Atwasat

"أيش فيه و أيش ما فيه؟"

محمد عقيلة العمامي الإثنين 21 أغسطس 2017, 10:59 صباحا
محمد عقيلة العمامي

لا أظن أن الناطقين باللغة العربية، بمختلف لهجاتهم وكذلك طرق ترحيبهم وسلامهم، يلتقون في مكان يضم أكبر عدد منهم، أوسع من ساحتي الحرمين الشريفين. ستتداخل السلامات والتحيات. يسمع المرء ليبيين يرحبون ببعضهم البعض: "كيف حالك؟" أو: "ايش لونك؟"، "شنو أخبارك ؟"، "كيف أمورك؟". وتختلط هذه التحايا والسلامات بلهجات عربية أخرى: "ايش لونك"، "إزيك؟"، "أمنيح"، "أهلين وسهلين"، "يعيشك"، "سلامات"، "كيفك". ومصطلحات وكلمات لا تحصى. كلها تبدو ودودة، وغالبا ما ترتفع الأيادي مرحبة، والأنوف تتلامس، والأذرع تطوق، وتتسع الابتسامات، وترتفع ضحكات.

قد يكون هناك صيني مسلم في الحرم، وستراه مبتسما يهز رأسه بود لصيني آخر التقاه وسوف يحييه ولكن لن يسأل عن حاله أو لونه وإنما سوف يسأله: "هل أكلت؟" ولا يحمل سؤاله أي نية لدعوته على وجبة ما، أو أنه ينوي أن يأكل ويدعوه لمرافقته؛ ذلك أمر لم يخطر على باله أبدا، فالتحية في الصين هي: "هل أكلت؟". الصينيون واقعيون جدا. تاريخهم الصعب جعلهم يتجهون مباشرة إلى ما يريدون. لقد تعلموا أنهم لا يستطيعون أن يحبوا أو يكرهوا إن كانوا جائعين، ولا تهمهم الحرية، أو الدين والمعدة خاوية. فالإنسان لا يستطيع أن يستخدم عقله وهو جوعان. لا يرتفع إلى مرتبة فوق الحيوان إلاّ بعد أن (يحبس) على رأي إخواننا المصريين بكوب من الشاي الصيني، بالتأكيد مع ثلاث ملاعق سكر.

لم أقل له أكثر من السؤال المعتاد: (ايش فيه وأيش ما فيه؟)". إنه لم ينتبه إلى أن جواب سؤاله يشمل كل ما حدث

بعض قبائل أفريقيا تعني تحيتهم اليومية: "هل تنعم بالسلام؟". في أوروبا: "طاب يومك" أو"أتمنى لك يوما سعيدا". ولكن من إيطاليا يبدأ القلق إذ إن معني تحيتهم المعتادة: "كيف تكون؟". ثم تصبح التحية في الوطن العربي سؤالا عن حالة القلق عن الصحة وعن الأوجاع وعن الأمور الحياتية المزعجة، إذ إن هذا السؤال المباشر البسيط "كيف الحال؟" تحتاج إجابته إلى صفحات بحجم رواية كاملة.

يحكى أن ليبيا (معنقر) طاقيته الحمراء، كان يراقب شابا يتحدث مع طرف آخر عبر الكومبيوتر، وكان يضحك أثناء محادثته. ولقد قام الشاب لعمل ما، فانتهز أخونا غيابه، ومال على الكومبيوتر وتمتم بسؤال، وقد شاهده الشاب حين رجوعه. وأخذ الجهاز يصدر أصواتا وتعلو مروحيته وتهفت، واستغرب مما يحدث لجهازه، وحاول إيقاف تشغيله، واستمر الحال إلى أن انفجر الكومبيوتر وخرجت أسلاكه وتروسه من جوفه وتصاعد الدخان منه. وكان ذو الطاقية الحمراء مازال واقفا ممسكا بقبضتيه خلف ظهره، مشرئبا نحو الشاب المصدوم، الذي سأله: "بالله يا حاج ماذا فعلت للجهاز؟" أجابه: "شيء والله! سألت صاحبك الذي تتحدث معه عن حاله فقط. لم أقل له أكثر من السؤال المعتاد: (ايش فيه وأيش ما فيه؟)". إنه لم ينتبه إلى أن جواب سؤاله يشمل كل ما حدث، وما لم يحدث بعد في العالم كله!.

هذه التحية الليبية يقولها الليبيون لبعضهم البعض عندما يتجمعون قبيل المغرب عند مصطبة مسجد الحي. ينسون تحية الإسلام: "السلام عليكم ورحمة الله وبركاته" ويريدون أن يعرفوا كل ما حدث من أسعار البطاطا حتى تداعيات اتفاق الصخيرات: "كيف الأحوال .. أيش فيه وأيش ما فيه". والعجيب أنه لا ينتبه ابد إلى أن حاجته هذه الأيام هي فقط، معرفة إجراءات الجوازات والأربعمائة دولار. أما غير ذلك فهو ليس من شأنه.