Atwasat

ركن العامرية … الإرهاب… (7/3)استقطاب الشباب

فدوى بن عامر الأربعاء 22 نوفمبر 2017, 12:30 مساء
فدوى بن عامر

بحسب الباحث نيومان فإن أربعة عناصر تؤدي بالإنسان لانتهاج الإرهاب، أولها الإحساس بانعدام العدالة والمساواة في مجتمعه وثانيها استعداد الإنسان نفسه للانخراط فيه بالتأثر بالمحيطين أصحاب الفكر المتطرف، والعامل الثالث هو الأيديولوجية التي تحدد بكل صرامة ما يجب أن يكون عليه العالم من حولنا. ويكمن الرابع في المقدرة على القيام بالعمل الإرهابي من خلال توفر المصادر المادية له من أموال ووسائل تكنولوجية وغيرهما. بالإضافة قد يسقط الشباب في هاوية الإرهاب جراء قضائهم فترات طويلة دون عمل يحمل أية قيمة وكذلك قد يكون لارتفاع نسبة البطالة علاقة للجوء الشاب للتطرف.

الاستقطاب يبدأ عند حدوث مشكلة شخصية أو مجتمعية عامة مما يفسح المجال للعقل للتأثر بفكرة التطرّف باعتبارها الحل الأخير فيبدأ الشاب بالبحث عمن يشاطره أفكاره -هذا إن لم يكن أحدهم قد اصطاده- لفتح باب الحوار ومن ثم البحث عن طرق تفعيل ذلك الفكر ثم القيام بالفعل الإرهابي.

ويبدأ الاستقطاب عند حدوث مشكلة شخصية أو مجتمعية عامة مما يفسح المجال للعقل للتأثر بفكرة التطرّف باعتبارها الحل الأخير فيبدأ الشاب بالبحث عمن يشاطره أفكاره -هذا إن لم يكن أحدهم قد اصطاده- لفتح باب الحوار ومن ثم البحث عن طرق تفعيل ذلك الفكر ثم القيام بالفعل الإرهابي.

ومن خصائص الشخصية المهيأة للتطرف نظرتها الأحادية للحياة فهي لا ترى إلا اللون الأبيض أو الأسود مع غياب تام للون الرمادي رغم أن معظم هموم الحياة تقبع فيه. اللافت أن منهجية التفكير هذه تمنح صاحبها راحة في التعامل مع المشكلات الحياتية فالاختيار دائمًا بين الحق والباطل، الصواب والخطأ، الحياة والموت وهكذا ينتهي كل شيء بسهولة وهمية. هذا بالإضافة للعديد من العوامل الأخرى المؤثرة في شخصية الإرهابي كالكاريزما والأيديولوجية السياسية والاجتماعية والثقافية.

زاويتان
وهناك زاويتان يمكن النظر من خلالهما لشخصية الإرهابي، الأولى على المستوى الفردي وفيها ينزع الإرهابي للفكر المتطرف مع عجزه على الفعل الإرهابي ويمكن القول هنا إن أعداد هذا النوع من الإرهابيين قد يكون كبيرًا بالنظر للواقع الراهن. والزاوية الثانية، على المستوى الجماعي وهي تلك الشخصية صاحبة الفكر المتطرف والاستعداد النفسي للفعل الإرهابي وهذه الشخصية بحسب ما أرى أقل عددًا من الأولى كما أنها بحاجة لظروف حاضنة كي تسفر عن وجودها.

وهذا يدفعنا للبحث في الجانب النفسي لشخصية الإرهابي لكونها نقطة الانطلاقة لمسيرة الإرهابي. آري كروغلانسكي، بروفيسور علم نفس وباحث في مركز START مهتم بدراسة الانتحاريين وطرق استقطابهم وإعداداهم لمهامهم القاتلة كذلك تحليل سمات شخصية الانتحاري التي تجعله لا يبالي بتقديم روحه في سبيل سلب أرواح آخرين. وقد لفتت انتباهه من خلال أبحاثه المتعلقة بتنظيم نمور التاميل الإرهابي في سريلانكا الطريقة التي تم بها استدراج الشباب للتنظيم كعناصر انتحارية حيث كان يُستدعى المتطوع للعمل الانتحاري لإجراء مقابلة لتحديد مدى ملائمته لذلك. فكان التكتيك يتم بترك الشاب في غرفة الاستقبال لفترة من الزمن ثم تبدأ المقابلة بسؤاله عما استرعى انتباهه في الحجرة. المفاجأة كانت باستبعاد كل من استطاع التذكر واختيار كل من لم يستطع تذكر أي شيء. فوجد الباحث أن كلمة السر إنما في "الالتزام“، فعدم تذكّر الشاب لأية تفاصيل لحجرة الاستقبال تدل على سيطرة عقله الواعي واللاوعي على أهمية قبوله كانتحاري في التنظيم بينما التذكر دليل على عدم إخلاصه الفكري للأمر لدرجة انشغاله بتفاصيل غرفة الاستقبال!. ولذا يؤكد البروفيسور أن العامل الأساسي المؤثر في قرار ضم الشاب للفرقة الانتحارية هو مقدار الالتزام بالفكر الإرهابي والولاء الفكري له حد الاستيلاء على كل كيانه وحياته فلا تعود للعلاقات الأسرية والمشاعر الإنسانية أية مكانة عدا فكرة التنظيم مما يفقده حبه لذاته فلا يتوانى للدفع بها قربانًا رخيصًا للتنظيم الإرهابي. وقد كشفت دراساته خلو هؤلاء تمامًا من أية مشاكل نفسية مما يرجح إمكانية تجنيد أي شخص بوضعه تحت ظروف مماثلة.

