Atwasat

ركن العامرية.. ميثاق سيدات طبرق ورجوع القهقرى

فدوى بن عامر الثلاثاء 15 أغسطس 2017, 12:31 مساء
فدوى بن عامر

كم كبير من السعادة يغرق قلبي عندما تكون المرأة الليبية المحامية والقاضية والطبيبة وربّة البيت والمهندسة والأستاذة والمعلمة قائدة لعقلها. عقلها الذي إذا أدارته كما ينبغي قادت مجتمعها كله ومن فيه نحو الرقي والإنصاف.

وأما كلمة الإنصاف فلعمري إنها كبيرة إلا على أصحاب الأفهام الرحيبة. فمرحلة تتسّم بالإنصاف قد سعت إليها أمهاتنا وجداتنا. تلك المرحلة المتميزة بعقول نسائية قيادية طموحة ومنفتحة كالرائدة العظيمة حميدة العنيزي والسيدة الفاضلة خديجة الجهمي والمربية المعلّمة حميدة بن عامر وغيرهن الكثيرات من كل أنحاء ليبيا اللاتي عملن للترقي بالليبية لتبلغ الجبال طولًا حيث يليق بها أن تكون.

وقطعت الليبية طريقًا طويلًا وغير ممهدٍ إلا أن بمتابعة مسيرتها الْيَوْم فإننا نشهد في خضّم التقهقر الفكري العام السياسي والاجتماعي إعلان المرأة الليبية و بفخر مؤسف عن مزيد من التقهقر.

فبدل أن نراها في مقدمة جبهات التنوير تنزف عرقًا كتفًا بكتف إلى جانب الرجل بل متقدمة عليه أحيانًا للدفع نحو تأسيس ليبيا التي تليق بها وبناتها، هاهي تثبت لرجلها الذي وكما يقول المثل الليبي "يدّور فيها لها في السماء لقيها في الوطا". إنها لا تستحق أكثر من قيادة شئون المطبخ في الأفراح والأتراح على السواء فكان ميثاق سيدات طبرق والذي أتمنى أن يكون ميثاقا من بعض سيدات طبرق لأنه لا يرقى للتعبير عن طموح سيدات طبرق أو أية امرأة ليبية.

ربما لم تخل فكرة الميثاق من بعض الوجاهة وهي محاربة الظواهر الاجتماعية السلبية ومحاولة التقليل منها لا القضاء عليها كما ينص الميثاق فلا أثر لمجتمع أرضي يخلو من ظواهر سلبية بدرجة من الدرجات ولكن أن يتم ذلك بميثاق كميثاق سيدات طبرق الذي لم يكتف بوصف ما يجب أن تكون عليه مظاهر الفرح بل إملاء طريقة الحزن على المتوفى، تالله قد أطاحت تلك الإملاءات بطموح المرأة الليبية وقزّمت أحلامها.

وحديثي هذا لا يتعارض مع ضرورة نشر التوعية والإرشاد للتخفيف من أشكال التبذير والإسراف في المناسبات الاجتماعية لكن ذلك لا يتم بالميثاق الذي نص أحد بنوده على عدم التعزية بالبكاء بل باليد!. فماذا لو قدمت إحدى النساء التعزية بالبكاء، أتعاقب حينها!؟. ثم إن التحجج بالتقيّد بالموروث "بحذافيره" كما ورد في النص لم يكن دقيقًا أو صائبًا. فمثلًا جاءت محاولة تخفيف المهر في نص الميثاق رغم دراية السيدات أن الخليفة عمر بن الخطاب قد حاول القيام بذلك منذ أكثر من ألف عام وصدّته امرأة وحاججته بالقرآن الكريم، فأين المشكلة إذًا من الناحية الشرعية إن اشترطت امرأة قنطارًا من الذهب مهرًا لها و قبل به الرجل!

لن أطيل في مناقشة بنود الميثاق الذي بحسب رأيي المتواضع فيه رجوع بالليبية القهقري. فبدل أن توجه طاقاتها بحزم تجاه قضايا حاسمة هاهي تكرِّس لما طُبعت عليه اجتماعيًا، الاهتمام بالشئون المطبخية للأفراح والأتراح.

