد بعيد، صياغة وتشكيل المعايير الأخلاقية وترتيب السلم الأخلاقي، ممارسات النظام السياسي.

فالنظم السياسية الشمولية تقوم، من خلال ممارساتها الاستبدادية، وعن وعي في غالب الأحيان، وبسبب غباء القوة في أقل الأحيان، بإعادة"بناء" أخلاق"رعاياها" بحيث تتخذ طابعا مشوها.

ذلك أن"الزعيم" أو"القائد" الممسك بأعنة هذا النظام الشمولي أو ذاك يحرص، أول ما يحرص، على أن يكون أعضاء الدائرة التي يعتمد عليها في تسيير شؤون النظام(ولا أقول شؤون البلاد) فاسدي الذمم، من أجل أن يأمن عدم اعتراض أي منهم على أي فعل من أفعاله مستقبلا أو يهدد بفضح ممارسات معينة للنظام أو رأسه، وذلك من خلال حيازة ما يطعن في نزاهة ونقاء هذا الشخص بغية استخدامه في فضحه لو قرر الانشقاق عن النظام.

ومع استمرار النظام واستدامة ممارساته الاستبدادية يتخذ فساد الذمة شأوا بعيدا في هذا السبيل، بحيث تشيع أشكال الفساد المختلفة في الحياة اليومية وتفسد ذمة"الرعية" برمتها، ويُحدِث ذلك اضطرابا في أخلاقيات التعامل اليومي يؤدى إلى انقلاب سلم القيم.

لقد حدث هذا في الحالة الليبية. فأن يزاحم شخصٌ غيرُ مدخن، مثلا، المدخنين في طابور الجمعية بغية الحصول على حصته من التبغ ليبيعه، من ثَمَّ، بسعر السوق ويحصل على بضعة دينارات إضافية هو، وإن كان منخفض المستوى، شكل من أشكال فساد الذمة. وأن يتزاحم الناس في المصارف من أجل الحصول على 300$(مخصصات السفر في سنة من السنوات) وهي قيمة لا تمكن من السفر إلى أي مكان ويعلم معمر القذافي أن الحاصلين عليها سيعيدون بيعها بالعملة الليبية، أحيانا على عتبة المصرف الذي أخذوها منه للتو، هو شكل من أشكال فساد الذمة.

لقد مكننا خروجنا من السجن أواخر عقد الثمانينيات من القرن الماضي من ملاحظة انقلاب السلم الأخلاقي وتفاهة الطموحات التي أصبحت تخامر الكثير من الليبيين، أو انعدام الطموحات أصلا.

فعلى صعيد قيمة أخلاقية كبرى مثل عفاف النفس ونظافة اليد، عهدنا الناس، حتى نهاية السبعينيات، تتحدث عن الشخص الذي يمتنع عن الاختلاس، رغم أن المنصب الذي يتقلده يتيح له ذلك، بإكبار واصفة إياه بأنه نظيف أو شريف أو عفيف. لكن إثر خروجنا وجدنا مثل هذا الشخص يوصف بالغفلة وتواضع القدرة الذهنية(ما يبيش يفتح راسه، مثلما يقول التعبير الجاري).

النظم السياسية الشمولية تقوم، من خلال ممارساتها الاستبدادية، وعن وعي في غالب الأحيان، وبسبب غباء القوة في أقل الأحيان، بإعادة"بناء" أخلاق"رعاياها"

وعلى صعيد انعدام الطموح لا يمكن أن أنسى ذلك الحوار المفجع الذي سمعته مرة سنة 1988يدور بين ثلاثة شباب أصدقاء وزملاء في الدراسة الثانوية رسب منهم اثنان ونجح الثالث. كان الراسبان يسخران من الناجح ويسألانه إلى أية كلية عسكرية سيذهب الآن(كان وقتها يتم توجيه طلبة الثانوية الناجحين في الدور الثاني إلى الكليات العسكرية). كان الراسبان فرحانين برسوبهما وكان الناجح في أزمة بسبب نجاحه!

عقد ثمانينيات القرن العشرين في ليبيا كان عقدا بالغ الصعوبة على صعيد المعاش اليومي، حدث فيه ما أحب أن أسميه"إضناك"[تعمد إحداث الضنك] الليبيين بحيث اختفت أشياء من مثل الفواكه والحلويات وغيرها. وأذكر طفلة قريبة كان عمرها في حدود العشر سنوات قالت لي أنها ترغب في أن تصبح مضيفة طيران لما تكبر، كي تتمكن من الحصول على الشكلاطة!. لقد قُلِّصت أحلامها بحيث لم ترَ في مهنة المضيفة سوى كونها سبيلا للحصول على الشكلاطة.

مرة أحضرت شابا صاحب محل رخام ليُرَكِّب رخامة في المطبخ. أثناء إعادته إلى محله سألته عن الدراسة، فقال لي أنه تركها في فترة مبكرة واتجه إلى العمل الحر. قال بأنه أساسا لم يكن موفقا في دراسته، لكن ما جعله يقرر هجر الدراسة إلى الأبد أنه ذهب ذات مرة يزور صديقا في جهة عمل. أثناء وجوده هناك جاء شخص يبحث عن عمل، أي عمل، وكان هذا الشخص متحصلا على شهادة طيار!
والسؤال الآن:

بعد ما حدث في ليبيا، ومازال مداوما الحدوثَ، من قتل وخطف وانتهاك لأي حق إنساني أو حرمة وترويع وتشريد وتخريب للمباني والنفوس، كيف سيكون مستقبل الأخلاق في ليبيا، وماذا ستكون طموحات شبابنا وأحلام أطفالنا؟؟!!