والجدير بالذكر أنه عندما أجرى البروفيسور مقابلات مع آلاف منهم تبين اشتراكهم في شيء واحد فقط وهو (The Quest for Personal Significance) أي البحث عن جدوى أو قيمة للذات. في الحقيقة هذا يعني الكثير للناس عمومًا فالإنسان بطبيعته يشعر بضرورة أن يكون مهمًا في حياة بعض الأفراد لاسيما أحبائه وتحت ظروف معينة قد يزداد هذا الشعور حدة.

يرجع سبب قدرة الإرهابي على ارتكاب المجازر الفظيعة إلى حالة انعدام كامل لحس التعاطف الإنساني لديه

أما الباحث ستيف تيلور فيذهب إلى ما ذهب إليه كروغلانسكي فهو يؤكد على الصحة العقلية والنفسية للإرهابي ويرجع سبب قدرة الإرهابي على ارتكاب المجازر الفظيعة إلى حالة انعدام كامل لحس التعاطف الإنساني لديه (complete lack of empathy) ولا يصل الانسان لهذه المرحلة إلا عند تشبع ذهنه بشعور الاحتقار للآخر المختلف عنه فيتملكه مفهوم نحن وهم، نحن الأخيار وهم الأشرار وبالتالي يستحيل على الإنسان تفهم الآخر أو التعايش معه سلميًا فالآخر دونه إنسانية وبذلك لا يستحق الحياة ولا مكان له فيها.

وفي سياق البحث عن الذات أشار كروغلانسكي إلى أن إحساس الإنسان بالخيبات يعزز من بحثه عما يحقق أهميته فتبدأ الشخصية في إرسال رسائل من خلال الحديث وربما عن دون وعي فيلتقطها من في التنظيم ليبدأ بعدها الاستقطاب بالضرب على تلك النقطة الحساسة. تمامًا كما فعل الإرهابي الليبي القيادي في تنظيم القاعدة فقد حرص في خطاباته على استخدام لغة عاطفية فالجموع لا تُقاد أو تُستقطب بالعقل والمنطق وإنما بالعاطفة ومداعبة أوتار المشاعر. فعلى سبيل المثال يقول في معرض إحدى خطاباته ما معناه "الجهاد الْيَوْم هو الخلاص الوحيد وهو لمرضاة الله عز وجل للثأر ممن أفسد حياتك أنت وأهانك أنت فاعمل على الالتحاق بأخوة لك لتوحيد القوى. فنصرهم هو نصرك أنت وخلاصهم هو خلاص لك أنت"!.

الأيديولوجيا المصاحبة لعملية البحث عن الذات تمنح الإنسان غطاء وثيرًا بمنطقية الثأر مِمَن كان سببًا في تعاسته وحينها يُشرعن لمنهاج الذبح والقتل والتخريب والدمار

هنا تقفز الأيديولوجية على مسرح الأحداث فالأيديولوجيا المصاحبة لعملية البحث عن الذات تمنح الإنسان غطاء وثيرًا بمنطقية الثأر مِمَن كان سببًا في تعاسته وحينها يُشرعن لمنهاج الذبح والقتل والتخريب والدمار تحت مسوغ أوامر ونواهٍ عقائدية ستشعره بأهميته وتساعده على القضاء على شعور الْخِزْي والإذلال فلا مفر إذًا إلا بالفرار إلى التطرّف والإرهاب.

الخلاصة هي أن مشاعر الغبن نتيجة الإحساس بالفشل والخجل المتولد أمام النفس يجعلان من الإنسان فاقدًا لأهمية ذاته مما قد يدفعه للجوء إلى محاولة سد هذا الفراغ بالاتكاء على أيديولوجية تمده باليقين المعرفي فيعتقد واهمًا بوصوله للحقيقة المطلقة.

وبالخضوع لأيديولوجية ما يجد الإنسان نفسه على قارعة طريق قرعاء وإن تبدَّى له أنه الصواب المطلق الذي لا يخالجه باطل. تلك الأيديولوجية لا تتوانى أبدًا على تزيين الشر خيرًا فيصبح إزهاق الأرواح من الخير المأجور عليه. فهل بعد كل هذا الدمار سيكون بالإمكان إرجاع الإرهابي عن فكره المتطرف!.