Atwasat

مجرد ذكريات: سلالةُ بن حليم الحلقة الثالثة

أحمد الفيتوري الأربعاء 26 يوليو 2017, 10:06 صباحا
أحمد الفيتوري

1-
جدلُ الداخل والخارج مسألةٌ لا تخص الدولة الليبية، ولا تنفرد بها مذكرات السيد مصطفى أحمد بن حليم رئيس ثالث حكومة ليبية في تاريخ البلاد، لكن بطبيعة الحال فأن لكل حالة شيئا من الخصوصية وتعينا في الزمان والمكان، ولهذا فإن هذه المسألة متن مدونة ابن حليم والسردية الأساس التي جعلت من "بن حليم" يتفردُ كرئيس وزراء ليبي مُحنك وشاب مميز أدرك أن جدلية الداخل والخارج هي المهمة المُناطة برجل الدولة الذي مسئوليتهُ أن يُمسك بخيط التوازن، أما ما تكشف عنه السرديات التاريخية في هذه المدونة وفي تأريخ الدولة الليبية أن المسألة الليبية كان الخارج فيها يُثقل كفة الميزان منذ تحررها من الاستعمار الإيطالي بفضل الحرب العالمية الكبرى إلى قرار الأمم المتحدة المانح لاستقلالها إلى تواجد القوى العسكرية لدول كبرى منتصرة في تلكم الحرب حتى حالة آثار الحرب وقبل اقتصاد البلاد الذي يُعاني من عسر بنيوي يجعل من ليبيا بلدا تحت خط الفقر.

ولعل إدراك ذلك جعل بن حليم في فترة من حكومته يمسك- إضافة لرئاسته للحكومة- بوزارة الخارجية، بل تبدو الحكومة في مجملها وكأنها حكومة الخارجية، وحينها كانت قضية جنوب ليبيا المسألة الأساس للدولة الليبية التي استقلت وفرنسا تحتل إقليم فزان، الإقليم البطن الرخو للجيو سياسي الليبي، فهو الصحراء الليبية كما أنه فقير من حيث قلة سكانه.

المسألة الليبية كان الخارج فيها يُثقل كفة الميزان منذ تحررها من الاستعمار الإيطالي بفضل الحرب العالمية

أما الداخل فإمبراطورية الرمل، جغرافيا تتكون من أقانيم ثلاثة، كل أقنوم شبه قارة ونظام حكمها الذي انبثق ساعتها للتعامل مع هذه المميزة المعضلة النظام الفيدرالي بحكوماته الثلاث، وفي هذا الحال فإن رئاسة حكومة الدولة وكأنها وزارة خارجية أيضا، لأن مسألة سيادة الدولة الناشئة تضغط عليها الشئون الجهوية للأقاليم وسلطة الملك الذي هو الميزان بين سلطة الحكومة المركزية وسلطة الحكومات الإقليمية، مما جعل "بن حليم" زعيم لحظة يبانُ كما حاوٍ وقائد أوركسترا لفرقة نحاسية ضجيجها يعلو على تناغمها.

هذا الاحتدام مسألة مسائل الدولة في حكومة "بن حليم" تكشفه المذكرات باعتباره مشكلا بنيويا في الدولة وعلى الخصوص في الدولة الليبية لا فكاك منه، كما مرض "سكري" صابت به الدولة الليبية، كان بن حليم ممن تدربوا على مواجهته بالكمية المطلوبة من الأنسولين وفي اللحظة الدقيقة، وهذا الاحتدام بين الداخل الداخل وبين الخارج الخارج ومن ثمة بين الداخل والخارج لم يرتقِ بالمرة ولا حتى في الكوابيس إلى صراعٍ يُهدد الدولة بل لم يعرقل حكومة بن حليم.

2-
أما مسألة الدستور ونظام الحكم اللذان من خلالهما يستمد "بن حليم" سلطتهُ ويدير شؤون البلاد، فهما كفلا حالة التوازن، وهما مجدافا الحكومة التي لم يكن فيها أحد غير ممسك بمجداف كي يُخل بالتوازن.
المملكة الليبية المتحدة فيدراليتها إن مثلت عبئاً على الحكومة فإنها حلت مُعضلة البلاد بأقنومها المثلث، ومنحت الحكومة المركزية المقدرة على إدارة شئون البلاد الخارجية بالأساس، والداخلية من ثم باعتبارها طباق جدلية الداخل والخارج، من خلال مرفوع أن رئيس الحكومة كما المُخرج المنفذ لإرادة المُخرج الملك، وعندها الدستور "خارطة الطريق" أو "العروة الوثقي" كان يُعدل عندما تعضل مسألة أمام هذه الإرادة، وكأنما الدستور وضع للتعديل وليس للتنفيذ، وفي هذا السياق حافلة مدونة "بن حليم" بحفل التعديلات هذه وتاريخ البلاد الدستوري.

"بن حليم" كان كممثل الحكومة الأول يمتلك مخيلة المخرج لا أداء الممثل النمطي

إلى جانب ذلكم المملكة الليبية المتحدة لم تواجه المسألة الديمقراطية فالعامل الخارجي صدّر الحل حيث المراد العالم ثالثي جملة: دولة الحزب الواحد، وكما كان النظام الناصري الحلم، فإن تونس والجزائر ومجمل دول الجوار دول لم تنشأ بعد فلم تستقل وقادة التحرير فيها من النموذج الناصري، وانعكاس هذا في ليبيا الناشئة أن المعارضة تطمح للسلطة بهذا المعيار: دولة الحزب الواحد.

وفي هذه الحال كان الملك دستورا للدستور، ورئيسا لرئيس الحكومة الذي ينفذ إرادته في الأخير، من ذا المعطى اتخذت سردية بن حليم مسار الدور الشخصي لرئيس الحكومة، وبدا أن مصطفي بن حليم شخصية محنكة وبدهاء نفذ كقائد لأوركسترا النوتة الملكية، بمعنى آخر دون في مدونته مقدرته على خلق علاقة مميزة مع الملك ومن ثم مع القصر وديوان الملك.

وفي تقديري أن "بن حليم" كان كممثل الحكومة الأول يمتلك مخيلة المخرج لا أداء الممثل النمطي، وبهذه الكاريزما النابهة جسد دوره في الدولة وفي تاريخها ومن ثم في "صفحات مطوية من تاريخ ليبيا السياسي- مذكرات رئيس وزراء ليبيا الأسبق مصطفي أحمد بن حليم"، أول مذكرات لسياسي في تاريخ ليبيا، والكتاب الأهم حتى الساعة في الخصوص.