Atwasat

إرهاب الفقر

عمر أبو القاسم الككلي الأحد 22 أكتوبر 2017, 08:42 صباحا
عمر أبو القاسم الككلي

لا يوجد حتى الآن، تعريف للإرهاب يشمل إرهاب الدولة، إلى جانب إرهاب المنظمات الإرهابية العاملة على مستوى محلي أو على نطاق دولي. باعتبارها منظمات إرهابية "غير حكومية". وحتى في هذا الإطار لا يفرق التعريف المعتمد للإرهاب من حيث هو "استخدام العنف لتحقيق أغراض سياسية" بين الحركات الإرهابية وحركات التحرير الوطني، سواء تلك المقاومة للاستعمار أو تلك التي تنتهج الكفاح المسلح ضد أنظمة طغيانية قاهرة لشعوبها. وما من شك في أن الغرب لم يتجند في مكافحة الإرهاب إلا عندما أصبح يهدد مصالحه في مناطق معينة خارج جغرافية الغرب ويقوم بعمليات داخل بلدانه.

شرعت ظاهرة الإرهاب في التفشي منذ عقد الثمانينيات من القرن الماضي تقريبا، وأخذت تتعاظم بتكاثر المنظمات الإرهابية. وما من شك في أن الإرهاب الحالي يتخذ صبغة إسلامية.

داخل هذا الإطار تزداد الحركات الإرهابية غلوا في رؤيتها الفكرية. فالتنظيمات الجهادية الأولى (1)، تحديدا تنظيما الجهاد والجماعة الإسلامية في مصر، كانت تمتلك مشروعا عقائديا وسياسيا ينطلق من أسس فقهية تكفر الأنظمة السياسية الحاكمة مطالبة بمحاربتها لأنها لا تطبق شرع الله، ولم تكفر المجتمع على غرار ما فعلت جماعة التكفير والهجرة.
لقد درست ظاهرة الإرهاب من نواح شتى، لكن السؤال الذي ظل مسكوتا عنه تقريباهو: ما هي أسباب تولد "الإرهاب الإسلامي" وما علاقته بتنصيب دولة إسرائيل والتغول الغربي على المنطقة الإسلامية؟

وبدلا من ذلك توجه السؤال نحو: ما هي أسباب ودوافع الذين يتجندون ضمن المنظمات الإرهابية؟

في هذا السياق يبرز العامل الاقتصادي. وينقسم الجدال إزاء هذا العامل بين تيارين أساسيين (2). يميل الاتجاه الأول منهما إلى نفي وجود علاقة بين الوضع الاقتصادي، وبالتالي انخفاض المستوى التعليمي، وتبني العنف، وخاصة الإرهاب. أما الاتجاه الثاني فيرى أن العلاقة هي علاقة تلازم "بمعنى وجود دوافع وليس أسباب اقتصادية، وأن ليس للسياسة أي دخل بها" (2).

ففي الاتجاه الأول، أسفر التحليل الرقمي (3) في إحدى الدراسات التي أجريت من خلال سيرة حياة 400 لممارسي العمليات الإرهابية على أن "ثلاثة أرباع أفراد العينة ينحدرون من الطبقات المتوسطة فما فوقها، و90% منهم نشأوا في رعاية أسر متماسكة، و63% التحقوا بكليات جامعية" (3) وبعضهم يتقن الحديث بعدة لغات وأنهم يميلون إلى الاستقرار الأسري حيث 73% منهم متزوجزن ولهم أطفال وغير المتزوجين لم يبلغوا السن المعتادة للزواج (3). كما أن "ثلاثة أرباع العينة مهنيون يعملون في مجالات الهندسة الميكانيكية والمدنية والمعمارية" (3). والقليل منهم متخصص في الإنسانيات و 13% منهم فقط تلقوا تعليمهم الأولي في مدارس دينية، وتحتل العلوم الطبيعية قمة التخصصات حتى بين القادة، فبن لادن مهندس مدني والظواهري طبيب ومحمد عطا مهندس معماري، والقليل منهم درس العلوم ا لعسكرية مثل محمد إبراهيم مكاوي (3).

لكن يوجه النقد (2) إلى هذا الرأي وهذه النتائج من حيث أن الدراسات المنتمية إليه تميل إلى التركيز على المنفذين للهجمات الإرهابية ذاتهم "وبالتالي يتم تجاهل المحيط الأوسع من المتطوعين وجنود المشاة الموجودين في خلفية المشهد والمنخرطين في العمليات الأقل بروزا" (2). ولا تلتفت هذه الدراسات إلى أن الجهاديين الإسلامين يلجأون "إلى الأماكن الفقيرة لكسب دعم الفقراء، ومن اليمن إلى كشمير والشيشان، وأيضا في الشرق الأوسط يجند الشباب غير المتعلم والفقير في الحركات المتطرفة مقابل المال" (2).

ويرى مجدي صبحي (2) أن سيطرة أفكار المدرسة النيو ليبرالية على صناعة القرار في بعض البلدان المتقدمة منذ أواخر سبعينيات القرن الماضي، ثم على المؤسسات المالية الدولية خلال النصف الثاني من العقد التالي، واجتياحها للعالم لاحقا، وما طرحته من برامج تتبنى آليات السوق والخصخصة وغيرها من الآليات، تكمن وراء هذه الآراء النافية لعلاقة الإرهاب بالفقر والبطالة وتدني الوضع الاجتماعي والتعليمي، قصد نفي الأثر السلبي لبرامجها على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وحرف النظر عن الصراعات الأهلية الناشبة في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي بسبب برامج الإصلاح الهيكلي لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي.

المراجع.
(1) د. عمرو الشوبكي، تحولات جماعات العنف وتحدي الإرهاب الجديد، مجلة الديمقراطية، ع 67، يوليو 2017.
(2) مجدي صبحي، عن العلاقة بين الاقتصاد والعنف، مجلة الديمقراطية، ع 67، يوليو 2017.
(3) د. قدري حفني، العلاقة بين التطرف والإرهاب، مجلة الديمقراطية، ع 67، يوليو 2017.