ميثاق لم يبلغ الرشد بعد يتعين ألا يرضي تطلعات المرأة الليبية و لا يروي غليل الرجل الليبي المنصف الذي أُهين على ما يبدو في ما ورد تحت عنوان المشروع الأول "مشروع إعفاف الشباب"، جملة لا تستسيغها النفس ولا تُقبل في حق الشباب الليبيين سواء النساء أو الرجال.

ما نتمنى أن نراه هو أن تكون الليبية المحامية والقاضية، في المقدمة لسن القوانين التقدمية والحفاظ عليها وحمايتها والعمل على تطبيقها بدل التفريط فيها كما حدث مع قانون تعدد الزوجات حيث لم نسمع بصدور أي ميثاق نسائي جماعي بالخصوص وكذا عند إصدار قانون عدم سفر الليبية دون محرم، وهنا أتساءل هل هناك رابطة فاعلة للقانونيات الليبيات!

نتمنى أن نرى الضابطة الليبية متقدمة للمحافظة على أمن البلاد. ونأمل بمتابعة مساهمات الأستاذة الليبية والمعلمة في وضع مناهج تعليمية ترسخ لفكرة الدور الريادي للمرأة في المجتمع بدل تسليط الانتباه على دورها النمطي كالشئون المطبخية. وهل لدينا رابطة فاعلة للأستاذات والمعلمات الليبيات!

نود و بقوة أن تكون الليبية على قمة الهرم السياسي للبلاد تحفر لنفسها مكانا قياديا وسط المعترك السياسي لتفرض من خلاله صياغة مستقبل بلدها. نريد الاقتصادية الفذّة قائدة للشركات والمصارف ومجالس الإدارة، ساعية لتغيير مناخ العمل بما يناسب متطلبات المرأة مما سيشجع المزيد من النساء للالتحاق بهذا النوع من الوظائف. وهل هناك رابطة فاعلة للاقتصاديات والمصرفيات الليبيات!

وكم نتمنى رصد الليبية المجتهدة في الفكر الديني، تلك التي لا تهين عقلها بالاكتفاء بالحفظ بل تعكف على الاجتهاد الجاد لعلها تجد حلولًا للكثير من المشكلات التي ألقى بها الفكر الديني ظلالًا كثيفة على أكتافها النحيلة حتى احدودب ظهرها ومنذ زمن طويل جدًا. وهل هناك رابطة فاعلة للمجتهدات الليبيات!

ونصبو لمتابعة نشاطات الفنانة الليبية، الشاعرة والموسيقية والرسّامة والروائية، بتصدرها الجلسات الثقافية متلألئة في صالوناتها. وهل هناك رابطة فاعلة للفنانات الليبيات..!

كان هذا جزءا يسيرًا مما قد يرضي طموح المرأة الليبية لحياة أجمل و أكثر عدلًا وإنصافًا ومن خلال كل ذلك سيبدأ الهزل الاجتماعي الذي نعيشه ونعايشه بالانقشاع ليسمح بتشكّل عادات أسمى وتقاليد أبهى. وأما ميثاق سيدات طبرق وللأسف لا يرقى لشيء بل ينحدر نحو تكريس مزيدًا من الوهن وقلة الحيلة للمرأة وهذا ليس قدر الليبية التي حلمت بها كل أولئك الرائدات الأوائل.

في ذات الوقت فليكن لليبية ما أرادت وإن كان فيه بحسب ما أرى انتكاسة عظيمة وارتكاسة موجعة، ولتقتدِ به من رغبت من سائر النساء الليبيات، فكتابة ميثاق يعنى بالشئون المطبخية للأفراح والأتراح قد يكون أبلغ أثرًا من كتابة ميثاق لمجلس أعلى للنساء القياديات مثلًا. ولذا يتعين علينا الاعتراف نحن النساء أننا وحدنا من يقع علينا ترتيب أولوياتنا ورغباتنا وآمالنا وأحلامنا وكل بما يناسب عقلنا فإن رقى عقلنا قادنا وارتقينا بمجتمعنا وإن ارتكس اكتفينا بالمطبخ وانحدرنا بالمجتمع وكل من فيه.