Atwasat

ضد فبراير، لماذا؟

أحمد الفيتوري الثلاثاء 21 فبراير 2017, 09:19 صباحا
أحمد الفيتوري

عندما قامت الثورة الفرنسية خرج تحالف أوروبي ضدها، أما الثورة الروسية فحدث ولا حرج، وهكذا فإن الثورة الفلسطينية تمت محاصرتها ووأدها، حتى غدت إسرائيل الدولة العنصرية الدينية دولة الديمقراطية في المنطقة بل والجار الحليف ضد الإرهاب.

عندما اندلع الربيع العربي أسقط في يد الجميع، وتداعى جمع من كل صوب لدعم الربيع كما ظهر حينها، فهل ثورات الربيع العربي استثناء في التاريخ حتى ينقلب السياق? القوى المحافظة التي من طبائع الأمور تقف ضد الثورة تمسي تقف معها؟، وهل كانت الإمبريالية في يوم ما مع التغيير بالثورة، وهل القوى المحلية جملة وتفصيلا كانت مع الثورة؟ ما حدث سنة 2011 من ثورات عربية شعبية حدث عالمي لم يحدث في تاريخ المنطقة الحديثة، هذا الزلزال بث الرعب في كل القوى المهيمنة والمسيطرة، لقد خرجت المنطقة تكاد برمتها عن "الكنترول"، وحطمت التوقعات وقلبت الموازين، لأول مرة شعوب المنطقة في تاريخها تأخذ بزمام الأمور تقلب الطاولة.

17 فبراير 2011 في ليبيا حدث ما ليس في الحسبان ولا متخيلا بعد خمسة عقود تقريبا من حكم فرد مطلق، بدأ بانقلاب عسكري وهيمن على بلاد في قلب البحر المتوسط وبثروة نفطية وعدد سكان قليل، كانت ثورة فبراير صاعقة وحتى مثيرة للخيال، هكذا كما في كل المنطقة ومنذ اللحظة الأولى بدأت القوى المهيمنة على العالم وخاصة الإقليمية التي لم يمسها الربيع بعد تتحرك وعلى وجه السرعة لإعادة السيطرة، وما بدا لنا جميعا أنه دعم ومناصرة في حقيقة الأمر كان دعما للثورة المضادة، وقد بينت ذلكم تفاصيل ما حدث وفي اللحظات الأولى لمن يراجع سرديات اللحظة التاريخية الاستثنائية تلكم، وكان النفط ودوله هم من اتخذوا زمام المبادة لإعادة الأمور لنصابها بدعم إقليمي من مثل تركيا وإمبريالي كالولايات المتحدة.

تضخ الأموال والأخبار والصور وتتدفق المعلومات من دول وتلفزيونات الخليج وما في حكمها كي تُنسي كارثة الربيع العربي الذي دعموه كي يدحروه ليس إلا

17 فبراير 2011م في ليبيا وضد الثورة فتحت الحدود وجلبت الطائرات من مطارات دولية حتى مطار جنوب أفريقيا الإرهابيين والمتطرفين وشذاذ الآفاق، وفي الداخل تم دعم فصائل إسلامية كالجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة، وكانوا في تلفزيون "الجزيرة" الدولي يقدمون كنجوم وباعتبارهم قادة الثورة وسادة اللحظة التاريخية الاستثنائية، وفتحت النيران على شخصيات ليبية تقود اللحظة كمصطفي عبد الجليل ومحمود جبريل وقتل عبد الفتاح يونس وتمت شيطنة كل رموز الثورة من أفراد ومدن وأحداث وأطلقت فتاوى التكفير، وفي لحظة حشدت البلاد على بكرة أبيها ضد ما دعي:

