Atwasat

ابتلاع "الدولة" الليبية

عمر أبو القاسم الككلي الأحد 05 مارس 2017, 09:09 صباحا
عمر أبو القاسم الككلي

تشهد ليبيا راهنا، أكثر من أي وقت مضى (بما في ذلك فترة الاحتلال الإيطالي)، هجوما مخططا ومنظما وعنيفا على حرية الفكر، أي على العقل، من قبل الاتجاهات الدينية الإسلامية كافة، وإذا ما صرفنا الحديث عن الجماعات الإرهابية التي ترفع شعار "جئناكم بالذبح"، فإن رأس الحربة الأكثر مضاء الآن في هذا الهجوم تتولاه الجماعات الوهابية التي تدعو نفسها سلفية.

ويتمثل خطر هذه الجماعات على حرية الفكر، وحتى على المذهبين الفقهيين المتعايشين في ليبيا، وهما المذهب المالكي والمذهب الأباضي، في كون هذه الجماعات تمكنت من السيطرة على المؤسسات الدينية والمساجد، ويبدو أن لها نفوذا معتبرا أيضا في المؤسسات الأمنية.

وقد بلغ هذا التمكن ذروته في شرق البلاد عبر "وهبنة" المؤسسة العسكرية الهشة معادة البناء، بحيث أصبحت هذه المؤسسة رهينة هذا التوجه فتقوم بحمايته وتنفيذ أوامره والتزام نواهيه. كما تم، عمليا، الإعلان عن تبعية هذه الجماعات إلى مرجعية دينية خارجية يستقر شيوخها ذوو النفوذ في السعودية، تحديدا، وما من شك في أن هذا النفوذ الديني سيجر معه نفوذا سياسيا.

لقد سلمت المؤسسة العسكرية ما كسبته، عبر تضحيات جمة، في تصديها للإرهاب كاملا مكتملا للتطرف الديني المتمثل في المذهب الوهابي. والفارق بين الإرهاب والتطرف، سواء كان دينيا أو غير ديني، فارق في الدرجة وليس في النوع. فالتطرف بوابة الإرهاب وعتبته.

لقد بدأت حملات المذهب الوهابي، العلنية والماضية، المعادية للعقل والحريات العامة في ليبيا من خلال تكفير الكتاب والمثقفين من على منابر المساجد في خطب الجمعة ومصادرة الكتب واستجلاب شيخ سعودي، عبر المؤسسة العسكرية، ليتجول في بعض المدن الليبية خاطبا في مساجدها خطبا تعادي حرية التفكير والعقل والديموقراطية والمرأة.

كما استطاعت استصدار قانون من المؤسسة العسكرية يحظر سفر المرأة دون مصاحبة زوج أو محرم. صحيح أن القرار قد "جُمِّد" بسبب ما ووجه به من احتجاجات وإدانات من قبل قطاع واسع من الرأي العام ومؤسسات المجتمع المدني، إلا أنه تم التحايل عليه من خلال العمل بضرورة حصول المسافرين من الجنسين تحت سن معينة على موافقة أمنية تسمح بخروجهم.

احتجاجات الرأي العام ومنظمات المجتمع المدني يبدو أنها كانت أيضا وراء إحجام "هيئة الأوقاف والشؤون الإسلامية" بالحكومة المؤقة عن تنفيذ قرارها بأن تكون خطبة الجمعة يوم 3. 3. 2017 خطبة موحدة عنوانها "العلمانيون ومحاولتهم إفساد المرأة المسلمة!".

سياق الأمور يدل على أن ثمة محاولة جادة من قبل الحركة الوهابية لابتلاع "الدولة" الليبية وتغيير الملامح والهوية الثقافية للمجتمع الليبي وإعاقة تطوره.