أولا: خطر أزلام النظام السابق وخيضت حروب ضروس ولأجل ذلك استبيحت منطقة كاملة في ليبيا هي "بني وليد"، ما اعتبرت وكر الشيطان: فلول القذافي، وأدير هذا بإرادة السلطة التشريعية المنتخبة في البلاد تحت إشراف الأمم المتحدة، وأنظار العالم شاخصة ودون أي تدخل أو إبداء شجب ولا حتى قلق.
ثانيا: خطر الفيدراليين حيث تم خلق إجماع وحشدت حشود وأطلقت أبواق وتصدرت الحياة مسألة انتشار وباء "الفيدرالية"، وفي يوم واحد وساعات غصت مدينة بنغازي بقضها وقضيضها لوقف ثلة صغيرة وصمت بأنها "فيدرالية" وأنها الشيطان الأكبر، وقاد هذا جماعات متطرفة تلبس لبوس الدين أو الوطنية، وأيضا ساهمت في هذا دول كبرى كبريطانيا وكانت محطة "الجزيرة" الدولية تنقل للعالم مباشرة هذا المحج لطرد الشيطان...
ثالثا: خطر "جضران" حيث تم دعم شخص هوليودي وقدم عبر محطات تلفزيونية أمريكية يدعى "الجضران"، استولى هذا الهوليودي على نفط البلاد، وكان حارسا أمينا كلف كشخصية غامضة من جهات غامضة بدور مريب ولمدة محددة وأهداف أيضا، وقد ساهم كمهيمن على أهم عنصر في اقتصاد البلاد في دعم الثورة المضادة التي كانت ساعتها تدعي أنها تحافظ على مباديء وأهداف ثورة فبراير "سبتمبر" العظيمة.
رابعا: بدأت حملة بث رعب وممارسة قتل واغتيالات كانت تمارسها قوى لم تفصح عن نفسها أبدا، وعمت شكوك وبثت شخصيات نافذة حتى الساعة ومعروفة بصلتها بالولايات المتحدة الاتهامات لجهة رجال القذافي، رجال القذافي الذين لم يكن لهم وجود على الأرض حتى في عهد القذافي من كان الرجل الوحيد كما أنه الصقر الوحيد.

أخيرا وليس آخرا ما تقدم قليل من كثير بحر الظلمات ما قاده أعداء ثورات الشعوب، من عملوا من أجل دحر الثورة، من خاضوا حربا ضرورة للدفاع عن مصالحهم وعن النفوذ ولوقف ودحر التغيير، وقد حدث هذا فيما مضى ويحدث وسيحدث وفي كل مكان، وليست ثورة 17 فبراير 2011م استثناء في ذلك، ولم ولن تقف هذه الحرب ضد 17 فبراير، الثورة التي قلبت الموازين فعمل على جعلها حربا أهلية أفقية تضطرد وتتفاقم، والساعة الجهد مركز لمحوها من التاريخ وقلب حقائقها وتزييف وقائعها، بمعنى أن الجهد مركز ومكثف لمحوها جملة وتفصيلا حتى النسيان ولمحو الذاكرة أيضا حتى العته: أوباما لم يذهب إلا ووكد أنها خطأ تاريخي، أما بوتن فلم يألُ جهدا للتنديد بالربيع العربي –خاصة بتدخل الولايات المتحدة في ليبيا من خلال قرار مجلس الأمن الذي لم يصوت ضده رقم 1973- وكان فعل هذا مع ثورة شعبه التي تسببت بمجيء مثله للسلطة.

كل ساعة تضخ الأموال والأخبار والصور وتتدفق المعلومات من دول وتلفزيونات الخليج وما في حكمها، كي تُنسي كارثة الربيع العربي الذي دعموه كي يدحروه ليس إلا.

17 فبراير 2011 في ليبيا حقيقة ولقد عمل القذافي لمدة (42) سنة كل الجهد والوقت والمال من أجل دحر ذكر الاستقلال 24 ديسمبر 1951، وعقب ساعات من يوم 17 فبراير 2011 كان علم الاستقلال يرفرف فوق محكمة بنغازي المقر الأول لثورة فبراير، ثم كان: يا بلادي يا بلادي نشيد الاستقلال نشيد البلاد مرة ثانية، لكن من ضد فبراير لن يتعض بل يزداد ضلالا.